صورية بيتو مثقفة جزائرية تفتتح أول مقهى أدبي في وهران
اسمها الحقيقي صورية بيتو لكن يلقبها الأدباء والشعراء من مرتادي المقهى الذي تمتلكه في وسط مدينة وهران  «بمي زيادة الجزائرية» نظرا للتشابه الكبير بينها وبين الكاتبة اللبنانية فكلتاهما تملكان عينين خضراوين تتلألآن عند سماع الشعر،وهو الشغف الذي دفع بابنة وهران إلى  خوض تجربة فريدة حيث حولت جزء من المقهى الذي تديره « مقهى طاسيلي»، إلى ناد أدبي مختلط يحتضن كل ثلاثاء ومنذ قرابة الثلاث سنوات ندوات ولقاءات في الفكر و الشعر و الأدب.  السيدة صورية استطاعت من خلال تجربتها المختلفة أن تكسر تلك الصورة النمطية للمقهى بوصفه مكانا يحتكره الرجال فقط،حيث  أوجدت نموذجا مختلفا تماما عما عهده الجزائريون، بعدما افتتحت مقهى أدبيا يعكس اهتماماتها ككاتبة و شاعرة عصامية تتحدى بابتسامتها وطيبة روحها كل العراقيل.  النصر كانت حاضرة خلال إحدى الجلسات التي تشرف عليها بنفسها، وشاركت بعض الأدباء والشعراء على غرار شريف روان و أشواق فيلالي، جلستهم التحضيرية للندوة الأدبية، فكانت لنا دردشة جميلة مع مي زيادة الجزائر، حدثتنا خلالها عن مشروع المقهى الأدبي تحدياته و طموحات توسيعه.

النصر: كيف ولدت لديك فكرة إنشاء صالون أدبي، حدثينا أكثـر عن هذه المبادرة؟
صورية: كنا جماعة من الكتاب والشعراء والأصدقاء نجتمع في أماكن مختلفة لعدة سنوات، منها دور الشباب و بعض الفضاءات الثقافية وحتى غير الثقافية، وهذا منذ أن أغلق المقهى الأدبي الوحيد الذي كان موجودا في وهران أبوبه قبل 20 سنة، ثم صادف أن اشتريت مقهى في وسط المدينة  أحببت هندسته الجميلة و تفاصيله الدائرية، وهو مكان اعتاد الفنانون والمثقفون  والمحامون الوهرانيون ارتياده بحكم تواجده ضمن مجلس القضاء ، فقررت أن أضحي بالطابق العلوي منه، واستغله لأغراض غير تجارية،  كأن أحوله لناد أدبي أجمع فيه شمل أصدقائي الأدباء والشعراء والفنانين و عشاق الوسط الثقافي، و هو ما تم بالفعل حيث أثمرة الفكرة و تجسدت تدريجيا.


ـ بعد ثلاث سنوات من تجسيدك للمشروع كيف تقيمين التجربة، هل استطاعت كسر الروتين الثقافي وخلق نمط جديدا؟
–  في البداية  لم يكن عددنا كبيرا، مجموعة صغيرة من الأصدقاء فقط، ولكن سرعان ما ذاع صيت المقهى وأصبح يستقطب الأدباء والشعراء من مختلف ولايات الوطن، وأصبحت طلبات المشاركة تتهاطل علينا باستمرار، مما جعلني أفكر مع أصدقائي في إعادة النظر في تنظيم الندوات وفتحها لشريحة أوسع حتى تتسنى لعشاق الفعل الثقافي و ممارسيه فرصة المشاركة في إثراء الوسط من خلال تجاربهم و أفكارهم المختلفة حتى بالنسبة للمواهب الشابة، فضلا عن أننا فكرنا في كسر كل القيود و فتح المجال أمام الجميع بما في ذلك الكتاب المفرنسين و من ينتجون في مجال الثقافة باللغة الانجليزية و حتى الأمازيغية، وإلى الآن يمكنني القول بأنني أفخر بما قدمته و أقدمه وان كان السؤال هل كسرنا الروتين فيمكن أن أجيب بنعم، حققنا ذلك إلى حد معين.
ـ بدايتك أنت مع الكتابة والإبداع الأدبي كيف كانت؟
- أعشق الكتابة الأدبية منذ الصغر، ولكن بدأت تدوين أفكاري في الخاطرة خاصة قبل 18 سنة، حينها لم أكن أحب الظهور أو المشاركة في الندوات والمناسبات الثقافية لأنني كنت خجولة جدا، وأخشى ردود أفعال كبار الكتاب، لذا فقد كنت أكتب وأخفي ما أكتبه خزانتي، لغاية السنوات الأخيرة، حين قررت أن استجمع شجاعتي و أخوض التجربة، و بالفعل وتجاوزت خجلي وبدأت في الظهور.
منبري الأول كان الجامعة حيث شاركت في مسابقة أدبية وتحصلت خلالها على جائزة شجعتني كثيرا على المواصلة، بعدها بادرت بتنظيم جلسة تكريمية للأستاذة حبيبة رئيسة الجمعية الثقافية المحبة والسلام، التي ساعدتني كثيرا وشجعتني في مشواري، فقدمت خلال الجلسة شعرا وكانت تلك انطلاقة فعلية لمسيرتي حيث إكتشف أصدقائي موهبتي في هذا اللون الأدبي بعد أن كانوا يعرفونني في النشاط الثقافي المتنوع شجعوني ودعموني، فكونت ورشة تجمع الأصدقاء وتنشط كلما أتيحت الفرصة، لغاية إلتحاقي بإتحاد الكتاب الجزائريين فرع وهران، عندها بدأت المشاركة في الأماسي الشعرية والأدبية في فضاء مقهى طاسيلي الذي كنت قد إشتريته.
ـ ما مصير كتاباتك التي حبستها في الأدراج لسنوات؟
–أفكر اليوم في إخراجها وتنقيحها رفقة مختصين في المجال، لأنني عصامية في المجال الثقافي، وأحضر لطبع ديوانين في صنف الخاطرة، كما أسعى حاليا لإنشاء جمعية ثقافية تكون الإطار القانوني لنشاطات مرتادي المقهى الأدبي، كما أنني أطمح لخوض تجربة للكتابة في أجناس أدبية أخرى منها الشعر الشعبي الملحون، إلى جانب أنني إكتشفت في نفسي موهبة تأليف كلمات أغاني ، وقد سبق أن أعددت عملين لصالح الحملات التحسيسية التي شاركت فيها رفقة الأسرة الأدبية،  العمل الأول تناول ظاهرة اختطاف الأطفال والثاني يتعلق بوضعية المتشردين، وهذه الأغنية تحديدا لا تزال تبث عبر أثير الإذاعة المحلية بعد أن أداها المغني محبوب. أحضر من جهة ثانية لكتابة رواية عن كفاح الثوار إبان الإستعمار وخاصة المجاهدين الذين كانوا في فرنسا حينها، الفكرة وليدة تأثري بمسار كفاح جدي لأمي وجدي لأبي اللذان كانا في فرنسا وشاركا في الحرب العالمية الثانية وغيرها من الأحداث التي شدت انتباهي وحفزتني لأخلد ذكراهما في رواية.
 كما أنني أحوز على تراث فني آمازيغي غير معروف منه ما هو مكتوب ومنه ما هو مسجل، وأنوي أن أجمعه وأعيد له الإعتبار.
ـ هل تتطلعين للكتابة بلغة أخرى غير العربية؟
- إبداعي بدأ باللغة العربية رغم أن أصولي من بجاية أين كنت أعيش قبل أن أتزوج  و أنتقل للعيش في وهران، لذا  قد يأتي يوم أقرر فيه أن اكتب لغتي الأم الأمازيغية، كما أنه لا مانع لدي من اختبار تجربة الإبداع باللغات الأخرى، فعادة ما أنظم أمسيات أدبية بلغات مختلفة، إثراء لنشاط النادي وسعيا لكسر الجمود بين الفرقين الفرنكوفونيين و المعربين، فأنا أريد أن يكون المقهى الأدبي الذي أشرف عليه فضاءا لجمع شمل المثقفين والمبدعين على اختلاف توجهاتهم و اهتماماتهم ولغاتهم.
ـ هل لديك ميولات أخرى في مجالات غير الأدب ؟
- نعم بالصدفة وجدت نفسي انخرط في العمل السياسي، مع أن تجربتي محتشمة حاليا، ولكنني اعتزم اغتنام كل فرصة تتاح لي في هذا المجال، قد أخدم الثقافة مستقبلا من خلال نشاطي الحزبي.

ـ أنت ربة بيت و أم، كيف تقبل محيطك العائلي فكرة إشرافك على مقهى أدبي؟
- قضيت حياتي في رعاية زوجي وأولادي ولازلت ملتزمة بذلك، ولكنني لم أهمل جانب النشاط الثقافي يوما، فزوجي كان أول من يقرأ لي منذ ارتبطنا، هو أول من اضطلع على ما حملته في حقائبي من خواطر،  وحتى أهله يشجعوني على المواصلة.
 لغاية اليوم لم أواجه مشكلة في تسيير المقهى بشقيه الأدبي و العادي، لأن المرأة بطبيعتها تعرف كيف توفق بين بيتها و عملها وهنا مربط الفرس.
أما بخصوص أبنائي فيبدو أن ابني البكر عبد الحق قد ورث ميولاتي الثقافية، فمنذ كان سنه 10 سنوات وهو ينشط في الفرق المسرحية وفي النشاط الفني والثقافي وتحصل على عدة جوائز، شقيقاه الأصغر أيضا متميزان و ناجحان وهم فخري وسعادتي.
ـ لو نعود لتسيير مقهى طاسيلي، هل من السهل على المرأة أن تملك و تدير مثل هكذا فضاء؟
– أكيد أن عمل المرأة يصطدم ببعض المشاكل والصعاب وفيه الكثير من التعب، لكن لحد الآن لم أواجه مشاكل لأن مسير المقهى قريبي وأثق فيه، كما أن المكان هو مقصد للمثقفين والإطارات، فالمقهى منذ القدم معروف بأنه ملتقى للفنانين، أما بالنسبة للنشاط الأدبي فقد خصصت له الطابق الأول، وهو فضاء قمت بتهيئته ليناسب قعدات الكتاب والأدباء وليس صعبا أن أنظم فيه جلسة أدبية أو أمسية شعرية خاصة وأنني أنشط في الوسط ولدي صداقات كثيرة فيه.
ـ مقاهي ونوادي ثقافية أشرفت عليها نساء في تاريخ الإبداع العربي
ـ تؤكد بعض المصادر أن أول فضاء أدبي  من هذا النوع قد أنشأته السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما، حيث كان يجتمع في بيتها العلماء والفقهاء وأهل الأدب والشعر وغيرهم، ويقال أنه كانت لها رؤية نقدية خاصة، ويروى أنها فضلت الجرير على الفرزدق في إحدى المحاكمات النقدية.
كما عرفت البلدان العربية صالونات أدبية متعددة أشرفت عليها نساء عبر التاريخ، منها صالون ولادة بنت المستكفي بقرطبة خلال الحكم العباسي، وقد أحبها لذلك الوزير الشاعر ابن زيدون وكتب فيها قصائد لازالت خالدة.
وفي ظل الحضارة العثمانية، كان أول صالون أدبي تشرف عليه امرأة في مصر، وهو صالون نازلي فاضل بنت الأمير مصطفى فاضل، وكان يرتاده كبار المثقفين حينها مثل محمد عبده، سعد زغلول، وقاسم أمين وغيرهم من المدافعين على حق المرأة في التعلم.
 أما في بداية القرن التاسع عشر فظهر في سوريا أول صالون من هذا النوع مع ماريانا وهي أديبة من أسرة مثقفين وشعراء ومبدعين في حلب، وصدر لماريانا أول ديوان شعر سنة 1893، وكانت سيدة تجمع بين الثقافة العربية والفرنسية.
ولعل أبرز صالون أدبي أشرفت عليه إمرأة كان للبنانية مي زيادة، التي كانت تنشط في مصر في مجالات الثقافة والصحافة، وقد فتحت الصالون الأدبي سنة 1911، وكانت تتقن الفرنسية و الإنجليزية والألمانية وكانت محط إعجاب مرتادي الصالون من الشخصيات المرموقة آنذاك.
أما اليوم فيوجد عشرات الصالونات الأدبية أو المقاهي والنوادي الأدبية التي تشرف عليها نساء في مختلف البلدان العربية، أما في الجزائر فأعتقد بأن تجربتي تعد رائدة في أيامنا هذه.
حاورتها : هوارية/ ب

الرجوع إلى الأعلى