فوز...بعد عرق بارد و أدرينالين

فاز الخضر بنتيجة عريضة 1/3 على " أولاد ماديبا " في أول ظهور في " الكان " بأداء مخيب و بدون إقناع بل و جانبوا الهزيمة التي كادت أن تكون تحصيل حاصل لولا أن آلهة الملاعب أرادت عكس ذلك عندما حولت كرة ضربة جزاء جنوب أفريقية الى العارضة الأفقية والرايس مبولحي في الأرض والنتيجة وقتها وبعد قرابة ساعة لعب لصالح ال"بافانا بافانا "...

الخضر حينها كانوا في الإنعاش ويحتضرون تحت الضربات المتتالية للخصم القوس قزحي الذي أراد الإجهاز عليهم بقتل كبريائهم و كسر كعبهم العالي ومن ثمة فسخ كل التكهنات التى وضعت الجزائريين في ثوب "السوبرمرشح " ليس للفوز فقط في هذه المباراة و لكن أيضا للتتويج بالكأس...لولا آلهة الملاعب هذه التي أسعفت ثانية الخضر في عز تيههم و ضياعهم عند خط الإستواء وعلى مقربة من أدغال "مونغومو" و أهدتهم هدفا أعادهم الى الحياة لم يسجلوه بأحد أقدامهم أو رؤوسهم ولكن جاءهم ب " نيران صديقة " بعد أن رمى ولد من " أولاد مانديلا" كرة سماوية في مرماه بالرأس عوض تشتيتها في الديكور؟؟

 الخضر و إن خيبوا الظن وأساؤوا اللعب و التقدير الا أن مخزونهم من الفرديات و رصيدهم من الخبرة سمح لهم بالإنتفاض و تحقيق فوز أشبه بالمعجزة في ظروف غريبة وعجيبة كالتي سارت عليها هذه المقابلة التي لا يمكن وصفها إلا بالمجنونة وأضافوا هدفين بقدم الأشول غلام ويمينية زاحفة من سليماني المعزول في مربع جنوب أفريقيا طيلة فترات اللعب وأقلبوا دراماتيكيا سيناريو كله كوابيس وحيرة لهم و لسائر الجزائريين و الجزائريات وحولوا الخيبة إلى أفراح و الفشل إلى نجاح....تأكيدا منهم على أن الفرق الكبيرة تمرض و لا تموت...

والحقيقة ان الخضر كانوا في غنى عن سيناريو كهذا أحرق أعصابهم و أعطى الضغط وصعّد الأدرينالين للشعب الجزائري العاشق لهم بجنون لو أنهم وضعوا الرأس على الأكتاف و لعبوا كما يعرفون دون إزدراء للخصم ودون الإفراط في إحترامه ليس لأنهم أقوى بكل المعاييرالفردية و التقنية و شخصية المجموعة فحسب بل لأنهم ذهبوا إلى غينيا الاستوائية وهم يحملون على عاتقهم آمال بلد كرة كبير سئم من ملازمة تتويج يتيم قاريا ويحلم بكأس ظلت تخذلهم بدون وجه حق كما حدث من قبل في لاغوس وطرابلس والرباط وبواكي الايفوارية...

لقد لعب لفريق بالنار و بطريقة أعادته للأرض من عنان السماء حيث كان قبل المباراة رغم الفوز العريض الذي ربما ما كان ليحصل لو واجه أسود" التيرانغا " السينغالية و " البلاك ستارز" الغانية بنفس الأداء الباهت و المردود الهزيل و أيضا بنفس الأخطاء الفادحة في الإنتشار على الملعب وبنفس " النفايات " في تسيير المقابلة....بدفاع مهلهل فشل فيه حليش في القيام بدور القائد الموجه لرفاقه و في الإنسجام في المحور مع مجاني...وظهر ماندي حلقة ضعيفة على جهة اليمين، ما أدي دفاعيا كما ينبغي و ما ساهم في بناء الهجوم و يضاف الى خط الدفاع " الكارثي" الذي مكن جنوب أفريقيا من إستغلال شوارعه المفتوحة في الدخول بالكرة الى عرين مبولحي في لقطة الهدف وفي نسوج هجومية أخرى أبطل مفعولها هذا الاخير، لاعب الإرتكاز مهدي لحسنالذي كان صراحة أضعف لاعب فوق الميدان " ما هش ما نش "بحيث فشل في عملية الإسترجاع و فشل في التغطية و كان يلعب ب "التيليفون" دون بديهة و دون خيال ما جعل أيا كان من عارفي الكرة يتحسر على بقاء تايدر فوق "البنك" أو غياب الدبابة عدلان قديورة..وفوق كل هذا فأن الجوهرة براهيمي لم يظهر بمستواه في التنشيط ولم يعرف كيف يسير الضغط المفروض عليه جراء إنصباب كل الأعين في الجزائر و خارجها عليه وما زاد طينته بلة هوعدم توظيفه يسارا لقرابة الساعة من اللعب في الوقت الذي أرهقت العودة الى الوراء فيغولي لمد العون لماندي وكان محرز سيئا في الكرات الثابثة و مراوغا دون طائل ولم يرسل ولا كرة هوائية أو أرضية إلى سليماني .

فوز الخضر على جنوب أفريقيا بنتيجة عريضة رغم أنهم لعبوا بأحذية من "قطن " من الدقيقة العاشرة حتي الستين، حسنته الكبيرة قد لا تكون النقاط الثلاث فقط بل الإشارة القوية التي تلقاها غوركوف و أشباله بأن "الكان " بدايتها صعبة و قادمها أصعب و أن المنتخبات الأفريقية في البطولات المجمعة لا يمكن التنبؤ بوجهها فالأسود قد تصبح فيها ضباعا و السنونوات قد تتحول الى نسور و صقور...علاوة على أن هذا الفوز جاء في أسوأ مباراة لعبوها منذ خسارتهم مع بن شيخة برباعية نظيفة في مراكش أمام المغرب وعليه فإن القادم سيكون أصعب وهنا يجب على غوركوف إمتلاك شجاعة التغيير سواء تعلق بالخط الخلفي أو في مراكز الإسترجاع خاصة تصحيح الأمور من جهة لحسن لأن المطلوب امام غانا كما مع السينغال هو تفادي الخسارة ليس الا وان جاء الفوز فهو "بونيس " لا يرفض في خضم تسيير بطولة طويلة ومجمعة قد يجد الفريق نفسه خارجها مثلما حصل له مع حاليلزيتش في الدورة السابقة اين لعب كرة " برشلونية " و خرج من أول دور لأن الفرنكوبوسني أراد الامتاع و النتيجة معا لكنه ربح الأولى و خسر الأهم..

وفوق كل هذا فإن الشحن المعنوي مطلوب حتى ب "الأوفردوز " لتحرير اللاعبين ووخز شعورهم مثلما حصل في المونديال و ام درمان و أمام كوت ديفوار في أنغولا خاصة وقد لاحظنا في المقابلة ضد جنوب أفريقيا أن " الغرينتا " غابت طيلة ساعة من اللعب و ان القلب الذي يعوض اي نقص لم يظهر الا في العشرين دقيقة الأخيرة التي بينت شخصية الفريق وقوته في رد الفعل عند إنقباض الوضع وتعقد المقابلة.

الحاصل ان إنتصارمونغومو في غاية الأهمية وأعطى النخبة الوطنية أولوية في مجموعة "الموت" و اللاعبون أمامهم فرصة طويلة نسبيا للإسترجاع ولغوركوف متسع من الوقت لتصحيح الأخطاء ورفع الضغط الذي يبقى أكبر خصم لمجموعته وكان وراء فترة الفراغ الطويلة(نصف ساعة) ووراء الشك الذي إنتاب الفريق طيلة هذه الفترةحتى كاد يسقط في فخ "البافانا بافانا" .

محمد تليلاني

الرجوع إلى الأعلى