أسدل الستار سهرة أول أمس، على فعاليات النسخة 24 للبطولة العربية لألعاب القوى، التي أقيمت بمركب ميلود هدفي بوهران، بتتويج الجزائر باللقب العربي لخامس مرة في تاريخها، ولو أن الملفت للانتباه هو التنظيم المحكم الذي عرفته هذه التظاهرة، الأمر الذي جعل الجزائر تنجح في كسب الرهان «المزدوج»، وذلك باعتلاء منصة التتويج، بأعلى حصيلة ممكنة من الميداليات الذهبية، وكذا رفع مستوى عارضة التنظيم عاليا، إلى درجة أن مسؤولي الاتحاد العربي لم يترددوا في الإشادة بالإمكانيات الكبيرة التي وفرتها الدولة الجزائرية من أجل ضمان سير المنافسة، خاصة الهياكل الرياضية، والتي أبهرت الهيئة المشرفة على تنظيم هذه التظاهرة، والرياضيين من مختلف البلدان.
قراءة: صالح فرطاس
وسارع الأمين العام للاتحاد العربي لألعاب القوى، السعودي ماجد باسنل، إلى الإشادة بالجانب التنظيمي لهذه الطبعة، واعتبرها الأحسن في تاريخ البطولة العربية، حيث نوه بالدور الكبير الذي لعبته الدولة الجزائرية في سبيل إنجاح المنافسة، كما صنف مركب ميلود هدفي في خانة التحفة العالمية التي تستجيب للمعايير الأولمبية، إلى درجة أن صرح بأن هذه المرافق جديرة بتأهيل الجزائر لاحتضان أي منافسة عالمية، وهذا في وجود مرافق للإيواء بمواصفات عالمية على مستوى القرية المتوسطية، تتوفر على كل المرافق التي يحتاجها رياضيو المستوى العالي.
وإذا كان الأمين العام للاتحاد العربي لألعاب القوى قد ذهب إلى حد الجزم بأن طبعة وهران 2025 قد تضع الهيئة المشرفة على تنظيم البطولة أمام تحديات أصعب لضمان سير المنافسة في ظروف مماثلة في قادم الطبعات فإن المندوب التقني للاتحاد العربي الطاهر ريغي اعترف من جهته بأن التنظيم المميز الذي سارت على وقعه هذه النسخة جسد المكانة المرموقة التي توليها الجزائر لكل المنافسات على اختلاف مستوياتها، وذلك بعد النجاح الباهر الذي حققته البطولة العربية لألعاب القوى، والذي جاء مكملا لنجاحات تحققت في سنوات فارطة لمنافسات أقيمت على مستوى مركب ميلود هدفي بوهران، انطلاقا من دورة الألعاب المتوسطية، مرورا بالبطولة العربية للسباحة، وصولا إلى دورة الألعاب العربية، مما دفع به إلى التأكيد على أن رفع عارضة التنظيم عاليا في هذه الدورة كان في مستوى الثقة التي وضعها مسؤولو الاتحاد العربي، وهو أمر ـ كما قال ـ «يمنح الجزائر شرف تنظيم أي منافسة في قادم الاستحقاقات، في ظل توفر المرافق والإمكانيات، مع الإرادة الكبيرة للسلطات العمومية في إنجاح كل التظاهرات الرياضية».
وعلى نفس الموجة، سار العداء القطري عبد الرحمان السلك المباركي، صاحب ذهبية سباق 400 متر حواجز، الذي أبدى انبهاره الكبير بالامكانيات الضخمة التي تتوفر عليها الجزائر، وقال في تصريح للإذاعة الوطنية مساء أول أمس : « لا أخفي عليكم بأننا تفاجأنا بالمرافق الموجودة في وهران، والتي تؤهلها لاحتضان أي منافسة عالمية، وشخصيا فإنني أتمنى العودة مرة ثانية إلى هذه المدينة، وأمني النفس أن يكون ذلك في إحدى بطولات العالم، لأن هذه المرافق تستوفي كل الشروط والمواصفات، وتسمح للرياضيين بالظهور بأعلى مستوياتهم، الأمر الذي انعكس بالإيجاب على هذه الطبعة من الألعاب العربية، وهذا الإمتياز مكن الجزائر من رفع التحدي، بنجاح باهر في التنظيم».
تتويج مستحق باللقب العربي لخامس مرة
على صعيد آخر، فقد بصم المنتخب الجزائري على أفضل مشاركة له في تاريخ المنافسة، بتتويجه باللقب العربي عند جدارة واستحقاق، بعد حصد 18 ميدالية ذهبية، بفارق 11 ميدالية من المعدن النفيس عن صاحب المركز الثاني منتخب تونس، وهو الحصاد الذي عادلت به النخبة الوطنية الرقم المسجل في دورة 1987، والتي تبقى بقواسم مشتركة، منها تنظيم الدورتين بالجزائر، مع حصد نفس العدد من الميداليات الذهبية، مع عدم احتساب إحدى ذهبيات نسخة 1987، لأن أحد الإختصاصات لم يكن مدرجا في اللائحة الرسمية المعتمدة من طرف الاتحاد العربي، كما أن حصاد الجزائر في الدورتين من حيث الفضة كان متساويا (17 ميدالية)، فكان الفارق في عدد ميداليات البرونز، والذي بفضله حقق المنتخب الوطني أفضل مشاركة له في تاريخ البطولة، في طبعة وهران 2025.
وعلى ضوء هذه النتائج، فإن الجزائر عادت إلى «البوديوم» العربي بعد غيابها عن دورة 2023، مع ضمان التواجد فوق المنصة للمرة 11 في تاريخها، وإحراز اللقب لخامس مرة، والثاني من نوعه خلال الألفية الجارية، بعد ذلك المحقق في دورة الأردن 2003، مما يعني استعادة اللقب بعد 23 سنة، ولو أن النخبة الوطنية كانت قد بسطت سيطرتها على هذا اللقب فترة ثمانينيات القرن الماضي، بتتويجها بلقب 3 دورات متتالية، كانت قد أقيمت في تلك العشرية ما بين سنوات 1983 و1989، مع تميز لافت للانتباه، وأن المنتخب الجزائري يبقى صاحب أكبر حصاد ذهبي في الطبعة الواحدة، لأنه الوحيد الذي نجح في نيل 18 ذهبية في دورة واحدة، وقد كرر هذا الانجاز في نسختي 1987 و2025، وقد شاءت الصدف أن تكون الدورتان قد أقيمتا بالجزائر.
حصاد «ذهبي» بمواهب تعد بمستقبل «زاهر» لأم الرياضات الجزائرية
من جهة أخرى فإن دورة وهران 2025، والتي امتدت على مدار 5 أيام، بمشاركة 160 رياضيا من 12 دولة، جسدت العودة القوية للجزائر في «أم الرياضات»، لأن انتزاع اللقب العربي عن جدارة واستحقاق كان بفضل «مزيج» بين عدائين أصحاب خبرة، وآخرين يراودهم طموح كبير في رفع الراية الوطنية عاليا في قادم الاستحقاقات، لأن تتويج زهرة طاطار بالذهب في منافسة رمي المطرقة سيدات كان منتظرا، وكذلك الحال بالنسبة للشاب هيثم شنيتف في سباق 800 متر رجال، على اعتبار أنه من النجوم الواعدة التي كانت قد لاحت في أفق ألعاب القوى الجزائرية، في حين صنع ضياء الدين بودومي المفاجأة، وتوج بالذهب في منافسات العشاري، على حساب بطل سعودي، صاحب الوصافة في بطولة آسيا، والأمر ذاته ينطبق على رمضان وارغي، الذي وضع بصمته بصورة جلية في سباق 5000 متر رجال، لما انتزع الذهب من بطلي جيبوتي، حاله حال طارق حسين، الذي توج بالمعدن النفيس في منافسات القفز الطويل، لتبقى سباقات التتابع «اختصاصا» جزائريا بامتياز، بعد احراز منتخبي السيدات والرجال المركز الأول عن جدارة واستحقاق.
للإشارة فإن النسخة 24 من البطولة العربية لألعاب القوى شهدت إنتزاع الجزائر ما يعادل نسبة 41 بالمئة من الميداليات الذهبية من الحصاد الإجمالي لهذه المنافسة، وقد نجحت 7 منتخبات في التتويج بالذهب، لكن السيطرة الواضحة للنخبة الوطنية مكنتها من إحراز اللقب، بفضل حصادها في اليومين الأول والثاني، والذي تجاوز إجمالي مع حصل عليه المنتخب التونسي من ذهبيات طيلة فعاليات المنافسة، مما مكن الجزائر من الإقتراب أكثر من صدارة اللائحة الإجمالية للبطولة العربية على مدار 24 طبعة، رغم ان المنتخب الوطني كان قد غاب عن 04 دورات لأسباب مختلفة (1977، 1991، 2001 و2023)، ومع ذلك فإن حصاده من الذهب ارتفع إلى 146 ميدالية، متأخرا بميدالية واحدة عن الصدارة، وبحصيلة إجمالية من الميداليات ارتفعت إلى 387 من المعادن
الثلاثة. ص / ف