موائد إفطار تبحث عن اللمة الرمضانية
تكثر في شهر رمضان الأعمال الخيرية، وعلى رأسها موائد إفطار الصائمين التي تنتشر في كل مكان لتقديم خدمات لعابري السبيل والمحتاجين والفقراء، لكن هناك موائد إفطار من نوع آخر تنظم أيضا داخل المؤسسات التي يشتغل عمالها بنظام المناوبة، وهي الموائد التي لها نكهة مميزة لأنها تجمع بين أفراد مؤسسة، ربما لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض من قبل.
يأتي رمضان كل سنة ليجمع عمال المؤسة الواحدة في لمة «عائلة مهنية» ، قد ترفع من معنوياتهم لاضطرارهم للعمل في أوقات المداومة الليلية في رمضان، وللوقوف على هذه الظروف، جمعت النصر بعض النماذج من هذه الفئة، حيث تروي السيدة نورية، وهي تقني سامي في الصحة، تعمل بإحدى المؤسسات الجوارية للصحة العمومية، أنها تعمل ليلا ، خاصة بعد فرض المداومات في المؤسسات الجوارية للصحة، ولكن على مدار السنة قد لا تلتقي بزملائها المناوبين إلا نادرا،  كونها تشرف على مصلحة الأشعة ولها مكتب خاص، غالبا ما تغلق بابه على نفسها وتنتظر المرضى الذين يرسلهم الأطباء الذين يكونون في الجهة الأخرى وهم كذلك يغلقون أبواب مكاتبهم إلى غاية قدوم المرضى ليلا، وهي غالبا حالات استعجالية.
تضيف المتحدثة أنها تجلب معها الأكل وتتناوله وحدها في المكتب وفي الصباح تغادر، وربما لا تلتقي تلك الليلة إلا بالطبيب إذا استدعت الضرورة، لكن في رمضان، كما توضح،الأمر مختلف، فالجميع يلتف حول مائدة واحدة تخصص لهذا الغرض ويضع كل واحد ما جلبه من أكل رمضاني، و كأنه من مطبخ واحد ويتذوق كل عامل «بنة» أطباق زملائه وهكذا تستمر السهرة بعدها، بين تقديم الخدمات الصحية ومواصلة السمر حول تلك المائدة الرمضانية إلى غاية السحور، وهكذا قد يتعرفون على الآخرين الذين لم يكونوا يلتقون بهم خارج رمضان، وتنتشر روح العمل الجماعي أكثر من باقي أشهر السنة خارج الشهر الفضيل، رغم الحالات المرضية الطارئة التي تميز رمضان جراء الإعتداءات وحوادث المرور والحوادث المنزلية وغيرها، لكن تختم السيدة نورية كلامها»اللمة الرمضانية ضرورية، لكنها تنتهي أيضا مع انتهاء رمضان».
وإذا كان  الحال ذاته في المؤسسات الإستشفائية عبر الوطن، فإن الأمر يختلف بالنسبة لعمال المؤسسات الإقتصادية، وهنا يوضح مراد أن عمله الليلي لا يقتصر على رمضان، وإنما على مدار السنة، لأن مؤسسته تعمل بنظام المناوبة، ويوجد مطعم لتقديم وجبة العشاء، لكن في رمضان لا يتوجه العمال إلى المطعم لدرجة أن صاحب العمل أغلقه هذا العام، لأن العمال أصبحوا ينشؤون مائدة إفطار جماعي داخل المؤسسة، وهي المائدة التي تستمر إلى غاية نهاية الشهر وتجمع العشرات من العمال، حيث يجلب كل واحد ما يستطيع من بيته، وفي بعض الأحيان يضطرون لشراء بعض اللوازم لإضافتها للمائدة، وتعكف النساء العاملات على تحضير المائدة، بينما يواصل الرجال العمل ليجتمع الجميع حول «بنة رمضان» المميزة في جو عائلي يسمح لكل واحد بالتعرف على الآخر، كون الأغلبية لا يلتقون مباشرة أو لا يتحدثون مع بعضهم خارج شهر رمضان، وهكذا يقضي العمال رمضان في باقي المؤسسات الإنتاجية ذات نظام المناوبة سهرات وعمل وحتى أن البعض يقيمون صلاة التراويح في المصنع.
الإفطار الجماعي يقوي الصلة بين العمال
فئة أخرى كذلك تبحث عن أجواء اللمة الرمضانية، هي فئة أعوان الحراسة الليلية لمختلف الإدارات والمؤسسات، حيث أنهم تعودوا على جلب وجبة العشاء معهم يوميا طوال السنة، ولكن في رمضان، وفق ما يؤكده أمين، يضطر للبحث عن أعوان آخرين للإفطار الجماعي، و لحسن حظه توجد عدة مؤسسات متجاورة ، مما يسمح لهم بالإفطار في مكان يجعلهم يؤدون عملهم بشكل عادي، أي أنهم يفطرون ويضمنون المراقبة والحراسة، ولكن هؤلاء تنتهي لمًتهم بعد الإفطار مباشرة، بالنظر لطبيعة مهمتهم الحساسة، ويضيف المتحدث أنهم يحضرون لهذه اللمة أياما قبل رمضان، حي يتفقون على تحضير إفطار رمضان قبل أيام من الشهر ويحددون المكان الإستراتيجي، بينما لا ينجح الذين يعملون في  مؤسسات معزولة، في ضمان «اللمة الرمضانية».
عمال الورشات أيضا لهم طريقتهم لتحقيق الأجواء الرمضانية، و من بينهم توفيق الذي يعمل في ورشة لإنجاز مجمع سكني بوهران،و  ينحدر من ولاية الشلف، حيث يقول أنه في كل ورشة توجد قاعدة حياة صغيرة، تأوي العمال الذين ينحدر أغلبهم من ولايات خارج وهران، لكن في رمضان إرتأى الجميع أن يجتمعوا حول مائدة رمضانية واحدة ، نصبوها في إحدى العمارات التي تشرف على الانتهاء، حيث اتخذوا من مدخلها مكانا للمائدة، ولكن كل واحد يجلب الأكل من مطاعم الرحمة المنتشرة بالمنطقة، وما عليهم سوى إعادة تسخينه وضبطه وشراء لوازم أخرى من أجل الإفطار، ويضيف توفيق أنه يوجد عاملان متخصصان في الطبخ يتكفلان بتحضير المائدة، وبعد صلاة المغرب جماعة، يلتف الجميع للإفطار ولكن أيضا للتعارف والحديث عن مشاق العمل وغيرها من المواضيع التي تشكل تقاربا بينهم، وفي بعض الأحيان مثلما يوضح المتحدث، يستمر السهر و السمر إلى غاية السحور و  قد يتفرقون في بعض الحالات و  يغادر كل واحد المكان للتنزه في أحياء أخرى خاصة وسط المدينة وغيرها.
نوع آخر من «اللمة الرمضانية « خارج أسوار المنازل، تجري فعالياته فوق الرمال بالشواطئ، فرغم أنه لحد الآن لم تنزل العائلات الوهرانية إلى الشواطئ إلا نادرا بسبب امتحانات البكالوريا وامتحانات نهاية السنة الجامعية، إلا أن بعض الشباب نظموا خرجات إفطار جماعي فوق الشواطئ، و قال محمد أن مجموعته مضطرة لضم مجموعات أخرى لا يعرفونها، حيث يقول أنه عندما فرشت مائدة إفطارهم فوق الشاطئ، وجدوا فئة قليلة من الشباب منتشرين هنا وهناك للإفطار، فطلبوا منهم الإنضمام لمائدتهم حتى تكون اللمة بنكهة رمضانية، وفعلا اجتمع الجميع وتعارفوا فيما بينهم، وتوطدت العلاقات التي ربما لم تكن لتنشأ لولا مائدة إفطار رمضان.
هذه الطرق من أجل «بنة رمضان» تختلف عن الوافدين لموائد الرحمة التي تنتشر في كل أرجاء الوطن من أجل إفطار الصائمين والتي تشرف عليها المديرية العامة للأمن الوطني، وجمعيات خيرية والهلال الأحمر الجزائري وغيرها من المنظمات التي توفر وجبة الإفطار للمحتاجين وعابري السبيل وفئات أخرى، منها المهاجرين الأفارقة وحتى الأشخاص دون مأوى الذين لهم نصيب من هذه الخدمات الخيرية.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى