- الجبـل السحري - خلـوة ثقافية بأعالـي سيرايـدي

افتتحت مؤخرا، سيدة من عنابة مشروعا ثقافيا بنكهة سياحية بمنطقة سيرايدي، وهو عبارة عن مقهى ثقافي أسمته السيدة كريمة شيبان «لامونتان ماجيك» أو الجبل السحري، مستوحية الاسم من عنوان رواية شهيرة للأديب الألماني «توماس مان» الحاصل على جائزة نوبل للآدب سنة 1929، وقد تحول المقهى في غضون أيام، إلى مقصد للمولعين بالأدب والفنون و هواة الخلوة الثقافية.

يتواجد المقهى الثقافي أين تمتزج حلاوة الكلمات بلذة الحلويات، وسط طبيعة خلابة، على مقربة من الساحة المركزية ببلدية سيرايدي، ويسهل جدا الوصول إليه مشيا على الأقدام كونه قريبا من موقف حافلات النقل شبه الحضري وسيارات الأجرة، ولا يكلف التنقل إليه أكثر من 120 دج، ذهابا وإيابا من وإلى مدينة عنابة. زرناه خلال يوم ماطر ضبابه كثيف، فحملت الأجواء المقهى إلى بعد رومنسي آخر، و بدا الموقع بفضلها بعيدا عن الأرض يكاد يعانق السحاب، استقبلتنا السيدة كريمة، بحيوية وبابتسامة مضيافة صارت تشتهر بها بين رواد مقهاها، الذي ينسيك الجلوس داخله برد سرايدي اللاسع، بفضل منظر موقد الحطب الطبيعي و لون لهيب النار المشتعل.
كانت مضيفتنا، حريصة على تزويد المدفئة بالحطب لتتوهج النار أكثر ويعم الدفء المكان، وقد نبهت العاملين معها بالاهتمام بالموقد، الذي تجاوره طاولات الزبائن و يعلوه رف للكتب، يسمح لزائره بالإبحار في محيطات الأدب وسط ديكور جميل يتناغم مع طبيعة سيرايدي بشكل مثالي.
هو تكريم لوالدي المتقاعدين من سلك التعليم
أنشأت محدثتنا المقهى لتكرم كما قالت، والديها المتقاعدين من سلك التعليم موضحة: "أبي كان مفتشا للغة الفرنسية وقد ترك كنزا من الكتب، استغليته بعدما تقاعدت بدوري من عملي كمهندسة في الإعلام الآلي، وفكرت في أن أقدم مشروعا مختلفا لسكان سرايدي، أردت أن أقدم إضافة تحقق الاستقطاب السياحي للمنطقة، و تجذب سياحا من عشاق الثقافة والأدب، يمكنهم احتساء فنجان قهوة وقراءة كتاب، والحديث في مواضيع مختلفة". تزين كريمة مقهاها بلوحات وصور للعديد من الكتاب أغلبهم جزائريون على غرار محمد ديب و آسيا جبار و مولود معمري و أحلام مستغانمي، و قد خصصت زاوية في هذا الفضاء الثقافي للأدب المغاربي، كما تتوفر أيضا كتب بالغة العربية و أخرى بالفرنسية والإنجليزية، وعلقت على مشروعها قائلة: "أردنا أن نضيف روحا ثقافية للمنطقة، ولتصبح سيرايدي ملتقى للمهتمين بالثقافة والأدب، و حتى نحضر لاحتضان نشاطات وأحداث ثقافية وننظم جلسات وأمسيات موسيقية".
والمقهى كما أخبرتنا، مفتوح أمام الشباب لممارسة بعض الألعاب مثل الشطرنج وغيرها، حيث أضافت قائلة: "هدفنا استقطاب الجميع من كل الفئات لتحفيزهم على القراءة والمطالعة، مع توفير حلويات ومقبلات وكذا عصائر بكل الأذواق، حتى يكون المقهى فضاء للراحة، كما نعتزم برمجة جلسات وحلقات للنقاش حول كتب وروايات أو ما تكتبه الجرائد من مقالات ثقافية، حتى نكرس الحوار البناء و تبادل الآراء ووجهات النظر في مكان يخدم الثقافة و الأدب".
زوار أحبوا كلمات وحلويات
لم تتوقف الحركية طوال تواجدنا في المقهى، فمن الزوار من قصدوه أول مرة، ومنهم من صاروا زبائن أوفياء، وقد كانت كريمة بشوشة تستقبل الجميع بترحيب، بينهم عائلة من عنابة معها ضيفة تونسية، قابلناهم هناك وقد عبروا جميعا عن إعجابهم بالمكان و طبيعة الفكرة، وقال سيدة إنه فضاء مميز على بساطته، خاصة وأنه يوفر تجربة مؤانسة الكتاب وسط طبيعة سيرايدي الفريدة، وقالت إن تسمية «كلمات وحلويات» أيضا مختلفة و جميلة، معتبرة بأن المقهى قدم إضافة نوعية للسياحة في عنابة التي تفتقر لمشاريع خدماتية مماثلة، معلقة «نشجع صاحبة الفكرة وندعمها في هذا المشروع».
وقالت السائحة التونسية، إن المكان جميل جدا وقد زاد من تميز سيرايدي وهي تجربة مختلفة تضفي للسياحة طعما آخر إلى جانب سحر الطبيعة خاصة وأن المقهى يتميز بالدفء و بعبق الثقافة والفن و لذة الحلويات.
 لاحظنا بأن زبائن المكان متنوعون أزواج وعائلات وشباب وحتى تلاميذ مدارس، دفعهم الفضول للدخول واكتشاف المقهى الثقافي وما يقدمه من خدمات إلى جانب الكتب، بما في ذلك جانب الإطعام، وعن ذلك قالت كريمة: "تفاعل الجمهور كان إيجابيا كثر هم من شجعوني، و البعض أهداني كتبا لقد أعجبوا بفكرة القراءة والجلوس بهدوء بالقرب من موقد حطب، مع وجود الحلويات والمرطبات". مضيفة  "أول من شجعني كان رئيس البلدية، الذي قام بزيارتي رفقة مسؤولين وقد ساهموا بشكل كبير في الإشهار للمقهى الثقافي، كونها فكرة تجسد لأول مرة في سرايدي، وحثوني على تنظيم لقاءات ثقافية يغلب عليها الجانب الأدبي والفني".
وأكدت، بأن هدفها هو جعل المقهى عامرا خارج موسم الاصطياف، كون سرايدي منطقة سياحية يقصدها السياح والمصطافون من مختلف الولايات والبلدان، إذ تسعى لتخصيص فضاء ممتع للمقيمين بولاية عنابة وما جاورها خارج موسم الاصطياف، وجعل المقهى دائم الحركية الثقافية طوال السنة، عن طريق تنظيم مختلف الأنشطة و توفير مساحة لحاملي الأفكار الثقافية، فضلا عن إتاحة الفرصة لطرح النقاشات وتبادل الآراء،  وهو نفس الرأي الذي شاطره نجم الدين، المشرف على تقديم الحلويات والمشروبات، قائلا بأنه يصنع الحلويات بنفسه في المقهى ويحرص على توفير التقليدية منها، إلى جانب تقديم المشروبات الساخنة والباردة حسب الطلب ليضمن تنوعا يتناسب مع طبيعة المكان.
حسين دريدح

الرجوع إلى الأعلى