استمتع عشاق المسرح بعنابة، أول أمس، بعرض حمل عنوان» الجبانة» وهي مسرحية دارت أحداثها كاملة داخل مقبرة، مع ذلك قدمت للجمهور جرعة مضاعفة من الفكاهة والضحك، اشتغل عليها المخرج عاطف كريم، الذي وظف شخصيات النص بشكل ذكي ليحاكي مشهد محاكمة الذات و الوقوف على ما قدمه الإنسان طوال حياته من تضحيات و ما ارتكبه من أخطاء.
دارت أحداث العمل كاملة وسط ديكور مقبرة، وأخذ حارسها « الساسي عساس الجبانة» حيزا كبيرا من العرض، نظرا لطول الحوار الذي جمعه بابنه « ثبيت»، وهو شاب يمل إلى التصرف بأنوثة، ما يثير غضب والده كثيرا، وقد توالت الأحداث بسلاسة وفي جو من الفكاهة رغم جدية المواضيع التي طرحت وواقعيتها كذلك.
وركز المخرج طوال العمل على موضوع الحرية، وقد تناوله من عدة جوانب طالها الحوار بين الشخصيات، حيث يلعب ثبيت الشاب غريب الأطوار، دور مترجم لوالده حارس المقبرة، الذي يعيش في جلد شخصيات كثيرة و ينتقل بخياله من حدث إلى آخر ليعيد تصويره مجددا، فنراه يتقمص شخصية الداي حسين ويعيش تفاصيل حادثة المروحة مرة أخرى، ولأنه لا يجيد اللغة الفرنسية، يستعين بابنه الذي يترجم خطابه إلى القنصل الفرنسي ترجمة ركيكة و خاطئة، فيتسبب في مشكلة كبيرة بين الرجلين فتندلع الحرب، يتنكر الشاب بعدها، ويعود مع المستعمر لمحاولة فرض قراراته، وبعد تجاذبات عدة يتخلص الداي من المبعوث الفرنسي، ويكشف خيانة ابنه.
وحين يستفيق من خيالاته، يعود حارس المقبرة لممارسة مهامه ويستقبل رئيس البلدية الذي يحدثه عن عصرنة «الجبانة» وجعل تسيرها إلكترونيا،  ثم يحاول إقناعه بتهريب جثث الموتى والاتجار بأعضائهم، و تتولى الأحداث ويحاول كل طرف أن يفرض منطقه على الآخر، في حوار متشعب يقودنا إلى العديد من المواضع ذات الصلة بتاريخنا النضالي لأجل التحرر، و واقعنا الحالي وتحديات عصرنا، يقدمها المخرج في قالب هزلي غلبت عليه اللهجة العنابية التي تفاعل معها الجمهور كثيرا.
المسرحية حسب المخرج عاطف كريم، الذي أدى دور حارس المقبرة، تحمل فكرة عميقة لمعنى»الحرية» و دور العملاء في  تمكين الاستعمار من شعبنا وأرضنا لفترة طويلة، وتتناول بعض الآفات التي يتخبط فيها المجتمع والتي أفرزها الغزو الثقافي أيضا، من خلال التركيز على شخصية « ثبيت» التي تكسر في حد ذاتها بعض الطابوهات الاجتماعية، أما بيئة الأحداث أو المقبرة، فقد اختيرت لكي ترمز إلى المحطة الأخيرة التي تفتح فيها كل الحسابات.
قدم العمل ثلة من رجال الركح الجهوي عز الدين مجوبي، على غرار بوبو و رضوان بوقشابية و فوزي المعروف باسم «فوفو»، ومحمد شريف وديني، وقد أنتجت المسرحية من طرق جمعية مبدعون بلا حدود الثقافية وكانت قد فازت بعديد الجوائز، كأحسن أداء رجالي لرضوان بوقشبية في المهرجان الوطني للإنتاج المسرحي النسوي سنة 2022، وجائزة تريكي البرونزي بالمهرجان الوطني للمسرح المحترف بڨالمة سنة 2023، كما افتكت جائزة التيطري الفضي، لأحسن إخراج للفنان عاطف كريم.
حسين دريدح

الرجوع إلى الأعلى