هكذا نحمي تراثنا الثقافي خلال الأزمات والكوارث

يجسد التراث الثقافي بما يشمله من أثار ومبان  تاريخية، جزءا هاما  من الهوية الوطنية و موروثا إنسانيا يتطلب الحمايه و التأمين خلال فترة الأزمات والكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، بحسب ما يؤكده مختصون في المجال، حيث يشددون على أهمية التعاون بين الخبراء و المؤسسات المتخصصة والمجتمع المدني، لأجل ضمان الحفظ والترميم والإدارة الرصينة للممتلكات الثقافية خلال الطوارئ، وكذا استخدام التكنولوجيا والابتكارات الجديدة من أجل تعزيز جهود حماية التراث الثقافي بشكل أكثر فعالية وفي ظرف  قياسي، ما يسهم بحسبهم في الحفاظ على الهوية الثقافية وتاريخ الإنسانية للأجيال الحالية والمستقبلية.

التكنولوجيا والابتكارات الجديدة لتعزيز الجهود
يحمل شهر التراث الثقافي الذي انطلق يوم 18 أفريل الماضي ويستمر إلى غاية 18 ماي المقبل، شعار "التراث الثقافي وإدارة المخاطر في ظل الأزمات والكوارث الطبيعية"، ويعد فرصة سانحة حسب متابعين لتسليط الضوء على التحديات الراهنة المتعلقة بحماية التراث الثقافي وتثمينه في ظل الأزمات والنزاعات ومخاطر الكوارث التي يتعرض لها الكوكب
حيث  أكدت وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة صورية مولوجي، في كلمة خلال افتتاح شهر التراث من ولاية بجاية، أن الدولة الجزائرية أولت العناية الفائقة لحماية التراث الثقافي منذ الاستقلال، مشيرة  إلى أن التدابير القانونية والتنفيذية كانت دائما إحدى أبرز أولويات السياسة الوطنية.
كما أكدت،  أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حرص ضمن التزاماته وتوجيهاته الرشيدة على مسألة صون التراث الثقافي وحماية الذاكرة الوطنية، إذ يؤكد في كل مرة أن حماية التراث الثقافي الجزائري من أهم الأولويات والتحديات.
من جانب آخر، أبرزت  مولوجي أن الإطلاق الرسمي لفعاليات شهر التراث هذا العام من ولاية بجاية جاء بعد الزلزال الذي ضرب الولاية سنة 2021، وهو يؤكد مثلما قالت، جاهزية قطاع الثقافة والفنون لمختلف التحديات والرهانات التي تقتضيها إدارة المخاطر التي تهدد التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي.
من جانبهم، يرى خبراء في المجال أن العملية تستدعي تكافل الجهود وتوظيفا متزايدا لمنتجات التكنولوجيا لأجل تحقيق نتائج أفضل، مؤكدين بأن الاستهداف الذي تتعرض له المنشآت التراثية و الثقافية في غزة حاليا  دليل على مستوى الخطورة التي تحيط بهذا الموروث الإنساني، إلى جانب التحديات البيئية المتزايدة.

مديرة متحف الفنون و التعابير الثقافية  بقسنطينة مريم قبايلية
التكنولوجيا  لحماية  تراثنا الثقافي
ويشكل  التراث الثقافي  بحسب  مديرة متحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية  "قصر الحاج أحمد باي"،  مريم قبايلية، جزءا أساسيا  من هوية الشعب  الجزائري فهو يعمل على تعزيز التواصل والتفاهم بين الأجيال  والمجتمعات المختلفة، كما يعتبر مصدرا هاما للدخل الاقتصادي، ولكن  يمكن  أن يتعرض هذا التراث للخطر خلال الأزمات والكوارث الطبيعية   فنفقد  بذلك جزءا مهما من  هويتنا الثقافية،  مشيرة إلى أن  الجزائر كغيرها من بلدان العالم تعرضت  في السنوات الأخيرة  للزلازل، والفيضانات والحرائق المدمرة، التي تجعل جميع الفاعلين على تأهب واستعداد لحماية تاريخنا  الثقافي سواء في شكل مجموعات نادرة داخل المتاحف أو كحماية مباشرة للمواقع الأثرية .
وأضافت المتحدثة، أن عملية إدارة المخاطر التي قد تواجه  تراثنا الثقافي خلال فترة الأزمات والكوارث الطبيعية ، تشمل عدة جوانب وإجراءات،  تتمثل في تحليل وتقييم الخطر الذي قد يواجه  المباني والآثار التاريخية،  وكذا الاعتماد على بعض التدابير الوقائية  القبلية مثل تطوير أجهزة الطوارئ، تصميم مخازن متينة  بالمتاحف والمواقع الأثرية، بشكل يوفر الاستقرار والتحمل اللازمين لتقليل خطر الانهيار خلال الزلازل والفيضانات، فضلا عن  تصميم الخزانات المخصصة  لعرض  المجموعات النادرة ذات القيمة التاريخية العالمية والوطنية،  بشكل غير قابل للكسر.
كما يجب بحسبها، استخدام التكنولوجيا والابتكارات في عمليات رصد  وحماية التراث الثقافي خلال الأوقات الصعبة، كاستخدام أنظمة إنذار متطورة مثلا ، وتسجيل جميع المواقع الأثرية في شكل بيانات رقمية.
متابعة بالقول، بأنه وفي إطار الاتفاقية المبرمة بين  متحف  الفنون والتعابير  التقليدية الثقافية "قصر الحاج أحمد باي"، والمركز الوطني للبحث وتهيئة الإقليم، تم إجراء مسح ثلاثي الأبعاد لجميع  تحف القصر وتسجيل كل البيانات رقميا، لاسترجاعها بسهولة في حال تعرض المعلم لكارثة طبيعية.
كما تم استخدام تقنية التصوير الفتوغراميتي، من أجل توثيق  القطع الأثرية، ما يسهل عملية التحليل والمقارنة في حال حدوث أي كارثة مؤكدة، بأن هذه التقنية تسهل نقل  الكنوز الأثرية  رقميا إلى معارض خارج الوطن، لحمايتها من خطر الكسر والسرقة.
وقالت المديرة، بأن وزارة الثقافة والفنون، تعمل على استحداث منصات إلكترونية، لجرد وتسجيل جميع اللقى المتحفية، وحفظها وحمايتها من الزوال بالإضافة إلى وضع إجراءات علمية لحفظ القطع الأثرية وتجنب تعرضها لكسور أوخدوش.
 ويتعين علينا بحسب قبايلية، توعية وتثقيف المجتمع المدني للمشاركة في حماية التراث الثقافي، خلال الأزمات والكوارث، وأن يكون أفراده فاعلين إلى جانب جهود الحكومات والمنظمات والجمعيات، خاصة وأن  السرقة أكثر خطر يهدد التحف النادرة.
كما يجب القيام بحملات ودورات تحسيسية لفائدة المواطنين وتكوين الحراس والعمال الذين يلعبون دورا كبيرا في حماية الممتلكات الثقافية  لكيفية التعامل معها سواء في الحياة اليومية، أو أثناء الكوارث الطبيعية.

محافظ التراث بالمتحف العمومي الوطني بسطيف ناصر بولحية
التغيرات المناخية باتت تشكل تهديدا للمواقع الأثرية
وتؤثر التغيرات المناخية بحسب محافظ التراث الثقافي بالمتحف العمومي  الوطني بسطيف، ناصر بولحية، بشكل متزايد على التراث الثقافي خصوصا المادي منه، وذلك لأن  أثارنا التاريخية  تتعرض لخطر  التدهور والتلف  عند هبوب  الرياح الشديدة، وسقوط الأمطار الغزيرة وموجات الحرارة والموجات الباردة والحرائق و الفيضانات المفاجئة. كما تؤثر على  قيمتها التاريخية، و تهدد سلامتها وأصالتها، ولها اتعكاسات على أهميتها ومكانتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي.  
وأوضح المحافظ، بأن أغلب المواقع الأثرية في الجزائر، تقع في أماكن معرضة للكوارث الطبيعية، على غرار الزلازل والفيضانات، لذلك فإن الوقاية منها وحفظ تراثنا الثقافي يمثل تحديا كبيرا، ويتطلب استراتيجيات فعالة وحكيمة لإدارة المخاطر والتكيف مع هذه التغييرات.
وذكر المتحدث، بأن مواقع أثرية عديدة تأثرت بالزلزال الذي وقع في السنوات الأخيرة بولاية بجاية، كما تعرضت أثار جميلة للتلف  بسبب الفيضانات الأخيرة.
متابعا بالقول، إنه لتأمين مواقعنا الأثرية من الفيضانات  التي  تحدث غالبا في فصلي الربيع والخريف، يجب على المسؤولين والقائمين على المتاحف والمواقع الأثرية، صيانة البالوعات لتسهيل تسرب المياه في المواقع الأثرية المنخفضة، وكذا  تغطية بعض الآثار التي تكون عرضة لامتصاص مياه الأمطار.
أما بالنسبة للآثار المتواجدة بداخل المتاحف، فهي تتأثر بالتغيرات المفاجئة في درجات الحرارة والرطوبة، ما يعرضها لخطر التلف والتشققات و تغير لونها الأصلي،  لذا يجب بحسبه، وضع جهاز خاص لتعديل رطوبة الجو بين 30 و 50 درجة.
و تؤثر الزلازل يضيف بولحية، على  المباني التاريخية بشكل كبير       إذ تهدد  بتدمير  المتاحف والمعروضات الثمينة داخلها، لذا من المهم بحسبه، تطبيق إجراءات السلامة والتأمين المناسبة داخلها لتقليل خطر الضرر، بما في ذلك استخدام تقنيات الهندسة المعمارية المتقدمة  لتقوية الهياكل وتأمين المعروضات، و تعزيز البنية التحتية للمباني التاريخية وكذا توعية الجمهور بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي وكيفية التصرف في الحالات الطارئة.
مدير المتحف العمومي الوطني أحمد محساس بتيندوف صالح سبيح
خطط الطوارئ ضرورة للإجلاء والإنقاذ السريع للتراث المادي
 ويؤكد مدير المتحف العمومي الوطني أحمد محساس بتيندوف، صالح سبيح، بأن حماية التراث الثقافي في زمن الأزمات والكوارث، ضرورية ومهمة جدا، وعلى المجتمع المحلي المساهمة في هذه الجهود، لأن الأمر يتعلق بإرث وذاكرة مجتمعية، وجزء لا يتجزأ من سيادتنا الوطنية.
مضيفا، أن حماية التراث الثقافي في فترات الأزمات والكوارث، يتطلب جهودا مشتركة وتنسيقا بين مختلف الأطراف والفاعلين، من خلال  تثقيف الجمهور حول أفضل الممارسات  والإجراءات الوقائية التي يجب إتباعها خلال حدوث الأزمات والكوارث، ووضع خطط طوارئ للتعامل مع الكوارث المحتملة، تشمل إجراءات الإخلاء والإنقاذ السريع للتراث الثقافي المادي، و تدريب عمال المتاحف والمواقع الأثرية، على كيفية تأمين الممتلكات الثقافية والحفاظ عليها إلى ما بعد الأزمات والكوارث.
وتتنوع المخاطر التي تصيب التراث الثقافي بحسب سبيح، بين  كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق، و إنسانية  تتمثل في النزاعات المسلحة والحروب كما يحدث في غزة الآن، بالإضافة إلى التهديدات البيئية المتمثلة في التغير المناخي، لذا يجب بحسبه توفير  الظروف الملائمة التي تسمح بإطالة عمر اللقى الأثرية  في زمن الكوارث الطبيعية والحروب ووضع مخططات مسبقة لضمان نجاح التدخل أثناء الأزمة.
 لينة دلول

 

الرجوع إلى الأعلى