ناقش أول أمس مهندسون معماريون نشطوا ندوة حول البعد الثقافي و المعماري لمساجد المدينة القديمة، أثر العناصر الشرعية للمساجد في التنظيم الحضاري، واقع  هذه الصروح الدينية و الحضارية و الاجتماعية و تحديات بنائها وفق معايير مناسبة تعكس الهوية العمرانية و الهندسية الوطنية، و تخدم البعد الجمالي للمحيط العام.
الندوة نظمت في إطار فعاليات شهر التراث الجارية على مستوى قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة، وقد جاءت حسب رئيسة هيئة المهندسين المعماريين بقسنطينة لامية جرادي لتبرز علاقة المهندس بالوجه العام للمحيط الحضري على اعتبار أن المهندس معني بعملية البناء بمختلف مراحلها، كما أنه حلقة أساسية في مسعى الحفاظ على التراث و انجاز مشاريع ترميم القطاع المحفوظ بما في ذلك المساجد، التي قالت بشأنها المتحدثة بأن هندستها اليوم تختلف كثيرا عن النمط القديم المعروف في قسنطينة العتيقة، فهي غير موحدة و تختلف من حي إلى أخر بدرجات كبيرة لا تعكس الوجه الثقافي و الحضاري للمدينة، و هو عيب جمالي له انعكاسات سلبية على وجه المدينة.
 و أوضحت المهندسة بأن المساجد الجديدة سواء تلك التي بنيت مؤخرا أو التي لا تزال قيد التشييد على مستوى الأحياء، هي مساجد مطابقة من حيث القانون لأن عملية بنائها لا يمكن أن تتم دون رخصة بناء مصادقة من الشباك الموحد، تستوفي شروط الدراسة المدنية و معايير السلامة، مع ذلك يبقى المشكل متعلقا بنمط البناء، فهذه المساجد تبنى من أموال التبرعات التي تجمعها جمعيات الأحياء، لذلك فإن تصميمها و هندستها تخضع لسلطة هذه الجمعيات التي تعتمد عادة على مهندس معماري متطوع يختار مخططا هندسيا يلبي مطلب السكان أو قد يتماشى مع ذوقه الخاص، و هو مخطط قد لا يعكس بالضرورة الطابع الهندسي العمراني المغاربي الذي يمثل الهوية الهندسية الوطنية و تميزه عادة قاعدة المنارة المربعة.
 و هنا  تضيف المتحدثة، لا يمكن أن تتدخل أية هيئة لفرض نموذج مختلف  بما في ذلك هيئة المهندسين المعماريين لا إذا تم الاتفاق على توحيد دفتر شروط لبناء المساجد تلزم به مديرية الشؤون الدينية بالتنسيق مع مصالح البلدية و الولاية وجمعيات الأحياء و المهندسين المعماريين، وقد قدمت هيئة المهندسين المعماريين حسبها مقترحا لمديرية الشؤون الدينية مؤخرا لتنظيم لقاء عمل تشاوري من أجل تفعيل مشروع دفتر شروط بناء المساجد الخارجة عن التمويل الرسمي أي مساجد الأحياء التي تنجزها الجمعيات بأموال التبرعات.
وهنا أشارت المهندسة إلى أن الحديث عن توحيد نمط البناء لا يعني القضاء على الاختلاف بل يعني الالتزام بنمط محدد لكن مع حرية اختيار التصميم بمعنى أن حق التنوع محفوظ.
بدوره أكد المهندس ميلود بن زردة وجود اختلاف  كبير بين المساجد القديمة في قسنطينة التي تميل إلى الطابع التركي على غرار مسجد سيدي الكتاني و حسان باي و سيدي لخضر، وتلك التي تعكس الطابع المغاربي كمسجد الأمير عبد القادر، و تلك المساجد الحديثة التي لا تمثل أية هوية حضارية معينة، و قال أن دور المهندس المعماري في هذه القضية يأتي بناء على واجبه القانوني المنصوص عليه ضمن المرسوم التشريعي 94/07، الذي يحدد علاقة المهندس بحماية التراث و يتحدث عن طبيعة الإنتاج المعماري.

و يوضح المتحدث، بأن هيئة المهندسين المعماريين على المستويين المحلي و الوطني قد باشرت إجراءات فعلية من أجل وضع حد لإشكالية النمط المعماري للمساجد، و الذي لا بد حسبه أن يعكس الهوية الثقافية الوطنية و هي الهوية المغاربية، إذ أنها و بناء على تصريحات سابقة لوزير الشؤون الدينية بخصوص فرض دفتر شروط موحد لبناء المساجد، باشرت اتصالات مكثفة مع الوصاية و مديريات الشؤون الدينية من أجل بدء ضبط الدفتر و تحديد بنوده، إذ من المنتظر أن تسهم هذه الخطوة في تنظيم عملية بناء مساجد الأحياء بشكل كبير و تسمح بالتحكم أكثر في هندستها و واجهاتها بشكل يتوافق مع مطلب الهوية و يحسن المظهر العام للمدينة.
و أضاف المتحدث بأن المساجد الحالية ليست عشوائية أو مخالفة لقوانين البناء، ولكنها تفتقر فقط للخصوصية الهندسية الثقافية، مؤكدا بأن إجراءات عديدة اتخذت منذ سنة 2006، لتنظيم عملية بناء المساجد من قبل جمعيات الأحياء، فمثلا أي رخصة بناء لا يمكن أن تمنح إلا إذا تم تحويل ملكية الأرض إلى الوقف.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى