خص باستقبال من أفراد الجالية
الرئيس تبون يلتقي البابا في زيارة وثّقت العلاقات مع إيطاليا
شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا محطة جديدة في صرح العلاقات النموذجية بين البلدين، خاصة وأنها تندرج ضمن سياق عمل وتنسيق متواصل لتعزيز وتوسيع الشراكة الثنائية وفق مقاربة واقعية قائمة على المصالح المتبادلة، تم خلالها التأكيد على الرغبة المشتركة في المضي قدما نحو تعزيز شراكتهما الاستراتيجية.
تسجل العلاقات الجزائرية-الإيطالية في السنوات الأخيرة، تحولاً لافتاً جعل من روما الشريك الأوروبي الأول للجزائر، متقدمة على عواصم كانت لعقود تتصدر واجهة المبادلات السياسية والاقتصادية مع الجزائر، ويرتبط هذا التحول بعدة عوامل، أبرزها سعي الجزائر إلى تنويع شركائها وتوسيع هوامش استقلالية القرار الاقتصادي والدبلوماسي.
وجاءت زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى جمهورية إيطاليا، ونتائج الزيارة سواء من خلال التفاهمات السياسية او العقود الاقتصادية المبرمة لتؤكد متانة العلاقات بين البلدين والتي بلغت مستوى غير مسبوق من المتانة والتناغم السياسي والاقتصادي ما يفتح المجال امام المضي في طريق تمتين التعاون والشراكة الاستراتيجية وتوسيعها لتصح مثالا للتعاون المثمر بين دول ضفتي المتوسط. وأكد الرئيس تبون، خلال ندوة صحافية مشتركة مع رئيسة الوزراء ميلوني، أن زيارته إلى روما تشكل “لبنة جديدة في صرح العلاقات النموذجية” بين البلدين، مبرزاً أنها تندرج ضمن “سياق عمل وتنسيق متواصل لتعزيز وتوسيع الشراكة الثنائية وفق مقاربة واقعية قائمة على المصالح المتبادلة”. وأعرب عن اقتناعه بأن القمة الجزائرية- الإيطالية وما انبثق عنها من اتفاقات ومبادرات، تفتح آفاقاً جديدة نحو شراكة استراتيجية ذات بعد مستدام، تعكس عمق الروابط السياسية والتاريخية التي تجمع البلدين.
من جانبها، وأشادت رئيسة الوزراء الإيطالية بالعلاقات الجزائرية- الإيطالية والتي “تتقوى باستمرار”. كما توقفت ميلوني عند مشروع “إنريكو ماتيي”، الذي اعتبرته جسراً إستراتيجياً بين الجزائر وروما، ويكرّس تقارباً غير مسبوق بين البلدين، لاسيما في المجال الطاقوي، حيث تسعى إيطاليا لأن تصبح منصة لتوزيع الغاز الجزائري في أوروبا، ما يمنح الجزائر موقعاً محورياً في إستراتيجية الطاقة الأوروبية.
وشهد منتدى الأعمال الجزائري-الإيطالي، توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات في قطاعات حيوية، من بينها مذكرة تفاهم بين مجمع سوناطراك وشركة “إيني” الإيطالية، لتعزيز التعاون في مجال المحروقات والانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة. إلى جانب اتفاقيات تشمل الزراعة، الصيد البحري، التحويل الغذائي، تربية الأسماك، الاتصالات، الدفاع، الاعتراف المتبادل برخص السياقة، والتعاون في مجالات الإغاثة ومكافحة الحرائق والبحث والإنقاذ في البحر، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم تتعلق بحقوق ذوي الهمم وتطوير الاستثمار.
الـرئيس تبون يلتقي بابا الفاتيكان
وفي آخر يوم من الزيارة، التقى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بابا الفاتيكان ليون الرابع عشر، وذكر بيان صادر عن الفاتيكان أن اللقاء ناقش "أهمية العلاقات الدبلوماسية الجيدة القائمة بين الفاتيكان والجزائر، كما جرى التطرّق إلى "الوضع الجيوسياسي الحالي وأهمية الحوار بين الأديان والتعاون الثقافي في بناء السلام والأخوّة في العالم". و نشرت رئاسة الجمهورية مقطعا مصورا يظهر لقاء الرئيس تبون بالبابا ليون الرابع عشر، حيث تبادلا بعض الهدايا، حيث تلقى هدية مزهرية من متحف الفاتيكان. وقدّم الرئيس تبّون إلى البابا ليون الرابع عشر صحناً نحاسياً يحمل شعاراً للقديس أغوستين، وغصنا من زيتون من شجرة زرعها القديس أوغستين، وقال رئيس الجمهورية إن الشجرة ما زالت موجودة، ونسخة من رسالة سلام كتبها مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر. وكان البابا ليو الرابع عشر خالص، قد وجه شكره إلى الرئيس، عبد المجيد تبون، على رسالة التهنئة التي تلقاها منه بعد انتخابه بابا للكنيسة الكاثوليكية ورئيسًا لدولة الفاتيكان. وأعرب البابا ليون الرابع عن رغبته الصادقة في القيام بزيارة إلى الجزائر الأرض التي شهدت مولد القديس أوغسطين، وقال إنه يعتبره "مرجعه الفكري والروحي". حيث أعلن بفخر في أول خطاب له بعد انتخابه أنه يعتبر نفسه من أبنائه.
أفراد الجـالية الجزائرية بإيطاليا يستقبلون الرئيس
قبل ذلك خص الرئيس تبون باستقبال حار من قبل أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بإيطاليا، الذين تنقلوا، صباح الخميس بقوة، إلى مقر إقامة رئيس الجمهورية، للقائه والترحيب به، بمناسبة زيارته الرئاسية. وترحيبا بتواجده بجمهورية إيطاليا، اصطف أفراد الجالية الجزائرية على طول الشارع الرئيسي المحاذي لمقر إقامة رئيس الجمهورية، موشحين بالراية الوطنية، وسط زغاريد النسوة، حيث رفعوا شعارات تشيد بما حققته الجزائر تحت قيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
وقام رئيس الجمهورية بمصافحة عدد من أفراد الجالية الذين تبادل معهم التحية، وعبروا له عن مشاعر المودة والاحترام والاعتزاز التي تكنها له الجالية الجزائرية المقيمة بهذا البلد. ومن خلال ترديدهم لعبارات "تحيا عمي تبون"، "تحيا الجزائر المنتصرة" و"تحيا جزائر نوفمبر 1954", أكد هؤلاء دعمهم لمسار الجزائر الجديدة المنتصرة, بقيادة رئيس الجمهورية. كما أشادوا بالنتائج الإيجابية التي توجت زيارة رئيس الجمهورية إلى إيطاليا ودورها في تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين، منوهين بالاهتمام الكبير الذي يوليه للجالية الوطنية المقيمة بالخارج. وحرصوا أيضا على تسجيل اعتزازهم بما يقوم به رئيس الجمهورية لنصرة القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، في ظل الجرائم الشنيعة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الشقيق عموما، وسكان قطاع غزة على وجه الخصوص.
تدشين لوحة تذكارية مخلدة لروح المجاهد بولحروف
كما تم، بالعاصمة الإيطالية روما، تدشين لوحة تذكارية مخلدة لروح المجاهد الراحل الطيب بولحروف، وذلك بمناسبة الزيارة، وقد أشرف على تدشين هذه اللوحة التذكارية، وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، بحضور نائب عمدة روما والسلطات المحلية.
وبهذا الخصوص، صرح السيد عطاف قائلا: "نستحضر بهذه المناسبة أنبل صور الصداقة والوفاء بين الجزائر وإيطاليا، بتدشين لوحة تخلد روح المجاهد الراحل الطيب بولحروف", مشيرا إلى أن هذا المجاهد يعد "رمزا من رموز الثورة التحريرية المباركة, كما كان ممثلا للحكومة الجزائرية المؤقتة بالعاصمة الايطالية روما".
ع سمير
تقوم على الاحترام المتبادل والبراغماتية
الـجزائر و إيطالــيا يـكرّسان علاقــة نموذجيـة
تبرز العلاقات بين الجزائر وإيطاليا، كنموذج ناجح ومقبول، لما يمكن أن تكون عليه علاقات بلد من الضفة الجنوبية للمتوسط بآخر من الضفة الشمالية.
وبغض النظر عن الجانب التاريخي لهذه العلاقات، فإن ما يجب التوقف عنده أنها مبنية على احترام متبادل، بعيدا عن أي مساومات أو مناورات أو ضرب من وراء الستار، أو نفاق سياسي، بل تبدو أنها قائمة على واقعية سياسية وبراغماتية معقولة متبادلة بين الطرفين، وبعبارة أدق فهي مبنية على مبدأ رابح – رابح كما يرغب في ذلك الجميع في هذا العالم.
و الظاهر أن هذا الاحترام وهذه الواقعية المتبادلة هي التي جعلتها تتطور وتنمو وتتوسع من وقت لآخر، حتى وصل اليوم حجم المبادلات التجارية بين الدولتين إلى 14 مليار يورو في خلال سنة 2024 ، حسب ما صرحت به رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي ،جيورجيا ميلوني، قبل ثلاثة أيام بمناسبة الزيارة التي أداها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى روما، وهذا الرقم مرشح للارتفاع في السنوات القادمة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المشاريع القائمة بين البلدين والاتفاقيات التي وقعت بينهما في روما الأربعاء الماضي.
وتعد الجزائر شريكا اقتصاديا مهما بالنسبة لإيطاليا خاصة في مجال التزود بالغاز الطبيعي، وما فتئت العلاقة بينهما في المجال الطاقوي و تتقوى من سنة لأخرى وهذا لأن الجزائر أثبتت فعلا أنها شريك موثوق وآمن لا يتخلى عن التزاماته اتجاه زبائنه مهما كانت الظروف، والإيطاليون الذين طالبوا برفع قيمة الغاز المصدر إليهم يدركون جيدا ذلك.
ولم تتوقف العلاقات الاقتصادية بين البلدين عند تصدير الغاز الجزائري وجلب السلع الايطالية بل تعدتها إلى مشاريع استثمارية حقيقية واعدة، لعل أبرزها المشروع الفلاحي لإنتاج الحبوب والعجائن الغذائية بأدرار والذي تبلغ قيمته الاستثمارية 420 مليون يورو على مساحة 36 ألف هكتار، وهو من أكبر المشاريع الفلاحية بالجزائر ويرمي إلى تطوير الإنتاج الفلاحي في الجزائر وسد جزء من احتياجات الجزائر من القمح وتصدير الفائض نحو إيطاليا.
والواقع أن الجانب الإيطالي قد انتقل من مرحلة تصدير المنتجات الإيطالية نحو الجزائر بشكلها الخام إلى مرحلة أخرى هي الإنتاج والاستثمار داخل الجزائر بكل ما يتبع ذلك من نقل للمعارف والمهارات والتكنولوجيا إلى الجزائر، و كذا تحقيق نسبة معنية من الاندماج الوطني في سلسلة الإنتاج، وهذا هو التوجه الجديد للجزائر في مجال الاستثمار والذي سبق لرئيس الجمهورية أن شدد عليه في أكثر من مناسبة.
كما يبرز مشروع تركيب و إنتاج السيارات من علامة "فيات " هو الآخر كأحد المشاريع الاستثمارية الهامة أيضا الذي من المنتظر أن يحقق هو الآخر نسبة إدماج وطنية معتبرة بعد سنوات قليلة من الانطلاق كما هو متفق عليه على الرغم من أنه لا يزال في بداياته.
وعلى العموم فإن حجم الاستثمارات الإيطالية في الجزائر تقدر بحوالي 8.5 مليار يورو، ويمكن لهذا الرقم أن يرتفع مستقبلا بالنظر إلى اتفاقيات الشراكة ومذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها قبل أيام قليلة في روما في مجالات متعددة والتي من المتوقع أن ترفع حجم التعاون والتبادل التجاري والاستثمار بين البلدين.
إن نجاح العلاقات بين الجزائر ورما هو الذي جعل رئيس الجمهورية،عبد المجيد تبون، يصفها في التصريح الإعلامي المشترك مع رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي، جيورجيا ميلوني، بـ"النموذجية" ورافع من أجل تعزيز وتوسيع الشراكة بين البلدين.
فالجزائر كبلد حيوي وديناميكي باعتراف رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي يطمح إلى التنويع الاقتصادي فهو يبحث عن شركاء جادين وموثوقين، وعن استثمارات حقيقية تخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، ولحد الآن فإن الجانب الايطالي ملتزم مع الجزائر بتطوير علاقات من هذا النوع، كما أن الجانب الجزائري ملتزم هو الآخر بتطوير علاقاته وتلبية حاجيات الطرف الآخر.
ولا تقتصر العلاقات النموذجية بين الجزائر وروما على الجانب الاقتصادي فقط بل هي جيدة أيضا في الجانب السياسي والتعاون و التنسيق على المستويين الإقليمي والدولي خاصة في مجال مكافحة الإرهاب و تهريب البشر والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، وتطابق وجهات النظر إزاء الأوضاع في منطقة الساحل واتجاه ما يحدث في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
والواضح أن جودة العلاقات ووضوحها في الجانب الاقتصادي قد انعكست إيجابا على الجانب السياسي أيضا وعلى جوانب أخرى.فالعلاقات بين البلدين يطبعها الصدق والوفاء التاريخي، فهي إذن علاقات تبادل المنافع والربح والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات، وليست علاقات قائمة على التوتر الدائم والمناورات والتدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما، وهي بذلك تعتبر من أنجح العلاقات بين بلد من شمال إفريقيا وبلد من الضفة الجنوبية للمتوسط.
إلياس -ب