الجمعة 2 ماي 2025 الموافق لـ 4 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

نهش

تشربُ الرواية من حياة كتّابها ما يطيب لها، ثم تُظهر وتضمر وتموّه وفق براعة صاحبِها في الانتباه إلى عبوره وطريقته في "نهش" ذاته، فتأتي الحياة في الرواية تلميحاً لا  يُشبع نهم القارئ الواقف خلف ثقب الباب أو فضحاً يصدمُ المتلقي الحارس الذي يُلاحق الأدب بأدواتٍ غير أدبيّة، خصوصاً في المجتمعات الأبويّة التي يتطوّع فيها جندُ الذائقة لتنميط الآداب والفنون و دفعها نحو بلاغةٍ لا تتسع لممنوعات الحياة.

عادةً ما نبحثُ عن الكاتب في نصّه ولا نكتفي بالفاكهة التي يقدّمها على المائدة، من بدايات القراءة إلى غاية امتلاء الذاكرة وتعب العين من ملاحقة الأسطر، فهل نحنُ ضحايا ثقافة مريضة تأخذ الحياة اختلاساً و تلصّصاً أم ضحايا حرمان، نتيجة تحوّلِ حياتِنا إلى سلسلةٍ لا نهائيّةٍ من المحظورات فنلجأ إلى الآداب والفنون (إلى الرواية) لتعويضِ الحياةِ النّاقصةِ؟
يحدثُ ذلك للقرّاء وللكتاب أنفسهم الذين يبحثون عن حياة بديلة في الإبداع أو عن أسلوبٍ مغايرٍ في العيش له طقوسه ونواميسه الخاصّة.
وحين نتحدّث هنا عن الرواية فالمقصود هو الرواية الحقيقيّة وفق أعرافها الفنيّة التي رسّختها في تحولاتها عبر الأزمنة إلى غاية ما صارت عليه اليوم كفنّ جليل يُقبل عليه القراءُ والنقادُ (الحقيقيون) الذين يضيئون النّصوص ويُنبهون إلى العتبات.
يحتاجُ الحفر عن السيرة في الرواية، مثلاً، الذهاب إلى "صيدليّة" التحليل النفسي لكشف الآليات الدفاعيّة التي يستخدمها الكاتبُ واستخلاص الإشارات غير الواعيّة التي يجود بها في سرده، لنعرف ما أخفى وما أظهر وأين مارس التعتيم، وقد تجد السيرة مخفيّة بإحكام في نصوصٍ "موضوعيّة" يُحسن كاتبها التدليس وقد لا تجدها في نصوص تبدو أشبه ما تكون بالسيرة.
أمّا السيّر العاريّة، أي المرويّة خارج إطار الفنّ فتبدو مغامرة لا تقدم عليها إلا قلّة في المجتمعات المذكورة أعلاه  بسبب ضيقٍ مزمنٍ من الحقيقة ومن الحريّة، وبسبب "ساندروم النبوّة" الذي يعاني منه أهل القلم و الذين يجاورونهم من ذوي الوجاهة والسلطان الذين يتماهون في الحديث عن أنفسهم مع شخصيات أسطورية، أي يقدّمون رواية مثاليّة عن الذات وأحوالها من السذاجة أن نصدّق أنها كانت كذلك، ويضاف إلى ذلك طغيان الثقافة الشفوية الذي يجعل من الكتابة خياراً استثنائيا في سرد الحياة.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حقدٌ مُزمن

تُظهر فئة من الكتّاب الفرنسيين حقدًا أسودَ على الجزائر، لخّصه الكاتب جون بول انتوفان بالقول إنّه...

  • 28 أفريل 2025
حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com