بن علي لونيس
الكتب ليست كتلا جامدة، وشخصيات الروايات ليست فونطازمات وأوهاما لكتّابها، بل هي حية، تتنفّس، وتملك قدرة على أن تفعل ما نفعله في حياتنا العادية، يجب أن نملك خيالا واسعا لنفهم الأمر، مجرد أن نسأل: ما الذي حلّ براسكولينيكوف بعد دخوله إلى معتقل سبيريا؟ كيف أصبحت حياته بعد تلك التجربة؟ هل عاد إلى حياة الجريمة؟ هل وجد المال الذي أخفاه بعد قتله للعجوز؟
 لا أحد يدري، لكن يمكن لخيالنا أن يمدّد من عمر هذه الشخصية، طالما أنه يشعر بها حية. دائما أسأل نفسي: ما الذي حدث بعد أن تزوجت ساندريلا بأميرها الوسيم بعد حادثة الحذاء
الزجاجي؟ هل عاشا سعيدين إلى الأبد كما تنتهي دائما مثل هذه الحكايات؟ أم أنه تخللت حياتهما فترات من الفتور؟ ماذا حدث لابنتي زوجة والدها الشريرة؟ ماذا عن هذه الشريرة ألا يمكن أن تكون قد تابت عن أفعالها الشريرة؟
 هناك في اعتقادي حياة أخرى ممتدة من نهاية الرواية إلى أفق مفتوح بشكل لا نهائي، فحياة الشخصية لا تنتهي مع آخر كلمة في الرواية، إنها بطريقة ما تُواصل وجودها، تستمر في خيالنا، في هذه الحالة تتحرّر تماما من سلطة مبدعها وتغدو كائنات عمومية، مستقلة. فهذا ما يجعلها شخصيات وليست أشخاصا.
قد ننسى الروايات التي قرأناها، ننسى عناوينها، وقد تتداخل علينا العناوين فلا نميّز بينها، لكن لا يمكن أن ننسى شخصيات تركت في أعماقنا آثارا عميقة. تظل ترافقنا في خلواتنا، في تأملاتنا، نحمل عنها ذكريات كما لو كانت أشخاصا صادفناهم في مكان ما، فتعارفنا وجلسنا حول طاولة غذاء أو عشاء وأخذنا ندردش مثل أصدقاء قدماء. شيء من هذا هو ما يحدث لما نقع في حب شخصية ما. هل قلتُ (حب)؟ تماما هذه هي الكلمة التي يمكن أن تعفينا من كلام قد يطول. إنه الحب. أن تقع في حب شخصية روائية، تماما مثلما يمكن أن تقع مراهقة في حب بطل مسلسلها المفضل، فتظل ترى العالم في صورته البهية.
هل هناك شخصية من رواياتنا الجزائرية يمكن أن نتذكرها بحب؟ بحيث تظل محفورة في ذاكرتنا الروائية؟ من تكون؟ وكيف هي؟ سأتوقف قليلا لأُعمل الذاكرة، من هي تلك الشخصية؟ لن نجد كثيرا منها، لاسيما شخصيات الروايات الجديدة. لا نتذكرها طويلا، قد تعيش في خيالنا الوقت الكافي لسيران مفعول النسيان. طبعا ألا تتذكر شخصية بذاتها لا يقلل من قيمة الأعمال الروائية الكثيرة التي يمكن أن تكون قد قرأتها، لكن في ظني أن ثمة مشكلة هنا. مشكلة حقيقية. كيف يعقل ألاّ نجد شخصية روائية مبهرة  في رواياتنا؟

الرجوع إلى الأعلى