الباحثة مليكة رحال «تنصف» فرحات عباس وحزبه «إيدما»
طرحت الباحثة في التاريخ المعاصر مليكة رحال خلال عرضها لمؤلفها الأخير حول حزب فرحات عباس و هو الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، عدة مقاربات تاريخية أعادت بواسطتها تناول حقبة زمنية من تاريخ الجزائر المعاصر،خاصة فترة الأربعينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي قالت أنها غير متناولة في الكتب التاريخية بشكل كبير.
ركزت الباحثة عملها الذي دام عشر سنوات، على حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي كان يرأسه فرحات عباس، حيث قالت إن كل من الحزب ورئيسه لفتهما صورة نمطية وحقائق مبهمة دفعتها للبحث و التمحيص لكشف بعض الحقائق ومحاولة «إنصاف» أو «رفع اللبس» عن بعض الوقائع، مؤكدة أنها لا تريد من خلال هذا المؤلف، سوى إبراز أحداث تاريخية و إثارة جدل حولها لاستقراء الحاضر.
 حاولت الباحثة مليكة رحال خلال محاضرتها التي نشطتها مؤخرا بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية بوهران، والتي كانت بعنوان «الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، العودة لتجربة تاريخية ووقعها في الوقت الراهن»، رفع اللبس عن بعض الحقائق عن حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري و رئيسه فرحات عباس، و إبراز أحداث ظلت مبهمة منذ سنوات الأربعينيات من القرن  الماضي إلى غاية اليوم، خاصة الصورة النمطية التي ألصقت، مثلما قالت، بفرحات عباس و أنتجت مغالطات تاريخية مست أيضا الحزب.
فكرة الاندماج كانت تسبب هيستيريا للنواب
ومن بين الأمور التي حاولت «إنصافها» من خلال مؤلفها ومحاضرتها التي ارتكزت على المنهج المقارن،  مقاربة الأفكار التي تبناها فرحات عباس في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، بالرؤى المختلفة اليوم، حيث قالت أن فكرة الإندماج التي دعا لها فرحات عباس  عن طريق حزبه «إيدما» ، لم تكن مستساغة كثيرا بالنسبة للفرنسيين آنذاك، لأنها كانت تعني أن يتمتع الجزائريون بالمواطنة الحقيقية مثلهم مثل الفرنسيين، وهذا ما كان يسبب هيستيريا، خاصة وسط نواب البرلمان حينها، كون المعمرين الفرنسيين كانوا يعتبرون الجزائريين أهالي من الدرجة الثانية، ولا يمكن مساواتهم أبدا بالفرنسيين.
و  أضافت الباحثة أن هذه الفكرة ننظر إليها نحن اليوم، بأنها لم تكن للمطالبة بالاستقلال، بينما بالنسبة لفرحات عباس هي طريقة لفرض إعتراف فرنسا بمواطنة الجزائريين و بحقهم في تقرير مصيرهم و الاستقلال.
وفق الباحثة،  فإن حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري لم يكن له آنذاك جناح عسكري، بل كان النضال سياسيا عن طريق نوابه في البرلمان و إجتماعيا عن طريق المجتمع المدني ، وخاصة جمعية العلماء المسلمين وجمعيات أخرى، ومع ذكر هذه الأخيرة ، عرجت الباحثة بالقول أن أغلب مناضلي حزب «إيدما» كانوا في الوقت نفسه أعضاء في جمعية العلماء المسلمين، مما يفسر وفقها عدم «لائكية» الحزب، و أوضحت بأن فرحات عباس لم يكن فرونكوفونيا، بل كان يتحدث بالعربية الدارجة، وأن من وضعوه في هذه الصورة النمطية، كانت اللغة العربية بالنسبة إليهم هي اللغة الفصحى وفقط.
استعمال المنهج المقارن للتأكد من الحقائق
و استرسلت الباحثة في توضيح عدة سلوكات وممارسات لمناضلي حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري و رئيسه فرحات عباس، ومنها بعض الوقائع التي وقفت عليها خلال عملها الميداني في الجزائر سنة 2003 ، و كذا  لقائها ببعض المناضلين   الذين لا يزالون على قيد الحياة والذين وجدت صعوبة كبيرة لإنتزاع شهاداتهم حول بعض الوقائع والأحداث، نظرا لتحفظاتهم.
وقد استندت الباحثة من أجل إنجاز عملها على التقارير الأمنية الفرنسية خلال تلك الحقبة، والتي تعد بالآلاف، مثلما قالت، لكن يتطلب التعامل معها بحذر وتركيز،  لذا استعملت المنهج المقارن لتؤكد بعض الحقائق، مثل حادثة تضمنتها تلك التقارير الأمنية مفادها أن فرحات عباس وجه لكمة قوية لموظف إداري في البلديات المختلطة، وبالتالي تمكنت، وفق تصريحها، من مقارنة هذه الواقعة مع فترة غياب فرحات عباس عن الجريدة التي كان يصدرها حزبه، وأبرزت المطابقة حقيقة تاريخية ظلت مبهمة.
و اعتمدت أيضا على أرشيف الجرائد التي كان الحزب يصدرها، منها جريدة الوطن باللغة العربية وبالفرنسية جريدتي «المساواة» و»الجمهورية الجزائرية»، وهو الأرشيف المتوفر بالمركز الوطني للأرشيف في العاصمة.
المؤرخ ليس قاضيا في محكمة
من جانب آخر، أوضحت الباحثة بأن دور المؤرخ ليس أن يكون قاضيا في محكمة، لكن عند نقل أو تمحيص بعض الأحداث والوقائع،  يجد الباحث نفسه قد ساهم في إنتاج تعقيدات أخرى تنجم عن إظهار بعض الحقائق، وبناء على هذا، حسب المتحدثة،  تناولت سيرة فرحات عباس الذي كانت تلفه صورة نمطية، مضيفة بأنه لا يوجد الكثير من المؤرخين الذين يبحثون ويكتبون وينشرون مؤلفات عن تاريخ الجزائر في تلك الفترة والفترات التي سبقتها، كما أن هذا المجال ليس بالهيّن، بل يتطلب أكثر من عشرية لإنجاز كتاب حول قضية ما، خاصة و أن أغلب المؤرخين يتناولون الفترة الإستعمارية في القرن العشرين ونادرا ما نجد مؤلفات عن القرن التاسع عشر، حيث لا يوجد سوى 13 مؤلفا نشروا أعمالا حول تلك الحقبة الزمنية التي جرت فيها أحداث كثيرة جديرة بالمتابعة والبحث، لربط التسلسل التاريخي للأحداث اللاحقة التي لا يزال أغلبها يصنع حاضر البلاد اليوم ،مثلما قالت الباحثة.
و أبرزت أيضا  أن الجزائر عاشت فترة تعددية حزبية حقيقية خلال سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، تمثلت في وجود ثلاثة أحزاب هي حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية و الحزب الشيوعي الجزائري، وكان للمناضلين هامش من حرية التعبير داخل تلك الأحزاب التي كان لها نواب أيضا في البرلمان، رغم أن الجزائر كانت تحت نير الإستعمار الذي كان يحكم قبضته على تلك الأحزاب ومناضليها الذين تعرض أغلبهم للقمع والتوقيف والتعذيب بسبب مواقفهم إزاء الأوضاع التي كانت سائدة حينها، كما أن الأحزاب كانت تجمعها «شراكة متصارعة»، حسب وصف الباحثة،  أي أنها كانت أحزابا متفقة على كل ما يتعلق بالجزائر وحقها في الاستقلال، لكن كانت متصارعة حول وجهات نظرها في كيفية التخلص من المستعمر، وكيفية بناء دولة جزائرية يكون شعبها حرا.
أغلب أفراد عائلة رحال ينتمون إلى «إيدما»
وكشفت الباحثة مليكة رحال بأنها أنجزت هذا العمل دون أن تعلم بأنها تنتمي لعائلة أغلب أفرادها كانوا من مناضلي حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، كونها تعيش في فرنسا ولا تعرف الكثير عن تاريخ أجدادها، مشيرة إلى أنها اكتشفت هذه الحقيقة أثناء أول لقاء لها مع قدماء الحزب بسطيف، حيث أكد لها أحدهم أن العديد من أفراد عائلتها كانوا من أبرز مناضلي الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وهي حقيقة لم تكن وراء اختيارها للموضوع، مثلما أفادت خلال إجابتها على السؤال الذي طرحه أحد المناضلين الذي كان حاضرا ب»كراسك» وهران،» تفاجأت بهذه الحقيقة خلال بحثي الميداني».
للتذكير،  فإن الكتاب هو منتوج أطروحتها للدكتوراه التي كان أبرز مؤطريها المؤرخ «بنجامين ستورا» و المؤلف بعنوان «الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، مساهمة في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية» وقد صدر هذا العام ، عن دار النشر البرزخ.
  و سبق لمليكة رحال أن أصدرت كتابا حول « بيوغرافيا علي بومنجل» الذي هو أيضا من المقربين من فرحات عباس ومن أبرز إطارات الحزب، و أشارت  المتحدثة أنها تحضر لمؤلف جديد سيتناول أحداث سنة 1962.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى