جمال بن عمار
«حتى أعظم حيتان البحر ليس لديها أي قوة في الصحراء»/ كونفوسيوش
«على الكاتب أن يكون الفأس التي تكسر البحر المتجمد فينا»/ فرانز كافكا
(1)
حين رأتْ الغروبَ الغروبْ، هَامتْ بنظرتها إلى نَخلةٍ في الأفقِ المَثلُومْ.. وعرقٌ نازلٌ من هَضَبة الصّدرْ، شدّتْ خيطَ الصَّدرِ دُون أن تغلقَ نافذةَ الخُبثِ على رصِيف الذّاكرة وأقصِدُ جسَدَهَا في غُمُوضِ القُشَعْرِيرَة.. كَمَا لو كانَت تَختَبِرُ قُدرتِي على الشدّ ورَدْعِ النّزقِ الطالِع مِن الرّغبَة والخَفقْ ـــ زلازلٌ لم يألفَهَا العقلُ بَعد، لتَقعَ اللّغة ُفي شبَاكِ النّصْ، يَقعُ القلبُ في شبّاك الْ... لا بَأس قلتُ: فَملحٌ بمذاقٍ وَاحِد سَيحمِلُنا إلى الغَسَقِ اللانِهاَئيّ، بَينمَا صيّاد واحدٌ [فقط[ قُبَالتنا َعَلى الصّخرة “ايدِمَايِ” في شِباَكِ زَورَقهِ، يَنزعُ عَنهُ جرَادَ البَحر La petite cigaleوأشَياءً صَغيرةً عَالقَة.
** ** **
قال الرَجلٌ في أقصَى الشَاطِئ «بلاد سِيْدِي إبراهيم الوليّ سُورها واطِي» لم يتبَقّ منها سِوَى أمَاراتٍ تَدلّ على زُرقَة عينَيهَا مِن جهَة البَحر، كَانت تستَدرجُ عُشّاقَها فيهرَعُون إليهَا من كلّ حَدْبٍ وصَوب لِيَكتشِفُوا أسرَارَ شَواطئِها بنَظرة أزليَّةٍ فِيهَا دَهشةٌ وخَوف، فيهَا رَغبةٌ ورغوَة.. ــــ حطّ الرّجلُ رأسَهُ وظَلّ يُحدقُ في»لاَبوانتْ» لِزورَقٍ يشُقّ صَدرَ البَحر المَملُوءِ بالذّكرياتِ عَنِ الخِصبِ والخُضرَة، النّسوة اللاّئي كُناّ يحضَرْنَ طقوسِية «زَغوانْ» الوليّ الصَّالح بالبَخورِ والشّموع..
«عوليس» ذلك البَطل الخُرافِي ـــ في رحلَة بحثه عن الخُلود، هل جاءَ حقاً إلى هِيبُون وباركَ جمَالهَا الأخاذ ولنسَائِهَا الْ [...] ولهُنّ طُوبَى؟
(2)
فلْيَكُنْ «عوليس» إذن شَرِبَ مِن نَبعِك الطّاهر ــــ عند ربوة الوليّ «زغوان» تقاسَمنا الخّوفَ واحتمَالَ الصّبرـــ هو ـــ قوسُ «زفس» وكيس الرّيح، أمّا أنا فَحِبرُ المجَازِ الأيقُونيّ مثلاً: سأكتبُكَ خرافةَ التاَريخ تَحصِي الرّمالُ هزَائِمكَ كلَّهَا واحترس ـــ رُبّما ــــ من خيَالِي فقَد «تَطلَع من ظُلمَاتِ اليَمْ»: هذا متَاعُكَ في الحُلم الآتِي خُدهُ من كلمَاتِي ولْتبْقَى ـــ هي ـــ امرأةٌ نقيّة تتأبطُ بقايَا سَواحِلهَا
أنثى ماءِ الكلَامْ..
قطّارةُ الرّؤى والتَعبّد منذُ غُروب شّمس حتَى الفجرْ
تبقينَ معِي، تأتي النّسوةُ كلّ العشّاق يأتُون
والقطّارةُ لاَ تَهَبُ الأطفالَ ولاَ العشْقَ، ولاَ طُول العُمرْ..
تعَالي إذَن:
لِنشْعِلَ شمعةً للذكرَى، نحتفلُ بالمَاءِ المَاءْ
ولنكتشِفَ أسرَارَ القُربِ القُربِ فمَا لنَا غيرُ ذلك.. رَصيفُ العَودَةِ لا يُجِيبْ، أبْعاضُ خَوفٍ والشّاعرُ الّذي يَأكُل من قلقٍ لم تفهمهُ خُطَايْ..
** ** **
تذكرتُ: كَان البحرُ خائفًا، أتَعرفِين، إنّهُ يعرفُ لذلك هُو أرسَلَ لنا المِلح، ألم تَذوقِ المِلحَ طَعمَ الزّبد النّاثرْ وأنتِ تشمّرينَ عن سَاقٍ، تلُوذين بالتّيه المعتّق والنزُول
بالضّبط: على مقعدٍ خشبيّ كنّا انتظرنَا اكتِمالَ القَمرْ..
وأنا كائنُ الغبطَة الوَالِهْ ـــ طَبعِي عوام ٌخبِرْتُ نُتُوءاتِ «لِرُوشِيه» [البَعثة] الأولَى: كَانتْ قاسَيةً [جدًا] علّمتني أنْ لاَ أشتاقَ في الأعمَاقْ، كيفَ أقصّ جُذورَ الخَوفِ من جسَدٍ..؟
كلّ ُالّذين فقدتُهم لأنِّي رجلٌ طَبعِي حسَّاسٌ، عَقلِي «نَغّارْ»
كلّ الأشياء كانت تُحيط ُبنا تدلّ.. صَارتْ تدلّ عَلى الصّدق
(3)
آخ.. يا جمال إنّ «الحُبّ أعمَى» رسائلٌ في قارُورة الظّنِ تَلفِظُهَا الشّواطِئُ
إلى زبدِ اللّغَة يتسربُ إليها المَاءُ،
ملحٌ،
ونفْخْ في ضَوءِ القَمرَة، تلعبِين لعبَةَ النّسيَان وفيضِ الوَهمِ.. هُنا عَلى رَصيف «لكورنيش» الممرّغ بالرّملِ والأحذية الفَارهَة ـــ تمرُّ أعراسُ المدِينة التي لم تمسَحْ جهنّمَ عِشقٍ هَاربٍ مِنْ لُغةِ أنايْ...
قال عَبدُ الله جَارُنا (الصياد): «ها، كَ» يَا بَحرُ وهَاتِ يا بَحرُ مَا عِنْدَكَ؟
ووحوشٌ أخرى غريبّة.. Le marsoin فلتأتي الأسماكُ، ولتنعطفْ «المُرادّة» وحدها نحو السّطح تُراقصُ
أيبّسُها، فأعلّقُها عَلى جدَار.. ليسَ كمَا كتبَ القِديس أوغستين كتَابَه «اعترافاتْ» ولكن لِنرسُمَ [فقط] سهمًا صغِيرا على أيّ بُقعةٍ في الرّمل تبَاركهُ الموجَةُ بالزّبدِ الحَارقْ..
** ** **
بزغَ الفجرُ: غمّازات الفَنار من «رَأس» الحَمْرة إلى القَطّارة، رسائلُ البَواخِر والحَمامِ والنّوَارسْ.. أراكِ لم يقتربْ منكِ ماءٌ بعد بقَايا رَملٍ أو رَجُلٍ على حَوافِ الأصَابع تنثُرِينَ ومن رِمشٍ لم يقعْ على حَاجبٍ في الشّاطِئ الذي لم يدَعْ لحظة ًلأنّها عُمرٌ ولأنّها جَمرٌ علّقني فلا تَبكِي على حَافتِي ولاَ تتْرُكِي لي هذا الخَرابَ ينزِلُ، ينزلُ مَطرٌ وسَأهيّئ لَها خيبتنا أو خيمتَنا لِأرقصَ زُورباويًا أو شَعباويًا عَلْقاويًا وأنتِ قطّارة الرّؤى لم تَدَعِ النظرةُ النظرةَ إلاَ وانفَجرَ القلبُ ينَابيعًا مِن زَبدٍ واخضرارْ..
ــــ دثريني بالغَسقِ النّورانِي فقَد يَأخدُنِي العَطَشُ إلى غَايَة الغَايَاتْ
(4)
أيّهَا السَّاري وحدَكَ في فَجرٍ مِنْ شَطحَاتْ..
وكانت تسبَحُ في هَيلمَان النزَق الحَادقْ، و»الخَوفِ من الأشيَاء والنّاسْ» هُنا عندَ نُزولك من الصّخرَة إلى مَاء اللّفظ، دعوتي: إلهي، اجعَلْ هذَا البَحرَ آمنًا لِيَعُودَ البحَّارةُ المَغرُورين مِنَ الشّدِ والمَدّ.. لِيَدُورَ المَاءُ حولَ نفسِه محفُوفًا بضغْطِ المحبّةِ مُحتضِناً أسرَابَ الحُوتْ.. الإنسانُ أيضًا قاروسُ البَحر، ديدانٌ وعنكبُوتْ وكلٌ عَلى شَاكلتِه يسبَحُ ويَرجِعْ
إلهي، ارحَمْ جميعَ مخلوقَاتِكَ
إلهي، تقبّل..
** ** **
نادَى الصّيادُ وهو يدُسّ رجليهِ في المَاء «الميسترال» هُناَ، هَاهُنا..
تقطّعَ حُلْمٌ في شُقوقِ الرُؤيَا بالصّبحِ السَّاقِي والرّيقِ المثلوجْ، والرّملِ المنقُوشِ على شَكلِ امرأةٍ عطشَانَة أو قلبْ
نادَى ثانيةً عَلى العُشاقِ والزّوَارِق، وكَانَتْ تَسبَحُ بأطرافِهَا مِن «بُوقرَاطْ» إلى «جوَانوُا» اللّيمُون ـــ نَجمَة صَيفٍ ومِسْكٍ وعُنّابٍ هُنَا، هاهُنا بينَ شَاطِئين..
زورَقُ ابنتِي غُفرانْ بمِجْدَافَين فــــ»الشكارمْ» أقرأ ُعلى كفّيهمَا أحلامَ أمّها ترسمُ لِي زُرقةً، أصدافًا وحِكَاياتْ. أقصد لمّا رحلتي عندَ رصِيف شاطِئ الحَقيقَة ترنّحَ زجاجُ نَافِذة الِسيّارة ــــصفّقتُ لألمٍ باتجاهِ القمَرِ المُنقَضِي عن عَرُوس ال»...» غاصَتْ في صَحراءِ البَحرْ..
هوامش:
القطّارة: عروس بحر حسب التراث المحكي والمكتوب للمدينة ـــ سميّ باسمها هذا الشاطئ
«اندماي»: يُنظف أو ينزع
الشكارمْ: المكان الذِي يوضَعُ فيهِ المجداف
لابوانت: مقدمة الزورق
الميسترال: ريح الميسترال
عنابة: 05/04/2017
القطّارة
- التفاصيل
-
طقس موغل في الثقافة الأمازيغية: الوشم ..احتفالية الخصوبة ولغة التمرد والألم
تغنى الجزائريون في تراثهم " بزرقة الوشام" كوصف للمرأة الجميلة التي تميزها علامة على الوجه أو منطقة من الجسيد وذكره الرجال كعلامة للوفاء والألم، فالوشم عند الأمازيع...
الكاتب والروائي عبد الوهاب بن منصور للنصر: الرواية تكتب التاريخ غير الرسمي والشفوي
uالكثير من الروائيين حاولوا اِستلهام التراث الصوفي رغم مخاطرهيعتقد الكاتب والروائي عبد الوهاب بن منصور، أنّه مهما قِيل عن الرواية التي اِعتمدت أو اِستندت على...
المكتبات الرقمية.. هل أصبحت بديلا للمكتبات التقليدية؟
يحتفلُ العالم اليوم (23 أفريل)، باليوم العالمي للكِتاب وحقوق المؤلف والملكية الفكرية، ففي مثل هذا اليوم من كلّ عام، تحتفل منظمة الأُمم المتحدة للتربية...
أي دور للجامعة في الفضاء الاجتماعي؟
ما مدى اِرتباط الجامعة بالفضاء الاِجتماعي وبالواقع الفعلي للمواطن الجزائري، وما مدى أهمية وضرورة إدراك الجميع بمدى أهمية هذا الشريك الحيوي والجوهري «الجامعة»...
رؤية حداثية أساسها التنوير: الوجــه الآخــر لنضـال بن باديــس
إيناس كبير خص العلامة عبد الحميد بن باديس النشء باهتمام بالغ، فقد اقترب من مشاغل الجيل الجديد وأصغى لاهتماماته، حيث كان يرى فيه البذرة التي يجب أن تُروى على...
قراءة في رواية « باب القنطرة» للكاتبة نجية عبير: «السّيّــدات» .. انظر ما يوافق تربة قلبك وانثره فيها
إلهام بورابة معابر مفاتيح: الترجمة خلق جديد/ حزن الكاتب وحزن المترجم متشابهان ، لكن الفرح يكسبه القارئ./الرواية انتهت لكن الإطناب في إعادة التدوين لوضع كل شيء...
"نوافـــذ علـى الآخــر" كتابٌ جديـد للدكتور أزراج عمـــر
صدر منذ أيّام، عن دار «اسكرايب» في مصر، كتاب جديد للشاعر والمترجم والأكاديمي الدكتور أزراج عمر، وحمل عنوان «نوافذ على الآخر»، وهو عبارة عن مجموعة...
هــل يمكــن للمثقـــف أن يكــــون صانــــع محتـــــوى؟
هل بإمكان المُثقف أن يكون من صُنّاع المحتوى المؤثرين؟ وهل يمكن أن يكون مُبدعاً لمحتوىً مُؤثر هادف ومسؤول، خاصةً وأنّه من الضروري أن يحدث هذا في زمن...
الكاتب والإعلامي الدكتور محمّد بغداد للنصر
ما تمّ اِنجازه في مشهد الإعلام الثقافي مشاريع أفراديعتقد الكاتب والإعلامي محمّد بغداد، أنّ الإعلام الثقافي يتجاوز المستوى الأدبي، ليشمل كلّ معاني ونشاطات الإنسان في الحياة، بدايةً من الأسماء التي نطلقها على أبنائنا، مروراً...
قصائد لعبد الحميد شكيل
#عبور.. سأعبر الغابة..دون أن تراني الأشجار..سأعبر النهر..دون أن تعاندني طيور الماء..سأعبر البحر..دون أن يراني القراصنة،وهم يغتصبون نساء الزبد..سأعبر الوقت..ممهورا بنمش...
<< < 1 2 3 4 5 > >> (5)