الباحثون مطالبون بإعداد دراسات معمّقة تكشف الحقائق
سلط أساتذة مختصون في التاريخ خلال ندوة عقدت أمس بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بمناسبة ذكرى مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس، الضوء على أسباب هجرة الجزائريين إلى فرنسا و الدافع الذي جعلهم يختارون باريس لإقامة مظاهرات، داعين الباحثين إلى إجراء دراسات أعمق باستعمال مناهج علمية دقيقة لتقصي الحقائق، و عدم الاكتفاء بعقد ندوات.
الأستاذ حميدة عميراوي قال في مداخلته بأن  المغزى من إقامة مظاهرة في باريس بالضبط له أكثر من بعد ، فهو يدل على وجود ضمير جمعي جزائري ثوري تجاوز المكان الضيق و الزمان المحدود و تضافر  مع العمل المسلح و النظام الدبلوماسي، فبالرغم من قوة الحلف الأطلسي و نشاط الدبلوماسية الفرنسية،  و تواطؤ الحركى و الدماء التي سالت،  إلا أن الجزائر حصلت على الاستقلال .
كما تحدث عن سبب اختيار باريس لإقامة المظاهرات ، قائلا بأن ذلك يرجع لاعتبارها قلب أوروبا في تلك الفترة، و أي حركة فيها تمس كل العالم ، و أيضا لكون الدولة الفرنسية أعدت 1959برنامجا خطيرا ، فقد  جندت 80 ألف عسكري و أرادت أن توجهه للجزائر،  ما جعلهم يقومون بعمليات فدائية هناك لإرغام الحكومة الفرنسية على إبقاء هؤلاء العسكريين لحماية مصالحها .
و أضاف الأستاذ المختص في التاريخ حميدة عميراوي حميدة  « حدث نشاط كبير في فرنسا بسبب مظاهرات 17 أكتوبر،  مثل إنشاء منظمة حقوق الإنسان ، جمعية 17 أكتوبر ، و جمعية الذكرى ضد النسيان، و السؤال المطروح ماذا قدم الجزائريون المختصون في التاريخ؟ لقد اكتفوا  بعقد ندوات، في حين  نجد عشرات الأعمال أعدها فرنسيون لدرجة أن البعض تخصص في هذا الموضوع». و شدد المحاضر بأن التعود على تنظيم ندوة كل سنة احتفالا بهذا اليوم بطريقة العرض و السرد لا يلبي المطلوب ،  فلا بد من التعمق في دراسة الأحداث باحترافية .
و قدم من جهته الدكتور سعيد دراجي رئيس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، محاضرة بمناسبة ذكرى مظاهرات 17 أكتوبر التي أغرقت فيها فرنسا الجزائريين في نهر السين، و أكد من خلالها بأن مظاهرات 17 أكتوبر تفضح فرنسا الإستعمارية التي كانت تدعي بأنها بلد الحريات و بلد الديمقراطية ، و ممارساتها التي داست كل القوانين، حيث أن المجازر التي اقترفتها آنذاك خرقت قوانين حقوق الإنسان التي ساهمت في وضعها ، أما بالنسبة للجانب الجزائري، فالمظاهرات أكدت مدى تمسك الشعب الجزائري بنضاله و بوحدته و مدى إصراره على انتزاع حقه، و أشار الدكتور دراجي إلى أن كل المهاجرين الجزائريين المقيمين في مختلف الدول ساهموا في الثورة التحريرية، مشيرا في سياق آخر،  بأنه مهما تكون النزاهة العلمية و المصداقية التي  يتمتع بها الكتاب الفرنسيون إزاء الثورة الجزائرية، إلا  أنهم يميلون إلى بلدهم، إذ يكتبون نوعا ما لصالح الثورة الجزائرية ،لكن بنبرة فرنسية .
المداخلة التالية عنوانها « باريس الوجه الآخر، فضاء لمقاومة الاستعمار» قدمها أستاذ التاريخ نور الدين ثنيو ، و جاء فيها بأننا إذا قيمنا كل الأحداث التي وقعت في فرنسا ، فسنجد بأن أحداث 17  أكتوبر من أخطر الحوادث التي وقعت في باريس منذ 1789 ، لهذا يجب تقصي حقيقة ما وقع ، كما أثار الأستاذ المحاضر مسألة التاريخ المتقاطع بين تجربة الفرنسيين و الجزائريين و التي قد تؤول من طرف القارئ أو المحلل ضد المصلحة الجزائرية ، و وقف على الأسباب التي أدت إلى التعتيم الذي اكتنف أحداث 17 أكتوبر من قبل المستعمر.
أستاذ التاريخ أحمد ساري ركز في محاضرة حول « هجرة الجزائريين إلى فرنسا» ، على تعتيم السياسيين في فرنسا على ما حدث من مجازر في حق الجزائريين في مظاهرات 17 أكتوبر،  حيث قالوا بأن المستشفيات الفرنسية لم تستقبل أي قتيل أو جريح في الوقت الذي استقبلت الكثير من الضحايا،  مشيرا إلى أن هناك بعض  المؤخرين الفرنسيين من يشهد على هذا المجازر، كالمؤرخ جون لوك إيلودي في كتابه «مشاهد حرب الجزائر بفرنسا» ، الذي قال فيه بأن الإعلام الفرنسي لم يتحدث على هذه المجازر التي وصفها بالبشعة.
 الأستاذ ساري ذكر أيضا في مداخلته أسباب هذه المظاهرات  كالتجنيد الإجباري و حاجة فرنسا آنذاك لليد العاملة ، و دستور 1947 الذي نص على المساواة بين الجزائريين و الفرنسيين ، و اعتبره عاملا مشجعا للجزائريين على الهجرة إلى فرنسا ، قائلا بأن الهجرة كان لها دور في إيقاظ الوعي السياسي و ميل الجزائريين إلى العمل المسلح الذي ظهر خاصة على يد السياسي الكبير مصالي الحاج و كذا الدعوة إلى تفجير ثورة التحرير ، ثم بلورة الفكرة و حصرها في أهم هيئة و هي جبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة المسلحة لاستقلال الجزائر.                        
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى