عن دار جسور للنشر والتوزيع، صدر كتابٌ جديد للكاتب والناقد السينمائي عبد الكريم قادري، تحت عنوان "جماليّة التلقي في السينما الوثائقيّة". ويتناول بالتحليل والنقد أبعاد الفيلم الوثائقي بمدارسه وتوجهاته وتياراته المُتعدّدة وأقطابه ورواده، إضافةً إلى تقديم إطلالة شاملة على سِماته الجماليّة وأهميته كجنس سينمائي مستقل، من منطلق النظريات التي رصدت أركانه وأبعاده، مع إبراز دوره الحضاري والثقافي في الكشف عن الحقائق المخبوءة وتقديمها أمام المُتلقي في ثوبٍ جديد، اِنطلاقاً من الشرط التاريخي والجمالي.
كما تمَ تقديم قراءات وتحليلات لأفلام مهمة وراهنية شكّلت فلتات تاريخية وجمالية، اِنطلاقا من تشكيلها الفني وبُعدها الفلسفي، مع رصد أهم المتغيرات التي طرأت على هذا الجنس السينمائي من خلال قوالب التجديد المُتعدّدة، ومُحاولة تخليصه من القوالب القديمة، على عِدة مستويات ونواحي، أهمها البناء وطريقة تقديم المعلومة ورصد الصورة وتشكيلها البصري، إضافةً إلى متغيرات أخرى، وهي المنطلقات الأساسية التي رصدها الكِتاب في مختلف فصوله.
وجاء كِتاب "جمالية التلقّي في السينما الوثائقية" ليُقدِم من جهةٍ أخرى، إحاطةً لهذا الجنس السينمائي، اِنطلاقاً من مفهوم "التلقي" الّذي يُحدّد العلاقة بين الفيلم الوثائقي والجمهور، اِنطلاقاً من النظريات المعرفية والمصطلحات الحديثة.
المُلاحظ في الكِتاب، الّذي جاء في حوالي 400 صفحة، أنّ مؤلفه، لم يذهب صوب التهويمات النظرية والأكاديمية ومتاهاتها المُتعدّدة، بل اِستأنس بها وحافظ على عُمقها، حتى لا يتم تكريس نوع من الفرقة والنفور، وبالتالي يتم التعتيم على مفهوم "التلقّي" بدل تشكيل مسار تنويري من خلاله، لهذا تم التطرق للعديد من الجوانب التاريخيّة للسينما الوثائقيّة، مع تقديم قراءات لبعض الأفلام والمسارات والمدارس المهمة، لتُصبح في مجملها مادة عملية أمام صُنّاع هذه النوعية من الأفلام، وفي نفس الوقت تكون نقطة اِرتكاز يمكن أن تُساعد على تقديم سينما أفضل وفهم أشمل لها.
الكِتاب قدم أيضاً إضاءة مفادها أنّ السينما الوثائقيّة تحتاج إلى عين ترى ما خلف الجدران السميكة، إلى مخرج رائي يُجيد اِكتشاف العادي، ويعرف كيف يستخرج الجماليّة والحقيقة من التفاصيل الصغيرة، ينحت في الضوء ليولّد المعنى الجاذب، ويحرك الكاميرا ليعثر على الشِّعريّة التي تسمو بالرّوح، ويُغمض عينيه ليرى المجاز الّذي يُوصل إلى الوعي، ولن يحدث هذا إلاّ إذا آمن بأهمية "الوثائقي" كجنس سينمائي، يصنع الفارق بين الفنون، ويعطي الإضافة التي تضمن البقاء، فيعيد تشكيل الواقع والوقائع عن طريقه، بعد أن يستدرج اللا شيء ويصنع منه أشياء، وهي منطلقات أساسيّة يجب الإحاطة بها، للحفاظ على هذا الفن السامي من جهة، ومن جهة ثانية لفهم المُتلقّي ومتطلباته وشروطه الجماليّة، وبهذا الوعي المسنود بالمعرفة، يتم تشكيل أرضية مناسبة، تقود لأفلام وثائقية مشبعة بالرؤى والأحلام، تعبر عن الماضي والحاضر وحتى المستقبل، بمعنى أنها أعمال خالدة لا تصدأ، تحافظ على نظارتها وفتنتها وأهميتها للآتي.
للإشارة عبد الكريم قادري، كاتب وناقد سينمائي، ينشر المقالات والدراسات السينمائية والثقافية في الكثير من المجلات والجرائد والمواقع الدولية المُتخصّصة بشكل منتظم، كما حاضر وحكّم في العديد من مهرجانات السينما العربية وفي الجزائر.
وقد صدرت له العديد من الكُتب النقدية في السينما، من بينها: "سينما الشِّعر/ جدليّة اللّغة والسيميولوجيا في السينما" عن منشورات المتوسط بإيطاليا 2016، و"سينما الرؤى/ قراءات ودراسات في السينما العربية" عن منشورات مهرجان وهران للفيلم العربي2017، و"السينما الشِّعريّة/ أسئلة البناء والدلالة" عن مهرجان أفلام السعودية 2022، ويُعد كتابه الصادر منذ أيام "جمالية التلقي في السينما الوثائقية" هو الكِتاب الرابع الّذي تناول فيه موضوع السينما.
نـوّارة/ل

الرجوع إلى الأعلى