السبت 3 ماي 2025 الموافق لـ 5 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

«آيّــا بَرْكــانـــا»

ذهب حسين خمري إلى الموت بكتابين كان يريد مطالعتهما  إذا طال العلاجُ قليلاً، لم يطل العلاج لأنّ الموت جاء سريعاً. لم يعد إلى البيت. لم يعد إلى الحياة الهادئة التي عبرها على عجلٍ ونام في خميسٍ باردٍ وحزين بمقبرة زواغي غريباً، كما يليق برجلٍ خجولٍ وغير مبالٍ بالترتيبات التي تقتضيها الأحوال.
 لم ينتبه إلى قلّة من الأصدقاء وقفوا في انتظاره بباب الجبّانة. لم يلوّح لهم بيده ولم يلوّحوا. كانوا يستعيدون حياته القليلة ويقيسون الخسارة من مختلف الزّوايا، وكان يستعجل هجعةً بعد ليلة "بيضاء" قضاها في مستشفى ذهب إليه لقراءة كتابين واستنشاق ما يكفي من أوكسيجين للذّهاب إلى اليوم الموالي.
توارى بلا ضجيج أو جنازة، كما عاش في حياته "السّريّة" مستسلماً لهدير نصّها  من دون مقاومة وهو رجل العقل والمنهج. حماه الحياءُ الجليل ممّا أصاب غيره من الذين يسرفون في الإشارة إلى الذّات أو الذين تحوّلوا إلى "مستشرقين"  لمجرّد أنّهم درسوا لأشهرٍ معدودات في جامعاتٍ غربيّة أو الذين لا يكفّون عن هجاء الجغرافيا والشكوى من وجودهم في مكان لا يجري فيه تقدير حمولاتهم على النّحو الصّحيح.
ظلّ وفياً للبساطة وبعيداً عن الأضواء إلى درجة أنّ صوّره غير موجودة في الفضاء الأزرق الذي يعجّ بالصوّر والثرثرة، وحين يرسل مقالاته للنّشر، مثلاً، فإنّه يصفها بالمحاولات التي يترك للمرسل إليه أمر نشرها أو إهمالها في سلوك نادر في عالم الكتابة.
والغريب أنّ الرّجل المدجّج بأسلحة السيميولوجيا لم يتخلّص من دهشة الطّفل والشّاعر، إذ يجيبك بعبارته الأثيرة: "آيّا برْكانا" عندما تخبره بأمرٍ بسيط، كأنّه يدربّك من حيث لا تدري ولا يدري على تسبيق الشكّ على اليقين، و ظلّ يخفي خلف الوجه الصّارم الذي يتحدّث عنه طلبته وجهاً مرحاً يعرفه أصدقاؤه، وربما كانت تنقصه، كغيره من العلماء المنصرفين إلى علومهم، الحيلة الضروريّة للعيش في زماننا وفي فضاء جامعيّ له مقاييس غير مُنصفة في التقدير، ولعلّ ذلك ما جعل اختفاءه حدثاً عادياً لا يثير الاهتمام في جامعة قسنطينة.
حسناً، لن نصدّق غيّابك، مثلما لم تصدّقه طفلتك وهي تستوقف الطائرات على الضّفة الأخرى للمتوسّط لعلّها تلحق برائحتك، ولن نجد أبلغ من لغتك في الردّ على الغياب وخبره وعليك في هجعتك: آيّا برْكانا !
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حقدٌ مُزمن

تُظهر فئة من الكتّاب الفرنسيين حقدًا أسودَ على الجزائر، لخّصه الكاتب جون بول انتوفان بالقول إنّه...

  • 28 أفريل 2025
حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com