قرأت لمحمد علاوة حاجي «في رواية أخرى» ببالغ الاهتمام، الذي تفرضه، قبل شيء، لغته، التي كلما تقدمتَ، في القراءة، أثبتت لك استقامتها ورشاقتها وليونتها، خاصة، في الانتقالات إلى الحالات السياقية الأكثر تناقضا، من دون شعور بأي مطبات أو «ممهلات»، لغة تملك قيادها إلى تلك الحالات بكثير من الوعي.
إنه جهد معتبر جدا، يكون محمد علاوة حاجي بذله، في صياغة هذا النص، الذي أسمح لنفسي بأن أصفه بـ»المسخ» الجميل، لأن تيمته، أصلا، هي عن «المسوخ»، في تماساتها مع حالات كافكوية، في «المسخ» نفسه.
لن أبالغ ـ فمن قرأ «في رواية أخرى» يكون وقف على الأمرـ إن اعتبرت أن هذا النص لا يشبه، وهو ينأى عنها، كثيرا من النصوص التي أتيح لي أن أقرأها لجيل محمد علاوة حاجي!
لذا، يجب الانتباه إليه! إنه يكتب بأسلوب مختلف نصا مختلفا، اختلافا في البناء والإنشاء وفي التيمة.
ذلك، لانسابية فائقة التدفق، في السرد، بفعل بسْط لغة غنية القاموس حديثته، متينة التركيب والصرف وواثقة البنية، إنها الطاقة المحركة لتلك الانسيابية.
 «في رواية أخرى»، نص تجريبي، بوعي لافت تجاه ضرورات التجريب، من حيث هذه المداخلة بين الكتابة السردية وبين الكتابة السينمائية. كتابة بما يقترب من تلك الأفلام التجريبية القصيرة التي ينتجها مستقلون، ذات الموضوعات المقاربة لحالات الكوابيس والانفصام والعصاب والمسخ.
محمد علاوة حاجي «في رواية أخرى» صور شريطا بواسطة الكلمات، وفي لا وعيه أنه يضبط هدف كاميراه لالتقاط كل تلك التفاصيل، تفاصيل الأشياء والأماكن (س. س) وحالات الشخصيات (موحوش، مبروكة، سمونة...) المرتبكة، المنفلتة والمتشظية.
كل ذلك، في حوارية سلسلة مع قارئ مفترض، هو الذي تعكسه للراوي مرآة (س، المتماهي مع موحوش) ليشكل مسوّغ خطابه الموجه إلى نفسه هو أولا قبل ذاك القارئ.
لا بد، للقارئ، عبر النص، من أن يشعر، من حين لآخر، ببعض النغز، يبتسم، يُعجب، لتلك العبارات النيئة جدا الموظفة من اللهجة الجزائرية، بشكل عادي وواثق، لمتطلبات السياق.
محمد علاوة حاجي، بنصه السردي «في رواية أخرى»، يكون، في تقديري، وضع قدما واثقة جدا في مشهد السرد الروائي الجزائري.
ذلك، لهذا التوتر اللغوي، عنده، الذي يجعلك تثق في أنه الروائي المنتظر.    

الرجوع إلى الأعلى