معظم زبائني أطباء و مشروعي لإنجاز جداريات في محطات  ترامواي قسنطينة تبخر
 انتقد الفنان التشكيلي القسنطيني السعيد بوطمينة عدم الاهتمام بفن الفسيفساء في الجزائر و «تهميشه»، مقابل تشجيع كل ما يأتي من الخارج، رغم أنه لا يعكس تراثنا، كما ذكر في حواره مع النصر، أن الوالي الأسبق «انبهر» بلوحاته، و طلب منه إنجاز رسومات جدارية بمحطات الترامواي،  لكن المشروع تبخر.
. النصر: كيف كانت بداياتك مع الفن التشكيلي؟
ـ السعيد بوطمينة: درست الزخرفة المسطحة بمدرسة الفنون الجميلة بالعاصمة لمدة أربع سنوات، و تخرجت سنة 1986 ، لأصبح أستاذا في التربية الفنية التشكيلية بثانوية قرارم قوقة بولاية ميلة، و درّست كذلك بمتوسطتي عبود خيرة بوسط مدينة قسنطينة، و المسعودي بابن زياد، و قد كنت أنجز لوحاتي بعد أداء صلاة الصبح و في وقت فراغي، لكن ليس بشكل يومي بحكم مهنتي التعليمية، قبل أن أحصل على التقاعد بعد 28 سنة من العطاء.كانت بدايتي في فن الفسيفساء عام 1999 ، و قد شاركت في عديد المعارض بولاية قسنطينة.
. ما الذي جذبك إلى فن الفسيفساء عن غيره من الفنون؟
ـ فن الفسيفساء يتطلب الكثير من الصبر  فقطع السيراميك وحده يتطلب جهدا ، حيث أستغرق أسبوعا في ذلك، مستعملا أداة الكلاب، و أقوم بوضع كل لون على حدى في علب، و أستخدم كذلك الغراء ذي النوع الجيد، للصق قطع السيراميك التي جهزتها بأشكال هندسية مختلفة، و أضعها في المساحات المخصصة، هذا بعد أكون قد رسمت اللوحة الفنية، و التي توضع مسطحة عند انجازها، و أبدأ باللصق،  لوحاتي ذات مواضيع مختلفة فهي تجسد المناظر الطبيعية المحلية، الشخصيات الوطنية و التاريخية، و المواقع الأثرية ، و كذا اللوحات الواقعية أو الانطباعية أو التعبيرية.
. ما هي المواضيع التي تجد صعوبة في تجسيدها على لوحاتك؟
ـ أجد صعوبة فقط في انجاز اللوحات المتعلقة بالشخصيات، فالبورتريه خاصة بالفسيفساء ، يتطلب دقة متناهية و جهدا و تركيزا و صبرا، لإنجاز عمل متميز و دقيق، كما أجد أحيانا صعوبة في اختيار الألوان فقد تكون غير متوفرة، ما يضطرني إلى استبدالها بأخرى متقاربة،  لكن المناظر الطبيعية و الطيور و غيرها لا أجد في تجسيدها صعوبة بتاتا.
. هل ترى بأن هذا الفن يحظى باهتمام المجتمع الجزائري؟
 ـ لا على الإطلاق، فن الفسيفساء لا يحظى باهتمام مختلف شرائح المجتمع، ما عدا الأطباء، فهم يهتمون كثيرا بهذا الفن، كما أنهم لا يترددون في اقتناء اللوحات مهما كان سعرها، أما شريحة الأغنياء من مقاولين و غيرهم، فهم يفضلون اقتناء اللوحات المستوردة و غير المعبرة عن عاداتنا أو تراثنا، بغض النظر عن سعرها الباهظ، على أن يقتنون لوحات فنية راقية بأسعار معقولة  مقارنة بمستواهم المادي، و حتى إن أرادوا اقتناء لوحة معينة يتحججون بغلاء سعرها، و يتفاوضون على سعرها لأنهم يريدون اقتناءها بسعر رمزي ، كما أن المسؤولين في الجهات الوصية، لا يقدرون الفن الذي نقدمه نحن الفنانون التشكيليون.
. نفهم من كلامك أن زبائنك من الأطباء فقط؟
ـ نعم زبائني من الأطباء، كما أنجز أحيانا جداريات لمؤسسات تربوية مع الخواص، و أتعامل مع المهندسين المعماريين لإنجاز لوحات داخلية أو خارجية للمنازل، و في  بعض الأحيان أعمل مع  أصدقاء لي من أجل تصميم أرضية منازلهم بالفسيفساء من مادة الرخام ، و أركز في أعمالي على إدخال الفسيفساء ،  و أحرص على تجسيد أشكال هندسية مستوحاة من تراثنا الشاوي و الصحراوي و القبائلي على جدران المنازل، بعد أن أقدم للمعني تصورا و رسما يتلاءم و رغبته،  وأحيانا الزبائن هم من يختارون الموضوع.
. إذا تعتمد على فنك كمصدر وحيد لدخلك؟
ـ لا... لا يمكن اعتماده كدخل وحيد لسد متطلبات العيش، فمن النادر أن  تباع اللوحات، أنا لا أعتبر الفن مهنة، بقدر ما هو هواية أو عمل إضافي.
. ما سعر اللوحات التي تعرضها ؟
ـ سعر اللوحة يكون حسب حجمها، و يتراوح بين ألفين و 10آلاف دينار و بعضها يصل إلى 50ألف دينار، عندما يتعلق الأمر ببورتريه لشخصية تاريخية و بحجم كبير.
. ما رأيك في تمثال العلامة عبد الحميد بن باديس الذي أنجز خلال عاصمة الثقافة العربية؟
ـ من أشرف على انجاز تمثال عبد الحميد بن باديس لم يوفق في انجازه تماما و لم يعطه قيمته،  لأنه ليس جزائريا و  يجهل تاريخ الشخصية و قيمتها الثقافية، تمثاله حسب رأيي، أنقص من قيمته كشخصية وطنية تاريخية و رجل دين، و لدينا في الجزائر فنانون تشكيليون محترفون، بإمكانهم تقديم الكثير لهذا الفن في البلاد ، على غرار الفنان التشكيلي القسنطيني بشير بوشريحة. أعتقد أن  سبب فشل التماثيل، راجع لانعدام سياسة التشاور بين المسؤولين والفنانين التشكيليين المحترفين، و إلى عدم إعطاء الثقة للكفاءات المحلية.
. لاحظت من خلال لوحاتك المعروضة غياب البروتريهات و كذا الثنائيات ..ما السبب؟
ـ أتجنب بروتريهات الشخصيات، لأن وضعها يقتصر فقط على أماكن معينة و لا يجوز وضعها في المنازل، باعتبارها مجسم إنساني، لكنني أنجزها عند  الطلب كلوحة العلامة عبد الحميد بن باديس المعروضة، و التي أنجزتها في الأصل بطلب من بلدية قسنطينة، غير أنني واجهت مشكلا حال دون بيعها.  
.ما سبب رفضك بيع لوحة العلامة عبد الحميد بن باديس لبلدية قسنطينة، بالرغم من أنك أنجزتها بطلب منها ؟
ـ رفضت بيعها لأننا لم نتفق على سعرها، فقد طلب مني أمين عام سابق لبلدية قسنطينة إنجاز لوحة ذات حجم كبير لشخصية العلامة عبد الحميد بن باديس، لوضعها في إحدى المؤسسات، غير أنني تفاجأت بعد الانتهاء من إنجازها الذي استغرق ثلاثة أشهر أن المسؤولين رفضوها بحجة أن سعرها باهظ ، حيث عرضوا شراءها بـ 10 آلاف دينار،  بدل 100ألف دينار، و هو سعر اللوحة، فالمسؤولون على الهيئات المحلية يستصغرون العمل الذي نقوم به كفنانين تشكيليين.
. هل سبق و أن اختيرت لوحاتك في دواوين شعرية ؟
ـ نعم، اختير عدد من لوحاتي في بعض الدواوين الشعرية، و قد أشرفت على تصميم عدد من الأغلفة الخارجية لإصدارات شعراء، أذكر منها الغلاف الخارجي للشاعر الجزائري ناصر شرفية، و أيضا كتاب «آخر سفن»، و كتاب آخر عنوانه «إله من ورق» ، قمت بتصميم أغلفتهما . كما صممت غلافا لكاتب فلسطيني كان يدرسني مادة الفلسفة عندما كنت طالبا، و هناك شعراء أعجبوا بلوحاتي و استلهموا منها أبياتا شعرية.
. حدثنا عن مشروعك مع والي قسنطينة الأسبق نور الدين بدوي الذي لم يجسد بعد أن أصبح وزيرا؟
ـ عندما كان وزير الداخلية نور الدين بدوي واليا لقسنطينة، أعجب بلوحاتي التي شاهدها في أحد المعارض، فاتصل بي و قابلته في مكتبه آنذاك، حيث طلب مني انجاز جداريات في محطات الترامواي،  و قال لي بأنه و بمناسبة عاصمة الثقافة يريدني أن أنجز لوحات بفن الفسيفساء بالولاية. اجتهدت و بحثت كثيرا و أنفقت  مليوني سنتيم في اقتناء الصور و التركيب و الفوتوشوب، و بعد الانتهاء من ذلك وجهني الوالي إلى مدير النقل للاتفاق على المشروع، و قمت بعرض ما قمت به، إلا أنه لم يتحدث إلي و أرسلني إلى سيدة تعمل في شركة «بيزاروتي» مكلفة بأشغال الترامواي، فطلبت مني تحضير بطاقات تقنية عن اللوحات الجدارية المتضمنة اسم كل محطة، و اشترطت علي أن يعمل معي «فلان» إلا أنني رفضت. بعد ذلك اتصل بي مدير الأشغال العمومية و قيل لي أن الوالي هو من طلب منه ذلك ، و طلب مني انجاز لوحات لتزيين جدران مسجد الأمير و مساحات عمومية، و عرضت عليه حين استقبلني، ما قمت بتصميمه، و قد كان يقلب الصفحات و يتحدث معي دون مشاهدتها. و قررت التوجه إلى الوالي  بعد أن حددت موعدا معه لطرح الموضوع، ففوجئت بأنه عين وزيرا للتكوين المهني فتبخرت مشاريعي و ذهب جهدي سدى.
. جديد السعيد بوطمينة
ـ أحضر للمشاركة في الصالون الجهوي لفن النحت على الحديد في أم البواقي، يوم 19 ديسمبر المقبل، و قد قمت بإنجاز مجسمات من حديد.                                 
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى