أوبرا الجزائر.. تحفة فنية تدشن لعهد جديد من الثقافة
صارت للجزائر بعد 54 سنة من الاستقلال دار أوبرا خاصة بها وبمواصفات عالمية، معلم ثقافي واشعاعي كبير، ينتظر أن يثري الساحة الفنية والثقافية الوطنية عموما ويفتح المجال واسعا أمام المواهب الشابة للبروز والتكوين في مختلف أنواع الفنون. دٌشنت أوبرا الجزائر رسميا في العشرين من شهر جويلية الماضي بحضور الوزير الأول عبد المالك سلال وأعضاء من الحكومة و مدعوين وفنانين وسفير جمهورية الصين بالجزائر، كما دشنها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أمس الأول وأطلق عليها إسم السفير السابق والأديب بوعلام بسايح   ،  و هي ثمرة التعاون  والصداقة الجزائرية- الصينية التي تمتد جذورها إلى زمن الثورة التحريرية المجيدة، فقد قررت حكومة جمهورية الصين الشعبية قبل سنوات بناء دار للأوبرا بالجزائر كهبة منها، وكعربون مودة وصداقة بين الشعبين، وقد انطلقت أشغال البناء في سنة 2012.
م.عدنان
تقع أوبرا الجزائر بإقليم بلدية أولاد فايت بمحاذاة الطريق السريع،  وتتربع على مساحة إجمالية تقدر بـ 35 ألف متر مربع، وهي ذات أربعة طوابق و تشمل قاعة كبرى للعروض بقدرة استيعاب تصل إلى 1400 مقعد( قاعة و شرفات)، وتتوفر فيها المعايير التقنية العالمية في مجال الصوت والرؤية، كما تحوي قاعات تدريب كبيرة، والتجهيزات الخاصة بالعروض الفنية والعروض السمعية  البصرية، و ورشات تقنية ومختلف فضاءات الاستقبال وأروقة للمعارض، وفضلا عن هذا فهي مكان رحب، أنيق، وذات ديكور ممتع وجميل، و تتوفر على جميع اللواحق التابعة، كما تتوفر الأوبرا  أيضا على مساحة خارجية كبيرة يمكن استغلالها في العروض أو بناءات أخرى، وقد زودت بأرقى التجهيزات الباعثة على الرفاهية والمتعة.
 وقال السيد نور الدين سعودي القائم على القاعة في انتظار صدور المرسوم الخاص بها كمؤسسة مستقلة بذاتها- أن الاوبرا تضم كل المرافق اللازمة والمطلوبة للبرامج الثقافية والفنية المتعلقة بهذا النوع مثل المسرح، الغناء، الأوركسترا والموسيقى، و اضاف محدثنا «للنصر» في لقاء به بمكتبه داخل الأوبرا أن هذه الأخيرة تحوي أيضا قاعتين كبيرتين للتدريبات، وقاعات أخرى أقل حجما يمكن أن تستغل حسب الحاجة، وجناح إداري، وهي مزودة بكل التقنيات والتجهيزات الحديثة، من إضاءة و إنارة وغيرها، فضلا عن مرافق أخرى خاصة بالديكور والماكياج والنجارة وغيرها، و منصة العرض المتحركة.
و يتولى نور الدين سعودي مهمة إدارة أوبرا الجزائر منذ تدشينها في 20 جويلية الماضي، لكنه أوضح أن المرسوم الخاص بإنشاء الأوبرا كمؤسسة مستقلة لم يصدر بعد،  و كل النصوص المتعلقة بها جاهزة وستصدر قريبا جدا، والنقاش حولها وحول دورها تم، وبالموازاة مع ذلك يعكف محدثنا على ترتيب بيت هذا المعلم الثقافي الجديد، و تأسيس فريق خاص لإداراته والإشراف عليه، وتتمتع أوبرا الجزائر بالاستقلالية  الفنية، وهي مؤسسة ذات طابع صناعي و تجاري لكنها تحت وصاية وزارة الثقافة التي لن تتدخل إلا في الجوانب التوجيهية، وتلعب دور المسهل.
هبة عربون صداقة جزائرية صينية
على الرغم من عدم صدور المرسوم الخاص بالأوبرا و تكوّنها كمؤسسة مستقلة بذاتها إلا أن السيد سعودي نور الدين له تصور خاص حول كيفية استغلال هذا الصرح الثقافي العالي، ويقول في هذا الصدد « لابد أن لا يكون تصورنا قائما على الاستغلال العشوائي لهذا المعلم، الثقافة أشرف وأسمى من هذا، ومتطلبات وتطلعات المجتمع أسمى من كل هذا أيضا.. لابد أن نجعل من اوبرا الجزائر قطبا للإشعاع الثقافي، يرمي أنواره نحو المجتمع، ويجلب المواهب التي ستجد ضالتها هنا وفي كل الميادين».
وفي هذا المقام يتحدث سعودي عن طموحه وتصوره لكيفية استغلال الاوبرا في المستقبل وقال أنها ستكون مكانا لجذب مختلف المواهب في مختلف أنواع الفنون « سنجعل من الاوبرا بامتياز مركزا يقدم تكوينا ومكاسب جديدة للمواهب التي تتلقى تكوينها في المعاهد، هنا سنعطي أكثر من الحد المضمون في معاهد أخرى، وهذا بالتنسيق مع مختلف الهيئات الثقافية  والتكوينية مثل المعهد العالي للموسيقى، والمعاهد الجهوية وغيرها، سنهتم بكل أشكال الفنون التراثية والعالمية».
ويضيف محدثنا في نفس الاتجاه دائما أن الأوبرا ستعلب  دور المشّع ودور المكوّن والمرافق  للكفاءات والمواهب الجزائرية في مجال الفن، وبكلمة واحدة وصفها بـ   «موقظ الفن».
ففي جانبها الإشعاعي ستعمل الأوبرا على تقديم عروض في الموسيقى الكلاسيكية، و فن الكوريغرافيا، بما أن الجزائر تتوفر حاليا على ثلاث مجموعات هي الأوركسترا الوطنية، البالي الوطني والمجموعة الأندلسية، وأوضح سعودي ان هذه المجموعات ستكون في المستقبل كلها تابعة للأوبرا، ما يساعد – حسبه-  على خلق نوع من التكامل بينهم في مجال الفنون، ويؤدي إلى بروز إبداع فني حقيقي.
ودائما في مجال استغلال الأوبرا والبرنامج الخاص بها تحدث نور الدين سعودي أيضا في شق آخر عن عروض المجموعات الأجنبية التي ستجلب إلى الجزائر في مختلف انواع الفنون التي عادة ما تقام في الأوبرا والمسارح مثل الكوريغرافيا، الموسيقى الكلاسيكية، التراث أو أي نوع آخر من فنون الأوبرا.

اتفاقيات مع دور أجنبية لتقديم عروض راقية بالجزائر
وبالنسبة للفنون غير الموجودة عندنا فإن أوبرا الجزائر ستعقد اتفاقيات مع  دور الأوبرا الأجنبية لتقديم عروضها هنا في الجزائر، وهناك اليوم الكثير من البلدان الشقيقة والصديقة ترغب في ذلك وفي القدوم إلى بلادنا.
بموازاة الطموح الكبير الذي أبداه السيد سعودي القائم على أوبرا الجزائر حاليا والذي يعمل رفقة فريقه الذي سيشكله لاحقا من اجل تجسيده على أرض الواقع، والخروج من النمطية التي ميزت الحياة الثقافية والفنية عندنا، فإن هذا الأخير يعول أيضا على مرافقة كل مؤسسات الدولة والمجتمع برمته للاوبرا كي تؤدي دورها كاملا في هذا المجال.
وفي هذا الصدد يقول « نحن نسير تدريجيا لكن لابد للسلطات العمومية أن ترافقنا ونفس الشيء نتمناه من الجمهور والمجتمع برمته»، ويضيف أن الاهم اليوم هو أننا «نملك كل شيء، لدينا معلم ( اوبرا)، المواهب موجودة، بلد له تاريخ ثري و متنوع، ولم يبق غير الربط بين كل هذه العوامل».
 وعليه يشدد محدثنا على أنه يطمح إلى جعل الأوبرا «مقصدا ووجهة حقيقية» لكل شرائح الجزائريين، وهذا عن طريق تقديم عروض ترضي الجهور الجزائري وتكون في مستوى تطلعاته، و هو  متأكد من ان الجمهور الجزائري يقبل كل الاشياء الأساسية و الجميلة بعيدا عن اي تطرف او غلو، ودون أي طابوهات.
ومن هذا المنطلق فإن سقف طموح السيد سعودي هو أن تتمكن الأوبرا من إنتاج 4 «أوبيرات» في السنة، بالمعايير التعارف عليها عالميا، و أن تكون دقيقة في مستوى آمال الجمهور، وهو رهان يبدو صعبا حتى بالنسبة للأوبرات المعروفة و المشهورة في العالم، وخلاصة قوله ان المهام متشعبة، والرئيسية منها هي الاستغلال الفني الجيد لهذا الصرح.
 وفي جانب آخر حرص مدير دار الأوبرا على الإشارة الى الظروف الحالية التي تمر بها البلاد بصفة عامة، وعلى أن مؤسسة دار الاوبرا ستكون مستقلة ماليا وفنيا، ما يعني أن على عاتقها يقع عبء التمويل الذاتي رغم المساعدة التي تقدمها الوصاية، ولذلك فهو يفكر في خلق مرافق ترفيهية تابعة لها في المساحة الخارجية التي تتوفر عليها مثل مطاعم مصنفة ومحترمة ومقاهي وغيرها.
كما يلح أيضا على أن المواطن اليوم لابد أن يعي أن عهد مجانية الثقافة والاستمتاع بالفنون قد ولىّ، و أن عليه ان يدفع أيضا ولو القليل من أجل التمتع بالعروض الفنية والثقافية، فلدار الاوبرا –يضيف محدثنا- حق أيضا على المجتمع، فإن كانت هي تضمن له العروض من كل أنواع الفن فمن واجبه أيضا دعمها ومرافقتها.
انتهــاء عــهد الثقافـــــــة المجانيــــة
وكمثال على ذلك فإن العروض بأوبرا الجزائر لم تنقطع منذ الافتتاح الرسمي لها في العشرين جويلية، وقد شملت عروضا لفرقة «بوليوود» الهندية، التي كان ثمن تذكرة الدخول لها 3 آلاف دينار، وهو مبلغ يراه السيد سعودي معقولا بالنسبة لعائلة أو فرد لأن مثل هذه العروض لن تكون على مدار السنة.
المفيد اليوم أن هناك صرحا ومعلما ثقافيا جديدا جاهزا وينتظر الاستغلال الأمثل،  وهو معد لاحتضان المواهب الجزائرية في مختلف أنواع الفنون.. أوبرا الجزائر تقع اليوم في أولاد فايت وليس في ساحة بورسيعد.. هذه الأخيرة التي كانت تسمى في زمن الاستعمار « الأوبرا» سميت بعد الاستقلال المسرح الوطني... و لجزائر الاستقلال اليوم أوبرا خاصة بها.

الرجوع إلى الأعلى