شهد حي طنجة القديم ببلدية الخروب في السنوات الأخيرة تغيرات عمرانية و ديمغرافية كبيرة، و ذلك من خلال تطور تركيبة البناء و السكان بشكل أفقده صفة الحي الشعبي و جعل منه منطقة توسع عمراني على أنقاض السكنات الصغيرة المتلاصقة، و التي كانت الميزة الأساسية للحي في المدينة باعتبارها تعود إلى سنوات الخمسينات و تتعلق بأقدم الأحياء العتيقة بالمدينة. «عمي ساعد» أحد قدماء الحي، قال أن الأخير كان يسمى سابقا بحي «هدنة» نسبة إلى لقب الشخص الذي كان مالكا لكامل القطعة الأرضية التي بني عليها الحي، و ذلك من خلال قيامه بشراء الأرض من ورثة ملاك فرنسيين حسب رواية مصدرنا، قام بعدها المعني بتقسيم الأرضية إلى قطع صغيرة على مساحة 100 و 200 متر مربع من أجل إعادة بيعها، مضيفا أن عمليات بناء السكنات انطلقت ما بين عامي 1956 و 1957 من طرف عائلات قدمت من مناطق و ولايات مجاورة هربا من ويلات الاستعمار الفرنسي آنذاك حسب محدثنا، حيث تمكن المعنيون بعد شراء القطع الأرضية من إنجاز سكنات صغيرة متلاصقة ببعضها البعض، تفصلها أروقة ضيقة لا تتجاوز 10 أمتار، حيث أكد «عمي ساعد» في هذا الإطار أن المالك «هدنة» قام بالاقتصاد في تقسيم القطعة الأرضية من خلال ترك ممرات ضيقة، و ذلك من أجل بيع أكبر عدد من المساحات و تحقيق ربح أكبر على حد قوله، حيث بقي الحي على تلك الحالة إلى غاية السنوات الأخيرة أين شهد الأخير تغيرات تعلقت بإعادة الاعتبار للسكنات، فيما قام آخرون بإعادة بنائها كليا بعد شراء السكنات القديمة من الورثة و تعويضها «بفيلات» جديدة، و هو ما أدى إلى تغير ملامح الحي القديم و حدوث توسع عمراني بشكل بدأ يفقد الحي شعبيته و مكانته الاجتماعية التي عرف بها. سكان الخروب من المتجولين في الحي اليوم يدركون مدى التغيرات التي طرأت على الحي خلال السنوات الأخيرة، حيث أكد بعض السكان أنه في السابق لم تكن هناك محلات كثيرة بالشارع الرئيسي عكس ما هو موجود حاليا، حيث تحول الشارع الرئيسي الذي يفصل الحي إلى قسمين إلى سوق مفتوحة يوميا يقصدها المئات من سكان البلدية، و ذلك من خلال فتح محلات و تحويل العديد من السكنات المطلة على الشارع الرئيسي إلى دكاكين صغيرة و مقاهي و غيرها، إضافة إلى نصب العديد من التجار لطاولات الخضر و الفواكه بالرواق الممتد على مسافة حوالي 400 متر أو أكثر، و هو ما أدى إلى خلق حيوية و نشاط تجاري لم يكن بهذه الصورة في السابق، حيث أكد أحد السكان القدامى أنه قد كان هناك محل أو اثنين فقط بالحي خلال سنوات الخمسينات و إلى غاية الثمانينات. و قال «عمي ساعد» أن التغيرات التي طرأت على الحي مست حتى ببعض العادات و التقاليد و نمط حياة السكان القدامى، موضحا أن بعض العادات المتعلقة بالتكافل الاجتماعي و تبادل الزيارات و السهر لم تعد موجودة في زماننا هذا، و ذلك بفعل تعاقب أجيال على حي طنجة لم تحافظ على هذه العادات و فضلت العيش وفق التطور و العلاقات الاجتماعية الحديثة. أما في ما يتعلق بالجانب العمراني، فقد أكد العارفون بتاريخ الحي أن الأخير تحول إلى منطقة للتوسع العمراني، خاصة و أن العديد من الورثة استفادوا من سكنات اجتماعية و قاموا ببيع السكنات القديمة من أجل اقتسام الميراث، حيث حولت هذه السكنات من طرف الملاك الجدد إلى «فيلات» أنجزت على أنقاض سكنات الحي الصغيرة، فيما حولت أخرى إلى مراكز تجارية و محلات نظرا لانتعاش البيع و الشراء بالشارع الرئيسي للحي، و هو ما جعل من الحي منطقة للتوسع العمراني من خلال إعادة تشييد و ترميم السكنات القديمة و توسيعها، و ذلك على حساب شعبية و سمعة واحد من أقدم أحياء مدينة الخروب.
خالد ضرباني

الرجوع إلى الأعلى