تعيش المئات من العائلات بأحياء سيساوي الأعلى بقسنطينة، ظروفا صعبة نتيجة ما وصفته بإهمال السلطات لهذه المنطقة منذ أزيد من ثلاثين عاما، حيث ما يزال سكان الجهة العليا يجلبون المياه من الينابيع، في حين يضطر التلاميذ إلى المشي لمسافات طويلة عبر طريق غير معبدة ويقطعون الوادي عبر جسر متهاو  للوصول إلى أقرب مؤسسة تربوية.
وزارت النصر الأسبوع الماضي، حي سيساوي الأعلى الذي يبعد عن وسط مدينة قسنطينة بستة كيلومترات فقط، حيث أنه يقع أعلى الهضبة القريبة من الطريق الوطني رقم 10 الذي يربط عاصمة الشرق بالولايات الشرقية للبلاد، و ما إن وصلنا إلى المكان المعروف باسم أرض بوزحزح بعد أن سلكنا طريقا غير معبدة مليئة بالحفر، حتى وقفنا على انعدام تام للتهيئة داخل التجمع العمراني الذي يقطن به، بحسب سكان الحي، أزيد من 5 آلاف نسمة.
وذكر سكان التقينا بهم رافقونا طيلة زيارتنا، أن ظروف السكن الصعبة دفعت بالمواطنين إلى شراء قطع أرضية بطريقة «عرفية» منذ أزيد من ثلاثين عاما أو تزيد، وبدأ الحي الصغير يتوسع شيئا فشيئا إلى أن ضاق بهم، قبل أن تزودهم السلطات بالماء والكهرباء والغاز قبل سنوات، لكنه ظل يفتقر إلى التهيئة فلا طريق معبدة ولا إنارة عمومية كما تنعدم به كل المرافق سواء الصحية أو الخدماتية، مشيرين إلى أنهم يعيشون العزلة بحي يطل على جسور المدينة وعمرانها.
ورغم أن الحي، قد أدمج رفقة الأراضي المحيطة به ضمن المخطط التوجيهي للتعمير منذ عام 2011 ، إلى أنه لم يستفد من التنظيم العمراني، حيث أطلعنا السكان على العشرات من المراسلات الموجهة إلى مختلف المسؤولين إلى أنهم لم يتلقوا أي ردود كما لم يزر حيهم أي مسؤول أو والي، مطالبين بضرورة استفادة الحي من برامج تهيئة للتقليل من معاناتهم مع الأوحال والأتربة،  فضلا عن توفير النقل العمومي أو الخاص وإنجاز مستوصف على الأقل لتوفير أدنى الخدمات الطبية.
وأكد سكان أن تجمعهم «لا يصنف الآن ضمن الأحياء الفوضوية»، فقد تمت حسبهم، تسوية وضعية العديد من البنايات في إطار قانون التسوية الذي أقرته السلطات قبل أعوام، مشيرين إلى عدم وجود أي حجة تمنع استفادة التجمع السكاني الكبير من برامج التنمية المحلية التي تعنى بتحسين حياة المواطنين.
أرض لفقون.. منطقة
لا ريفية ولا حضرية
وعندما صعدنا أكثر في مرتفعات سيساوي الأعلى، وصلنا إلى أرض لفقون بعد أن سلكنا مرتفعا وعرا وقطعنا طريقا يعلو واديا، حيث ذكر لنا مواطنون أن المعبر وفي كل فصل شتاء يفيض بالمياه وتنقطع الطريق أمام المواطنين والتلاميذ، ليقوموا بعدها بإنجاز جسر تقليدي يكاد ما تبقى منه أن يندثر مثلما وقفنا عليه.
وأكد لنا مرافقونا، أن الكثير من التلاميذ لا يستطيعون حتى عبور الجسر إلا بمساعدة أوليائهم بسبب التدفق القوي لمياه الوادي، كما سجلت حوادث سقوط حتى في أوساط الكبار مؤكدين أن التلاميذ يعبرونه 4 مرات في اليوم بما بات يشكل خطرا عليهم، مطالبين بضرورة تدخل الوالي في أقرب الآجال لتعبيد الطريق على الأقل.
و كلما ابتعدنا أكثر كنا نقف على وجود العشرات من البنايات، قبل أن نجد  شخصا وابنته وهما يصعدان من أسفل الوادي حاملين دلاء ممتلئة بالمياه، وحين تحدثنا إلى الوالد أكد بأنه يقوم شتاء وصيفا بجلب المياه من أحد الينابيع في أسفل الوادي لاستعمالها في الشرب والغسيل إذ لا ماء ولا كهرباء ولا غاز بذلك الموقع.
واسترسل محدثنا قائلا، إنه اضطر قبل 10 سنوات بعد استفادة والده من سكن اجتماعي أن يشتري أرضا بأرض لفقون ويشيد منزلا يقيه وزوجته وأولاده من برد الشتاء وقيظ الصيف، بعد أن عانى رفقة والديه من الانتظار لسنوات كبيرة قبل الاستفادة، مشيرا إلى أنه كان ينتظر أن تلتفت السلطات إلى وضعيتهم وتعمل على تزويدهم بالكهرباء والماء على الأقل لكن ذلك لم يتم.
وأمام هذا الوضع اضطر الشاب، مثلما أكد، إلى تسجيل أولاده في ابتدائية بعلي منجلي أين يقطن والداه حيث يقوم بإيصالهما كل صباح ومساء بحكم أنه يشتغل بالمدينة الجديدة إذ لا يمكنه أن يتركهم وحدهم بالحي، كما أكد لنا مواطنون أن هذا الحال هو نفسه المسجل لدى العديد من العائلات، حيث شددوا على ضرورة تثبيتهم في مناطق سكناهم من خلال تهيئتها أو منحهم استفادات سكنية، في مناطق تتوفر على متطلبات العيش الكريم.
ولاحظنا في زيارتنا للمكان أن غالبية البنايات، عبارة عن سكنات هشة شيدت بالطوب وسقفها من القصدير، كما أكد السكان أن هوية أرض لفقون غير معروفة، فلا هي بحسب تعبير أحدهم «منطقة ريفية يمارس فيها النشاط الفلاحي ويستفيد سكانها من إعانات الدولة المخصصة لسكان الريف ولاهي منطقة حضرية تتوفر على مختلف التجهيزات والمرافق العمرانية».
وأكد لنا مصدر منتخب ببلدية قسنطينة، أن القوانين تمنع تجهيز الأحياء الفوضوية بمختلف الخدمات سواء تعلق الأمر بالكهرباء أو الغاز أو الماء، لكن السلطات قامت طيلة السنوات الماضية بإمداد العديد منها بهذه الخدمات كما لا يمكنها، مثلما قال، إيصالها إلى كل نقطة وتجاوز القوانين في كل مرة، لكنه أوضح أنه من المفترض أن يتم إدماج كل تلك المناطق وغيرها ضمن المخطط التوجيهي للتعمير وبالتالي استفادتها، مثلما ذكر، من كل التجهيزات والمرافق مستقبلا، وهو ما ينطبق على حي سيساوي الأعلى.
و لقد حاولنا الاتصال برئيس بلدية قسنطينة ومدير العمران، لكن تعذر علينا.
لقمان/ق

الرجوع إلى الأعلى