يشدد أخصائيون، على ضرورة اعتماد آليات مراقبة إلكترونية للتحكم عن بعد في استخدام الوسائط الاجتماعية والتكنولوجيات الحديثة، تمكن من متابعة وتأطير ما يتعرض له الأطفال من محتوى رقمي سلبي، بات سببا في تسجيل إضرابات سلوكية ونفسية وحتى عقلية مفاجئة لدى أطفال، ناهيك عن تهديد ما يعرف بالتوحد الافتراضي، إذ قدم نفسانيون نماذج لحالات تجري متابعتها بمرافقة أولياء، مبرزين الأعراض التي توحي بدخول الطفل دائرة الخطر.

أسماء بوقرن

يشاع كثيرا أن منتجات التكنولوجيا تساعد على تطوير مهارات الطفل من خلال تعلم استخدام الأجهزة الذكية كالألواح و الهواتف التي أصبحت متاحة للجميع مع توفر الإنترنت بتدفق عال، مع ذلك تطرح إشكاليات ومحاذير تتعلق بطبيعة الاستخدام العشوائي للمحتوى، والذي تختلف طبيعته باختلاف ثقافة الشعوب وديانتها، فوفرة محتوى متنوع يلبي كل الرغبات شكلت علاقة وطيدة بين المستخدم والوسيلة التي يدمنها أطفال منهم من دخل نوعا من العزلة، فيما يواجه البعض خطر التلاعب أو الاستغلال عن طريق المحتوى الهدام.
وقد سجلت بين مستخدمين أطفال إضرابات سلوكية ونفسية وعقلية، وفقا لما تحدث عنه مختصون، على غرار النفساني العيادي ماليك دريد، الذي نشر مؤخرا عبر صفحته، نماذج لحالات يتابعها، تتعلق بأطفال يعانون من التبول اللا إرادي والكوابيس الليلية وإضرابات النوم والشهية وتراجع المستوى الدراسي، سببها محتوى سلبي  وعنيف يتعرضون له على الهواتف.
تطبيقات المراقبة الأبوية سلاح في وجه الخطر الإلكتروني
و يفرض هذا الوضع حسب الأخصائي، استفاقة الأولياء و الانتباه لطبيعة الأخطار التي ترافق استخدام الصغار للهواتف والألواح الرقمية، و البحث عن آليات مراقبة تمكن من متابعة وتأطير ما يتعرضون له من محتوى رقمي، خصوصا وأن الحلول متاحة بشكل واسع عبر المتاجر الإلكترونية، وتتمثل في محركات بحث فئوية وتطبيقات إلكترونية.
وقد بين استطلاع قمنا به، أن هناك من الأولياء من يعتمدون فعليا على هذه التطبيقات، إذ قال رجل، بأنه لجأ إليها لتقليل أضرار التعرض للمحتوى الذي تتيحه مواقع التواصل وقنوات يوتيوب، التي باتت تشكل تهديدا مباشرا للطفل.
 مردفا، بأنه لم يكن يعتقد بأن توفيره لوائح إلكترونية ومنح هاتفه الذكي لطفله، سيدخل أحد أبنائه دائرة الإدمان ويؤثر على سلوكه ويعزله عن محيطه الاجتماعي، ويسلبه براءة الطفولة، لكنه صدم بتغير جذري في سلوك ابنه، لم يربطه في البداية بالهاتف، لكنه تنبه لذلك بعدما وصلت الحالة إلى مرحلة المتابعة عند أخصائي نفساني، حينها تبين أن ما يعاني منه الطفل، هي عزلة اجتماعية وإضرابات سلوكية ونفسية ناجمة عن تعرضه لمضمون رقمي لا يناسب سنه، يحرض على فساد الأخلاق.
وأوضح المتحدث، أن الأخصائية التي تتابع حالة ابنه نصحته بتقليل مدة وحجم استخدام الهاتف و عدم سحبه كليا بشكل مفاجئ، حتى يكون التخلي سليما ودائما ولا يشكل صدمة للطفل، كما نصحته باعتماد آليات مراقبة لتحديد المحتوى الملائم له مستقبلا، مثل تطبيق «غوغل فاميلي لينك»، الذي يسمح باستخدام حساب «غوغل» الخاص بالطفل وإدارة التطبيقات التي يستخدمها ومراقبة شاشته في أي وقت، و أيضا تحديد مواعيد النوم التي سيتوقف عندها عمل الهاتف أو اللوحة الإلكترونية. ويتيح التطبيق إدخال تعديلات على هاتف الطفل أو المراهق من خلال هاتف الأب أو الأم، كما يسمح بولوج متجر التطبيقات وتحميل ما يناسب سنه.
من جهتها قالت إيمان، وهي أم لثلاثة أطفال، بأن عالم الانترنيت أشبه بالبحر، يغرق كل من لا يجيد السباحة فيه، حيث يغريك الجلوس أمامه ووضع أولى الخطوات بشاطئه، إلا أن متعته لن تدوم طويلا في حال غصت في أعماقه وأنت لا تجيد العوم، وهو ما استخلصته من تجربتها مع ابنها الذي يعاني من اضطرابات في النوم والتبول اللا إرادي، الذي ربطه أخصائيون تابعوا حالته، بالاستخدام السيّئ لقنوات اليوتيوب والألعاب الإلكترونية.
 واتضح من خلال المعاينة حسبها، أن الطفل كان يتعرض لمحتوى مخيف وعنيف غير سلوكه، ناهيك عن إدمان الهاتف لدرجة الدخول في نوبة صراخ وبكاء شديدة عند منعه من استعماله، حيث قالت إن تجاوز المرحلة، كانت بمساعدة نفسانية و عن طريق استخدام تطبيقات الرقابة الأبوية التي تسمح للولي بتحديد المحتوى الذي يشاهده الأبناء، كتطبيق «نورتون سيكيوريتي بريميوم»، الذي يمكن من الإشراف على البحث الذي يقوم به الطفل عبر الإنترنت.
 و يسمح  التطبيق حسبها، بتتبع المواقع التي يزورها، ناهيك عن حساب المدة الزمنية التي يستغرقها، وحتى الاطلاع على الرسائل التي يستقبلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى عروض الفيديو التي يشاهدها، وحجب المواقع غير المرغوبة.
* ماليك دريد أخصائي نفساني
اضطرابات نفسية وسلوكية تهدّد صحة أبنائنا   

شرح الأخصائي النفساني ماليك دريد، في حديثه للنصر، الأثار النفسية التي تبدو على مدمني الوسائط الاجتماعية من فئة الأطفال، وقال إنها لم تعد منحصرة في اضطرابات النوم والكوابيس الليلية وضعف الشهية وغيرها، بل تشمل أعراضا تشبه طيف التوحد، لكن ليس بمفهومه المرضي، وتسمى هذه الحالة بالتوحد الافتراضي.
ومن المعروف أن الصحة النفسية للطفل مرتبطة بعدة عوامل ذاتية وبيئية، حسب محدثنا، وظهور بعض الاضطرابات النفسية بشكل مفاجئ عند الطفل ما هو إلا دليل على حدوث خلل ما داخل بيئته الاجتماعية ومنظومته العلائقية في ظل التطور التكنولوجي الرهيب عالميا في السنوات الأخيرة، حيث تقلصت العلاقات الاجتماعية وأصبح العالم أكثر فردانية، وتعد منصات التواصل الاجتماعي والتعرض  للشاشات بشكل عام من أكثر العوامل المساهمة في ظهور الكثير من الاضطرابات النفسية وحتى العقلية عند الطفل.
 مضيفا :  سجلنا زيادة عدد الأطفال الذين يعانون من التبول اللا إرادي الثانوي أي النوع الذي يظهر بشكل مفاجئ رغم أن الطفل لم يكن يعاني من هذه المشكلة من قبل، لمدة ستة أشهر على الأقل، أما السبب فهو مشاهد الرعب والخوف، وهو ما اتضح من خلال معاينات و مقابلات عيادية لبعض الأطفال».
وقال: «رصدنا كذلك، اضطرابات في النطق والكلام، واضطرابات في النوم والشهية و الكوابيس الليلية و الخوف من الظلام، وحتى تراجع المردود الأكاديمي عند بعض الأطفال، في حين لاحظ أن بعض الأطفال أصبحوا أكثر عنفا وعدوانية، وقل تفاعلهم الاجتماعي واندماجهم».
وتظهر على البعض، كما يضيف محدثنا، أعراض تشبه طيف التوحد ويسمى طيف توحد افتراضي، حيث يصبح الطفل أقل تفاعلا مع المحيط وقد يتأثر حتى اكتسابه للنطق والكلام، و كلها اضطرابات قد تظهر بصورة مفاجئة بسبب مشاهدة الأطفال لمشاهد الرعب والترهيب في الشاشات  الإلكترونية ومن المهم الانتباه إلى أن هذا الأمر يتم دون علم أوليائهم في الكثير من الأحيان.
وتكمن الخطورة كما أوضح، في أن الطفل قبل سن السابعة، غير قادر على التمييز والإدراك بين المشاهد الخيالية والحقيقية، فلابد على الأولياء أن يحرصوا على مراقبة محتوى هواتفهم النقالة، وعدم تركها في متناول الصغار دون رقابة، خاصة في سن مبكرة وفي ظل الخطورة التي أصبحت تشكلها هذه الوسائل حتى بالنسبة للمنظومة الأخلاقية، واستثمار الوقت في الألعاب والأنشطة التربوية كألعاب التركيب والتصنيف لما لها من فائدة كبيرة في تحسين المهارات والوظائف العقلية الخاصة بالطفل كالانتباه والإدراك والذاكرة والذكاء .
وأوضح محدثنا، بأن الكثير من المنظمات والجمعيات العالمية التي تعنى بصحة الطفل بما في ذلك المنظمة العالمية للصحة، توصي بمنع تعرض الطفل للشاشات في أول سنتين من عمره، لما تشكله من أخطار على نموه العقلي واللغوي، مشيرا إلى أن التخلص من الإدمان الإلكتروني عند الأطفال، هي مسؤولية الأولياء بالدرجة الأولى وبصفة مطلقة..وقال النفساني : « لاحظنا أن عديد الأولياء يمنحون هواتفهم للأبناء بكل حرية بداعي عدم إزعاجهم في البيت ليصبح الهاتف النقال فيما بعد وسيلة للابتزاز العاطفي، فعلى سبيل الوقاية ينبغي على الولي ضبط وتقليل وقت استعمال الهاتف بصفة تدريجية ومراقبة محتوى الهاتف عن طريق استخدام مختلف التطبيقات التي تمنع دخول الطفل لمواقع غير مرغوبة والاكتفاء بمواقع وتطبيقات تراعي مرحلته العمرية كالمواقع الخاصة بالألعاب التربوية و الثقافة العامة.
إضافة إلى أهمية استثمار الوقت في الأنشطة الرياضية والانخراط في النوادي والجمعيات، والتقرب أكثر من الأطفال ومحاولة توفير جو عائلي يسوده الحوار والانسجام، لأن غياب هذا الأمر يدفع الطفل والمراهق للبحث عنه في المواقع الافتراضية التي لا تخلوا من الأفكار السلبية وخطر الابتزاز والتحرش.
* أستاذ علم الاجتماع بوبكر جيملي
هذه أفضل البدائل للتخلص من الإدمان الإلكتروني

تحدث الدكتور بوبكر جيملي أستاذ علم الاجتماع، عن تأثير الاستخدام السيئ  للمواقع الإلكترونية وقنوات اليوتيوب على السلوك الاجتماعي للطفل، مقدما طرقا لفرض الرقابة الاجتماعية  للحد من تأثير المحتوى غير الأخلاقي على سلوك النشء والمنظومة الاجتماعية ككل، وكذا بدائل يراها كفيلة للمساهمة في التخلص من فرط الاستخدام السلبي للإنترنت ووسائل التكنولوجية.
وقال إن تأثير الاستخدام المفرط على السلوك الاجتماعي، يبدو من خلال الشعور بالوحدة في العالم الواقعي وفقدان الدعم الاجتماعي، والميل للعزلة والانطواء، وعدم ممارسة الأنشطة العائلية التي لها دور بارز في ضمان تنشئة سليمة، موضحا بأن الأطفال يتأثرون بشكل كبير مقارنة بباقي الفئات، واضطرابهم أو إدمانهم يشكل تهديدا للمجتمع مستقبلا، فالأطفال يكونون في مرحلة تشكيل الشخصية، وغير قادرين على التمييز بين الصح والخطأ، داعيا الأولياء إلى اتباع نهج اجتماعي منطلقه الأسرة، من خلال محاولة إخراج الأبناء من دوامة الإدمان الشبكي إلى المحيط الاجتماعي، وذلك بممارسة أنشطة عائلية، كالألعاب الجماعية مع الأطفال والانخراط في أنشطة رياضية، ومشاركة الآباء أو الأمهات لعبة إلكترونية لوقت محدد، وإحياء عادات أسرية قديمة كقراءة القصة، ما يساهم في التخلص من الخمول الذهني الذي يسببه للمحتوى الرقمي.
أ ب

الرجوع إلى الأعلى