ما تنتجــه الجزائــر من الأدويـــة أكبــر من إنتــاج تونـس والـمغرب مجتمعتيــن
أجمع خبراء و مختصون خلال أشغال الأيام الوطنية السادسة حول الصيدلة، المنظمة أمس من طرف المجلس الجهوي لأخلاقيات مهنة الصيدلة لناحية قسنطينة، أن سوق الدواء المحلي في الجزائر لا يزال في حاجة إلى مزيد من التطوير، من خلال تكوين الصيادلة و إقحام الجامعة عبر البحوث العلمية الموجهة لترقية هذا القطاع، فيما حذّر متدخلون من خطورة الأدوية الموجهة للإدمان، و دعا آخرون إلى رفع العراقيل التي تواجه المستثمر المحلي.
متابعــة: ياسـمين بـوالجــدري
و خلال أشغال الملتقى الذي اختتم مساء أمس، دعا مهنيون إلى استحداث تخصص الصيدلي الصناعي، و هو مطلب قالوا إنه ينتظر التحقيق منذ قرابة 30 سنة، فيما طرح متدخلون إقحام البعض لأنفسهم في قطاع صناعة الأدوية بالجزائر، بعدما تحول إلى نشاط يستقطب الكثيرين لكونه مدرا للأموال، حيث تحدث أحدهم عن استخدام بعض المصنعين لفواتير وهمية و تورطهم في تسويق المؤثرات العقلية، بينما تطرق آخرون إلى إشكالية عدم حرص الصيادلة على الخضوع للتكوين الدائم من أجل مواكبة التطورات الحاصلة في المهنة، إلى درجة أن بعض الملتقيات التكوينية ألغيت أو لم تستكمل بسبب قلة الحضور أو انعدامه.
كما تساءل متدخلون عن سبب اقتصار تصنيع الأدوية الجنيسة في الجزائر على أصناف قليلة جدا، على غرار «الباراسيتامول» و «الكلاموكسين»، و قالت إحدى الصيدليات إنه من المؤسف ألا يقوم المنتجون المحليون بإنتاج أدوية ضرورية مثل تلك الموجهة لمرضى الغدة الدرقية و التي تعرف ندرة حادة في السوق.
مسؤول بالمعهد الوطني للأدلة الجنائية و علم الإجرام للدرك الوطني
الأدوية المُحولة لأغراض الإدمان صارت مشكلة صحة عمومية
الرائد بومراح ياسين رئيس مصلحة علم السموم بالمعهد الوطني للأدلة الجنائية و علم الإجرام التابع للدرك الوطني في بوشاوي بالعاصمة،  ذكر أن مصالح الدرك الوطني تحجز يوميا «كميات هائلة» من المخدرات المتمثلة أساسا في القنب الهندي و الكوكايين و الأفيون، هذا الأخير الذي يتم استخراج مادة الهيروين منه و يهرب في شكل كبسولات عبر الجهاز الهضمي للإنسان، ليستهلك بالملاعق الصغيرة أو باستعمال حقن الأنسولين، فيما يتم خلط الكوكايين بأدوية مثل «بارايستامول».

و أضاف المسؤول أن جهاز الدرك وضع قاعدة معطيات تضم جميع الأدوية المسوقة في الجزائر، لكنها لا تحتوي على أصناف لم تصنفها وزارة الصحة بعد ضمن الأدوية المهلوسة، بعد أن تم تحويلها إلى عقاقير تستعمل في الإدمان، و هو ما يتطلب، حسبه، إعداد قائمة وطنية لهذه الأدوية و عدم الانتظار إلى غاية تصنيفها دوليا.
و من بين هذه العقارات يوجد دواء «ترامادول» و عقار «البريغابالين» الذي أكد الرائد بومراح أنه تحول إلى «موضة» بين المدمنين في الآونة الأخيرة، إضافة إلى عقاقير صينية منها ما تجمع بين 4 أو 5 تخصصات في دواء واحد، في ظاهرة قال المتدخل إنها جديدة، إلى درحة أن بعضها يحتوي على البارايستامول و الكافيين و الآمنتادين و و الكلروفينيرامين معا.
و حذّر رئيس مصلحة علم السموم من «الخطر القادم» الذي تشكله المخدرات ذات الاستعمالات الطبية، مثل عقاري 25B-NBOMe و AB-CHMINACA اللذين تم تحديدهما بالمعهد الوطني للأدلة الجنائية و علم الإجرام، و أضاف الرائد بومراح أن المشكلة في هذه المخدرات و غيرها، أنها تُشتق من المواد الأولية و لا يتم تصنيفها كمواد مخدرة و حظرها، إلا بعدما يكون المروجون قد سوقوا كميات هامة منها، مضيفا أن بعضها يُخلط حتى بالأعشاب و يؤدي إلى تسممات قاتلة.
و في هذا الشأن، أكد المختص تسجيل 22 حالة وفاة في سنة بسبب دواء 4-MTA لوحده و 24 وفاة في ظرف 4 أشهر فقط كانت ناجمة عن مشتق من دواء مخدر يُسمى 5-IT، و أضاف المتحدث أنه بين سنتي 2005 و 2012، تم تسجيل 236 دواء مخدر جديد غير مُعرّف، حسب الإحصائيات العالمية، حيث أكد على ضرورة التنبه بشكل أكبر إلى هذه المخاطر، بعد أن تحول الأمر إلى مشكلة صحة عمومية صارت مدعاة للقلق.
البروفيسور منصوري كمال من المخبر الوطني لمراقبة المنتجات الصيدلانية
نراقب 40 ألف حصة سنويا و اكتشفنا عدم مطابقة أصناف أصلية
و على هامش الملتقى، ذكر البروفيسور منصوري كمال من المخبر الوطني لمراقبة المنتجات الصيدلانية بالجزائر العاصمة، أن المخبر يراقب سنويا أكثر من 40 ألف حصة دواء بين المحلي و المستورد، حيث تكون النتائج إما مطابقة تسمح بتسويق المنتج، أو غير مطابقة تمنع إدخاله السوق و تتطلب البحث عن مكمن الخلل و إصلاحه، مضيفا أن من الأدوية غير المطابقة، اكتُشفت منتجات جنيسة و حتى أصلية تم سحبها.
و أضاف المتحدث أن الشركات الجزائرية تغطي قرابة 70 بالمئة من الإنتاج الوطني من الدواء، و ذلك انطلاقا من أزيد من 130 مصنعا بينها من تصدر إلى دول أفريقيا، حيث يُلزم أصحابها بعدم الاقتصار على التوظيب، و القيام بعمليات التصنيع سواء كانت كاملة أو نصفية، معترفا بأن الإنتاج اقتصر في بدايته على أصناف قليلة من الأدوية مثل «الباراستيمول»، لكن الكثير من المصنعين توسعوا، حسبه، في نشاطهم، فشمل حتى الأدوية المصنعة من العناصر البيولوجية و تلك الموجهة لعلاج مرض القلب، بما يُبشر بـ «مستقبل زاهر».
و ذكر البروفيسور في مداخلته خلال اليوم الدراسي، أن الأدوية تبقى دائما محل شك، لأن الأمر يتعلق بعلوم طبية و ليس بعلوم دقيقة، لذلك فإن المخاطر موجودة دائما، لكنه أكد أن مخبره يحرص على ضمان نوعية الدواء و سلامته و فعاليته، مشيرا إلى أن النوعية لا تقتصر فقط على المادة الفعالة للدواء، بل تشمل المواد غير الفعالة المكونة له، و كذلك الأدوات المستعملة في التصنيع.
و أكد المتحدث أن التوظيب لا يكون نفسه في جميع الأدوية، فهناك عقارات تتطلب شروطا معينة بالنسبة للضوء و الرطوبة، كما طرح مشكلة «ثبات» الدواء، التي أرجعها إلى اتساع الجزائر و تباين مناخها بين الشمال و الجنوب، ما ينتج عنه مخاطر تتطلب أن يكون الدواء متناسقا، و ذلك من خلال وضع نموذج صالح لكل مناطق الوطن يلتزم به جميع المصنعين، رغم أنه أكد بأن تطبيق هذا الإجراء ليس أمرا سهلا.
و في ردّه على سؤال طرحه أحد المتدخلين، حول ما عُرف بالمكمل الغذائي «رحمة ربي» الموجه لمرضى السكري و الذي تم سحبه من السوق، قال البروفيسور إنه لم يتم تلقي أي ملف في شأنه، بينما أكد للنصر البروفيسور شادر شني من نفس المخبر، أن مصالحه حضّرت فئران التجارب من أجل اختبار المنتج عندما كان دواء، لكنها تفاجأت بتحوله إلى مكمل غذائي.
الدكتور ملاح نبيل عضو بالاتحاد الوطني للمتعاملين في مجال الصيدلة
العراقيل الإدارية منعت المستثمر المحلي من تنويع الإنتاج
من جهته اكد الدكتور ملاح نبيل عضو الاتحاد الوطني للمتعاملين في مجال الصيدلة، للنصر، أن أول مشكلة يواجهها مصنعو الدواء في الجزائر، تتمثل في عدم وجود إطار قانوني يسمح بمعرفة حقوق و واجبات المتعاملين، فيتغير كل شيئ «بين ليلة و ضحاها دون أساس قانوني»، و ما زاد من تعقيد الوضع، برأيه، المشاكل البيروقراطية التي تفاقمت بسبب تعامل المصنع مع عدة وزارات، و هي الصحة، المالية، العمل، التجارة و الطاقة.
و أضاف الدكتور مراح أن المشكلة الأخرى تكمن، حسبه، في غياب التخطيط، إلى جانب عدم تسخير الإمكانيات اللازمة لتحقيق الأهداف المسطرة، مقدما مثالا عن الوكالة الوطنية للمنتجات الصيدلانية المستحدثة مؤخرا، و التي انتظرها المهنيون طويلا، لكنها لم تحصل بعد على الميزانية الخاصة بها، و عن الاتهام الموجه للمستثمرين المحليين، بخصوص إنتاج أنواع قليلة من الأدوية لا تخرج في كثير من الأحيان، عن «الباراسيتامول» و الأدوية المضادة للالتهابات، أوضح محدثنا أن معظم المخابر المختصة في تصنيع الأدوية الجنيسة في العالم تنتج نفس المستحضرات، مضيفا أنه حتى المخابر الجزائرية تصادف عراقيل بيروقراطية عديدة، عندما تريد أن تصنع أدوية جديدة، و قد يصل بها الأمر إلى الانتظار لـ 3 أو 5 سنوات كاملة.و خلال المداخلة التي ألقاها بالملتقى، ذكر الدكتور مراح أن المشاكل التي يعاني منها المتعاملون في مجال صناعة الأدوية بالجزائر، ظلت نفسها منذ 10 سنوات، بل أنها تأزّمت أكثر، حسبه، بسبب «غياب رؤية واضحة»، و من بينها، مثلما قال، مشكلة العقار الناجمة عمّا وصفها بالعراقيل الإدارية، ما أدى إلى تعطل عشرات المشاريع، تُضاف إليها التعقيدات البنكية، رغم ذلك تبقى الجزائر، حسب المتحدث، أهم سوق أدوية في دول المغرب العربي و تنتج أكثر من المغرب و تونس مجتمعين، مقدما أرقاما توصلت إليها هيئته، تُظهر أن الإنتاج المحلي من الأدوية يغطي من 55 إلى 60 بالمئة من السوق المحلية، فيما وصل معدل نموه إلى 19 بالمئة.
مسعود بلعمبري رئيس النقابة الوطنية للصيادلة
الدواء المحلي يغطي 60 بالمئة من الاحتياجات الوطنية
و في تصريح للنصر على هامش الملتقى، ذكر السيد مسعود بلعمبري رئيس النقابة الوطنية للصيادلة، أن الدواء الجنيس يغطي حوالي 80 بالمئة من السوق الوطنية، كما أن 80 بالمئة من سوق الاستيراد في هذا القطاع تشمل فقط الأدوية غير المصنعة محليا، مضيفا أن الدواء المحلي و حسب الأرقام الرسمية، يضمن حوالي 60 بالمئة من الاحتياجات الوطنية.و أضاف السيد بلعمبري أنه و في جميع أنحاء العالم، لا توجد دولة مستقلة في مجال صناعة الأدوية، و من بينها حتى بلدان متقدمة، حيث تستورد من 60 إلى 80 بالمئة من المواد الأولية، التي تحتكر الهند و الصين إنتاجها، مؤكدا أنه ليس عيبا استيراد المصانع الجزائرية المادة الأولية، لكن هذا لا يمنع، مثلما يضيف، من التفكير في مشروع لإنتاج المواد الأولية نظرا لوجود كفاءات و خبرات، داعيا إلى تقوية العلاقة بين الصناعة المحلية للأدوية و البحث العلمي في الجامعة.
 ي. ب

الرجوع إلى الأعلى