معالجة أحادية ومنحازة لموضوع المرأة على الخشبة
انتقدت لجنة تحكيم العروض المسرحية المشاركة ضمن فعاليات المنافسة الرسمية لمهرجان المسرح العربي في دورته التاسعة، والتي احتضنتها وهران الأسبوع الماضي، تناول بعض العروض لموضوع المرأة بمعالجات أحادية الطرح و منحازة، وكأن الرجل لا يعاني من ذات المشاكل، حسب تقرير اللجنة، التي قالت أن هذا التناول يضع المسرح في سياق غير موضوعي بإشتغالات مسرحية تهتم بأنصاف الرؤى، وذهبت اللجنة لأبعد الحدود بخصوص هذه النقطة، حيث أوصت بضرورة تحري الدقة والموضوعية بما يسمح بتقديم طرح عصري متوازن لقضايا المجتمع العربي المعاصر.
عادت المرأة لتثير جدلا عند العرب إزاء توظيفها في المسرحيات، على أساس أنها مثلها مثل الرجل في المجتمع، حسب لجنة التحكيم، يعيشان نفس المشاكل والمعاناة و بالتالي ليس هناك ضرورة لمعالجة الواقع عن طريق المرأة فقط، و بين المتلقي الذي تمحورت وجهة نظره حول الأخذ بعين الإعتبار خصوصية و تركيبة المرأة النفسية والفيزيولوجية التي تجعلها مختلفة في تفاعلها مع المحيط عن الرجل، وبين المسرحيين الذين برروا، مثل السينمائيين سابقا، هذا التوظيف كونه ضرورة درامية ومجتمعية.
وقد ركزت أغلب العروض على المرأة وتموقعاتها ضمن منظومة الحياة المتقلبة، وكذا مواجهتها للعنف و الثورة والصراع متعدد الأسباب.  ويبدو وفق هذا السياق، أنه حتى عرض «خريف»، الفائز في المهرجان  بجائزة الأمير سلطان بن محمد القاسمي، للمخرجة أسماء أهري،  كان نسويا مئة بالمئة  فوق الركح، ورغم هذا، فالمسرحية لا تخضع لهذا الإنتقاد، كونها تعالج مسألة إصابة المرأة بسرطان الثدي الذي هو خاصية في خلق المرأة، وهذا العمل هو من تأليف الراحلة فاطمة أهري التي روت فيه حكايتها مع هذا المرض الخبيث وصراعها مع الأوجاع والآلام، وهو النص الذي أخرجته مسرحيا شقيقتها أسماء أهري وأهدت الفوز لروح الكاتبة.
وفي محاكمة للرجل، طرحت المخرجة الجزائرية تونس آيت علي مسألة معاناة المرأة في المجتمع من خلال ثلاث حالات، الأولى ترمز للنساء اللائي فقدن أزواجهن أو أولادهن خلال العشرية السوداء، ويبقى الألم بداخلهن يصارع مشاكل الحياة اليومية. أما الثانية فهي متزوجة ولكن مشاكلها مع زوجها لا تنتهي، فيما كانت الثالثة غير متزوجة وتتطلع لآفاق مستقبلية في مجتمع له نظرة خاصة للنساء اللائي لم يسعفهن الحظ للزواج، وهنا تبدأ محاكمة الرجل الذي لم تجسده المخرجة فوق الركح وتركت النهاية مفتوحة، لكي تجد كل امرأة نفسها في العرض ولتترك للمتلقي النطق بالحكم.
أما توظيف المرأة في عرض «الخلطة السحرية للسعادة» من مصر، فقد كان في غالبه لطرح مسألة الإغراء ولعب دور الرومانسية التي تريد من خلالها الأنثى الوصول إلى الرجل، ثم تتحول هذه العاشقة إلى كائن يسعى وراء الانتقام من الحبيب الذي لم يول تلك المشاعر إهتماما و رحل، هنا تنطبق نوعا ما التوصية، لأن المسرحية رغم أنها حاولت طرح مشاكل المجتمع وقضايا البيروقراطية والفساد في  مصر، والتي تنطبق أيضا على البلدان العربية والتي يعاني منها الرجل والمرأة أيضا، إلا أنها خندقت المرأة في حالة نفسية رومانسية، جعلت توظيفها غير ضروري، وكأن المرأة لا تعاني من البيروقراطية مثلا، بل اهتمامها ينصب على الجنس والإغراء  ومطاردة الرجل.
 كما استعمل المخرج التونسي وليد الدغسني المرأة في مسرحيته «ثورة دون كيشوت» ،على أنها تلك السيدة التي تتخبط في تناقضات الواقع السياسي خاصة، وفق تناول النص لما بعد ثورة الياسمين مع إسقاط على الحاضر، وتنتظر الرجل الذي سينقذها ويحقق لها أحلامها.
 وليس بعيدا عن السياسة ربط المخرج العراقي مصطفى الركابي المرأة بالدين ووظفها توظيفا أثار جدلا كبيرا، خاصة المرأة التي جسدت دور عصا النبي موسى التي كان يتكئ عليها، في إحالة إلى أن الوطن اليوم الذي هو العراق، ظل فيه النساء فقط يتكئ عليهن النظام بعد مقتل الرجال في الحرب التي لا تريد أن تنتهي، حسبهم، لكن مثلما أفاد بعض النقاد، فإن النظام يتكئ على الرجال والنساء والحرب تمس الجنسين أيضا، ولكن يبدو أن المخرج أراد إبراز أن العراق فعلا أصبح «وطن الأمهات» ،من خلال الممثلة سهى سالم التي برعت في تجسيد الدور ومحاكاة الواقع ونقل وجعها وألمها للمتلقي.
وفي خضم التناول السياسي المفعم بـ»البلاي باك» التاريخي، جعل المخرج المغربي «بوسلهام الضعيف» المرأة هي الوطن أيضا، لكنه لم يعكس وجعها بقدر ما ركز على بكارتها واغتصابها في رمزية للوطن المغتصب.
وتباينت بعض الرؤى بخصوص هذه التوصية، بين مؤيد لها على إعتبار أن المرأة جزء من المجتمع مكملة للرجل يعيشان نفس الأوضاع ويعانيان من نفس التقلبات والمحن، ومعارض لهذا الرأي مركزين على أن المرأة تملك أحاسيس ومشاعر سهلة التأثر بالأوضاع المحيطة بها، سواء الفرح أو الحزن، الحرب والقتل، الزواج والفقدان وغيرها من الحالات التي تنعكس مباشرة على نفسية المرأة وتتجسد في سلوكاتها وانفعالاتها، في الوقت الذي يتقبل فيه الرجل هذه المؤثرات بأقل تأثر، وربما بعدم الإهتمام مما يجعل الأمر مختلفا، وبالتالي، حسب حاملي هذا الرأي، فالعمل على قضايا المرأة في مختلف الفنون، مثل السينما والمسرح وغيرها ، ضرورة درامية وأيضا مجتمعية.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى