التشريعات الإسلامية لا تعارض إلغاء عقوبة الإعدام
 أثار الأستاذ الباحث عبد الرحمن خلفة من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية جدلا جديدا حول عقوبة الإعدام أثناء مناقشته لرسالة الدكتوراه حول هذا الموضوع نهاية الأسبوع حيث عرض آراء جديدة أكثر جرأة لم تكن معهودة في الأبحاث الأكاديمية الفقهية الجامعية وهو يفكك ويحلل وينقد دلالات النصوص الدينية المشرعة لهذه العقوبة في تاريخ التشريع ويكشف عن أقوال قديمة ظلت مغيبة في بطون الكتب، قد لا تقتضي بالضرورة الإبقاء على هذه العقوبة في المنظومة الفقهية الإسلامية والمنظومة القانونية الجزائرية.
الباحث الذي أنجز أطروحة الدكتوراه على مدى خمس سنوات فترة منها بالجزائر وسنة ونصف بتونس في إطار التكوين الإقامي وأشرف عليها الأستاذ كمال لدرع (الجزائر) وعلي العلوي (تونس) قسم دراسته إلى باب تمهيدي وبابين أساسيين: خصص الباب التمهيدي لتحديد ماهية الجريمة والعقوبة (عقوبة الإعدام) ونقدها ومقاصد هذه العقوبة وأغراضها عند القائلين بها، قبل أن يقدم كرونولوجيا لحضور هذه العقوبة في المشهد القانوني والديني والاجتماعي من العصر البدائي إلى العصر الحديث مرورا بقوانين حمورابي وقوانين الحضارات الشرقية والغربية وتشريعات الديانتين اليهودية والمسيحية. وخصص الباب الأول لتجليات هذه العقوبة في المنظومة الفقهية الإسلامية والقانون الجزائي الجزائري وهو الباب الأساس الذي حاول فيه التأسيس لنظريته النقدية لهذه العقوبة، حيث وظف ثلاثة مناج: منهج التحليل اللغوي والمنهج التاريخي الاستقرائي، والمنهج المقارن، وعمد إلى استقراء النصوص المؤسسة لهذه العقوبة وتفكيك دلالات ألفاظها باستعمال قواعد الاستنباط الأصولية وقواعد اللغة العربية وفقهها وحقولها الدلالية ولسانياتها المعرفية في تطورها وتموضعها في مختلف الأطر الوضعية والعرفية والشرعية والفقهية والقانونية، وتتبع أسباب نزوله وملابسات ورودها وكيفيات تطبيقها في العهد النبوي لاسيما ما تعلق منها بالقصاص الذي كشف بشأن الآية الأساسية المؤسسة لها أن لها دلالة أخرى مغايرة لما درج عليه تاريخ الفقه وتلقاه رواد الفقه الجنائي الحديث، الفقهي حيث لا تعني قتل القاتل بالضرورة كما نقل ذلك علماء كثيرون منهم الطبري وأبو مالك والسدي وعامر الشعبي وابن تيمية، ممن ظلت آراؤهم مغيبة في بطون كتب التفسير رغم قوتها وتناغمها وأسباب النزول ودلالات الآية، وكذلك فعل في دلالات النصوص المؤسسة لشرعية الإعدام في جرائم الحدود لاسيما البغي والحرابة والزنا والردة، التي أعاد نقد تصنيفها وتكييفها الفقهي وكشف عن الأخطاء المنهجية التي وقع فيها رواد الفقه الجنائي المعاصرين، حيث رأى أن مدلولاتها على الإعدام ليست قطعية بما يكفي للتأسيس لهذه العقوبة إلى جانب جرائم التعزير والسياسة الشرعية التي تشكل جل الجرائم الموجبة للإعدام في الفقه الإسلامي وهي عقوبات غير مقدرة عادة من قبل الشرع بل تقدرها السلطة القائمة حسب ما يحقق المصلحة من تشريعها. قبل أن يعرض الجرائم الموجبة لعقوبة الإعدام في القوانين الجزائرية العادية والعسكرية التي رأى بشأنها أنها تتباين من جريمة لأخرى حول مدى توافقها وأحكام الفقه الإسلامي والمدارس الجنائية الحديثة والمعاصرة حيث لم ير مبررا للإبقاء عليها في ظل وضعها القانوني الحالي.
الباحث الذي خصص الباب الثاني للجانب الإجرائي لعقوبة الإعدام عرض في خاتمة أطروحته موقفه من عقوبة الإعدام وإن لم يكن موقفا جريئا يما يكفي، فبعد أن عرض موقف المؤيدين للعقوبة وحججهم وموقف الداعين لإلغائها وحججهم قدم مقاربة نقدية لموقفه من العقوبة من خلال ثلاثة أبعاد البعد الأصولي التنزلي والبعد التاريخي والبعد المقاصدي وخلاصة ما خلص إليه الدعوة إلى إعادة استقراء وقراءة النصوص بمعقولية نقدية اجتهادية تجديدية؛ لأن التجريم والعقاب ظاهرة تاريخية اجتماعية تتماشى ومدى تحقق أغراضها، وبحث مدى قطعية دلالات النصوص المؤسسة لعقوبة الإعدام في الفقه الإسلامي كما تسوق فقهيا بما يكفي للإبقاء عليها على أساس أنها واجب مقدس منطلق من الوحي، لأن جل ما هو مكرس فقهيا في تاريخ التشريع ينضوي تحت ظلال التعزير والسياسة الشرعية مما ساهم في تضخيم ترسانة موجبات عقوبة الإعدام في الفقه الإسلامي حيث لم يكن الفصل واضحا بين الفصل بين الشرعي والسياسي، الإلهي والبشري، في اجتهادات وأقوال كثير من الفقهاء. فالكثير منهم كان يجتهد لعصره مراعيا المصلحة ومقتضيات السياسة الشرعية والعمران البشري؛ خاصة في الأحكام السلطانية، بما يعني أن للسلطات التشريعية من الصلاحيات الواسعة للبت في هذه العقوبة بما يحقق مصلحة العصر ويتوافق ومستجدات الحياة والقوانين الدولية والقيم الإنسانية العالمية، ويحقق المقصد من العقوبات، دون أن يعد ذلك انحرافا عن الشريعة التي اختلطت نصوصها في تاريخ التشريع بالاجتهاد البشري والسياسة الشرعية وأثر فقهائها الذين تأثروا بمحيطهم التاريخي والثقافي والاجتماعي والتشريعي الذي واكبوه في الحضارة الإسلامية التي عاش فيها اليهود بتشريعاتهم وإسرائلياتهم، كما عاش أتباع مختلف الأديان والنحل، قبل أن يعرض جدول مقارنة بين ورود عقوبة الإعدام في التوراة وورودها في القرآن وورودها في الفقه وورودها في القانون ويكشف عن البون الشاسع بينها حيث تتجلى شريعة الإسلام من خلال نصها المؤسس القرآن الكريم معالم الرحمة واليسر والتخفيف الناسخة المهيمنة مقارنة بشريعة اليهود شريعة الإصر والأغلال، قبل أن يخفت مظهر الرحمة ويعتم صفوه ضغط السياسة وإكراهات التاريخ.
الرسالة التي وصفت بالجريئة وقد تعد الأولى من نوعها في إطار البحوث الفقهية الأكاديمية المعاصرة عرفت مناقشة حادة وصريحة على مدى أربع ساعات كاملة، حيث اختلفت الآراء والرؤى كما كان متوقعا حول منهج الباحث وما خلص إليه من آراء نقدية.
الباحث الذي حصل بها على درجة الدكتوراه بملاحظة مشرف جدا وانطلق من إشكالية فحواها موقف الشريعة الإسلامية من عقوبة الإعدام ومدى إمكانية إلغائها وتجليات هذا الموقف تناغما أو تنافيا على مستوى المنظومة الجنائية الفقهية والقانونية. يرى أن أطروحته قد تغدو مرجعا مؤطرا ومؤصلا للموقف السليم من هذه العقوبة ضمن أي نقاش مستقبلي، أو حركة اجتهاد فقهي في هذه القضية الخطيرة المطروحة عالميا، لاسيما وأن 140 دولة أوقفت العمل بها نظريا أو عمليا و59 منها لما تزل متمسكة بها ومنها دول مسلمة، وتعد دولتان مسلمتان من بين الدول الأربعة عالميا في تعداد الأكثر تنفيذا لها.       واسطة كمال 

الرجوع إلى الأعلى