تخليد 2000 شهيد جزائري يرقدون  في المقبرة العسكرية الفرنسية بدمشق
أصدرت مؤخرا الكاتبة الشابة لطيفة منطاش، الشهيرة باسم عاشقة بغداد، رواية جديدة عنوانها"المقبرة العذراء"، تتكون من 158صفحة من الحجم المتوسط ، من منشورات دار نوميديا بقسنطينة، و قد حاولت من خلالها أن تسلط الضوء على غصة مكبوتة و جرح غائر يرفض أن  يندمل في ذاكرة الوطن، منذ أن جندت فرنسا عنوة خيرة شباب الجزائر في صفوف جيشها الدموي الغاصب ،  و من بينهم بطل الرواية عبد الرزاق و إخوته، و نقلهم المستعمر على متن باخرة، دون أن يعلموا وجهتهم، و وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في ساحة الوغى بالزي العسكري الفرنسي أمام عدو مجهول ، كان ذلك في بداية عشرينيات القرن الماضي.
 الجزائريون الشباب اكتشفوا لاحقا بأنهم في سوريا و بأن من كلفوا بمقاتلتهم هم إخوة لهم في الدين و اللغة، فرفضوا إعادة تجسيد قصة قابيل و هابيل و كل المهام القذرة التي أوكلت إليهم، و لاذ بعضهم بالفرار لينضموا إلى السوريين في مقاومتهم للفرنسيين، في حين قتل الفرنسيون معظمهم دون رحمة، و دفنوا في المقبرة العسكرية الفرنسية بريف دمشق، و علقت أمام قبورهم لوحة كتب عليها: «ماتوا من أجل فرنسا «، و طواهم النسيان و لاحقتهم تهمة الخيانة لعقود طويلة،  لكن الكاتبة لطيفة منطاش استحضرت أرواحهم في روايتها مؤكدة «كتبت روايتي لأصرخ بكل حناجرهم و بملء براءتهم: لم نمت لأجل فرنسا، لا تصدقوا بهتان تلك الأحرف، لأننا كجزائريين جبلنا على الوفاء».
منطاش نصبت في روايتها محكمة خاصة لإنصاف هؤلاء الشهداء و تخليصهم من الذل و المهانة و التشويه و تهمة خيانة الجزائر، قائلة « لا بد من مبايعة براءتهم»، و  مؤكدة «الجرح لم يغلق بعد، و استقلالنا لن تنضج فرحته المتلعثمة، حتى يستعيد الوطن كل شهدائه»، و نطقت بالحكم المنشود «حكمت الجزائر ببراءة 2000جثة جزائرية من كل الأباطيل و تطويقها بعودة مستعجلة ممهورة بالتقدير و الأكاليل»، داعية إلى تحرير تاريخنا من النسيان و استرجاع ماضينا الثوري من كل بقاع المعمورة.
الكاتبة و هي أستاذة للغة العربية و التربية الإسلامية في الطور المتوسط، أطلقت في روايتها «المقبرة العذراء» العنان لفرس الخيال الجامح، لينطلق في رحلة عبر التاريخ، و يصهر في يوميات الشاب الجزائري عبد الرزاق، المولود في سنة 1896 بقرية المنصورة بالشرق الجزائري، شظايا من القصة  المبعثرة الفصول و القبور. فهذا الشاب الذكي و الطموح، حرص على تنفيذ وصية والده و هي تعلم اللغة العربية حتى لا يغادره الوطن دون رجعة، لكنه اضطر لتكريس جهوده لخدمة الأرض طلبا للرزق، و أول صدمة عاشها هي تجنيد المستعمر لصديقه و ابن عمه الدراجي في صفوفه خلال الحرب العالمية الأولى، و كانت كل ذرة من كيانه تصرخ» ارحلي عنا يا فرنسا»، و سرعان ما تجسدت مخاوف و كوابيس أمه، عندما اقتحم الفرنسيون كوخهم ليلا و اقتلعه هو و إخوته من دفء حضنها و قالوا لوالده بأن أبناءه سيحاربون الأتراك و البريطانيين في صفوفهم و يصبحون أبطالا»، و عندما قاومهم أردوه قتيلا.
الكاتبة اعتمدت على السرد السلس و الانسيابي للأحداث بلغة جميلة متماسكة ، انتقت كلماتها بذكاء و دقة و فيض من مشاعر الغضب و الحزن، فوصفت رحلة عبد الرزاق و أشقائه عبر الشاحنات و السفن الفرنسية، و دخولهم في معارك غريبة خلال الحرب العالمية الأولى ، ثم جرهم إلى حرب قابيل و هابيل في سوريا، دون أن يعلموا بذلك، فاستحضرت الوقائع التاريخية في قلب الحبكة الروائية المحكمة.
جدير بالذكر أن برصيد الكاتبة خمس روايات و توجت بالعديد من الجوائز في مسابقات وطنية و عربية، من بينها مسابقة العلامة عبد الحميد بن باديس في سنتي 2012و   2014 و جائزة الدكتور محمد بن شنب للأبحاث و الفنون في المدية في 2014. و هي الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على روايتها السادسة «لا توجد أخبار لهذا اليوم».
إلهام.ط  

الرجوع إلى الأعلى