أوروبيون يحاولون طمس العصر الذهبي لنهضة العرب  
أكد وزير التربية الأسبق و البروفيسور المتخصص في الرياضيات و تاريخ العلوم، أحمد جبار أن الترجمة أدت دورا كبيرا في تنشيط المعرفة العلمية العربية من اللغات اليونانية والأشورية والفارسية والسنسكريتية ،و هذا الانفتاح على الجزء الآخر من العالم، مكن من اكتساب المعارف ، و الغريب في الأمر أن بعض الأوروبيين المتعصبين و إلى غاية اليوم، كما قال البروفيسور جبار، يسعون لطمس معالم العصر الذهبي لنهضة العرب و المسلمين بين القرنين الثامن و الرابع عشر ميلادي .
توصل البروفيسور أحمد جبار، بعد أزيد من 40 سنة من البحث العلمي، إلى حقائق مهمة بالأدلة القاطعة مدونة في كتابه «تاريخ العلوم العربية «، كما أكد في ندوة نظمها مؤخرا نادي المقهى الأدبي لمليانة بولاية عين الدفلى ، حول بعض إسهامات الحضارة العربية الإسلامية في معين العلوم، بعد أن ساد الاعتقاد لفترة طويلة بسيادة المعجزة اليونانية و النهضة الأوروبية،  مع تجاهل الفترة الإسلامية.


ويعود ذلك، حسب صاحب مؤلف «تاريخ الرياضيات في إفريقيا «،لأن  بعض الأوروبيين المتعصبين، كما قال، حاولوا طمس معالم العصر الذهبي لنهضة العرب بين القرن الثامن و الرابع عشر ميلادي ، مضيفا بأنه ينبغي اعتماد هذا التخصص في الجامعة الجزائرية ، لنفض الغبار على  تراث الأمة وحمايته من المصادرة الأجنبية.
العلماء العرب لم يكتفوا بالترجمة بل مارسوا العلوم التجريبية
 و أشار الباحث في ذات الصدد ، إلى أن علماء البلدان الإسلامية (من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر الميلاديين) لم يقوموا بترجمة المؤلفات اليونانية والهندية فحسب، بل مارسوا العلوم التجريبية، وكشفوا النقاب عن مجالات علمية وتقنية لم تتأسس،  إلا في فترة لاحقة في أوروبا.

 و استعرض الحائز على وسام العالم الجزائري أحمد جبار، أهم و أبرز محطات التوهج الثقافي و العلمي من بغداد إلى الأندلس، مثل «مختارات النجوم» و»فردوس الحكمة» وغيرهما، و أبرز الإسهامات العلمية للحضارة الإسلامية في مجالات علمية مختلفة، كالفلك والرياضيات والفيزياء والبيولوجيا والكيمياء، حيث انفق بعض العلماء والباحثين آنذاك،  أموالا طائلة من أجل ترجمة مخطوطات نادرة في الفيزياء و الرياضيات .
كما ساهم تشييد مصنع ثان للورق في بغداد في دمقرطة المعرفة، في ظل تكاثر المكتبات  ، مستفيدين من الترجمة التي لعبت دورا في تنشيط المعرفة، حيث ترجمت الكتب اليونانية والعلوم الهندية ،و  تلتها بعد ذلك مرحلة المعرفة، ثم الإبداع في بيئة تتسم بالانفتاح على الثقافة و التشجيع على طلب العلم عبر أصقاع المعمورة ، خصوصا ،  كما قال، في فترة خلافة المنصور والخليفة المهدي و هارون الرشيد و المأمون الذين أسسوا لانطلاقة قوية للنهضة العربية الإسلامية، و أشار البروفيسور إلى أن العرب في تلك الفترة لم يكونوا متعصبين لأفكارهم، بدليل أن الظاهرة العلمية كانت موازية للظاهرة الأدبية، فكان الاهتمام منصب على أخذ أكبر قدر من العلوم .
و ذكر البروفيسور صاحب مؤلف «الكتاب الكبير في العلوم و الاختراعات»  ثابت بن قرة وحفيده إبراهيم بن سنان وابن الهيثم،  و المخطوطات و الدراسات المكتوبة من قبل علماء فلكيين، مثل أعمال  البيروني  في القرن الحادي عشر و المراكشي  في القرن الثالث عشر، حيث خضع علم الفلك إلى دراسات نقدية للإرث الفلكي القديم، ثم جرى تطويره مع انجاز خرائط و جداول فلكية، بعد أن كان الاعتقاد السائد أن حياة البشر و سلوكاتهم خاضعة للتنجيم، حيث تؤثر حركة الأجرام السماوية على حياة الأفراد .
و نقل الباحث عن عالم الفلك الأندلسي  سعيد الأندلسي  الذي عاش في القرن الحادي عشر،  تأكيده بأنه من بين المدارس الفلكية الهندية الثلاث المعروفة، لم تصل إلى العرب سوى مدرسة الـ «سندهند «،  كما تعد منشورات  الخوارزمي  في الجبر بين عام 813 وعام 833 هجري ، نقطة الانطلاقة لعلم لم يسبق إليه أحد في حل مسائل ظلت عالقة لعقود طويلة .
كما تقدم العرب على الأوروبيين في مجال الكيمياء ، فتوظيف الإيديولوجيا ، كما أضاف الباحث، جعل الأوروبيين يطلقون على كيميائهم «الكيمياء المعاصرة»، أما البحوث المتقدمة فيطلقون عليها «الخيمياء» كنوع من التمييز و الفوقية ، فالكيمياء الأوروبية مستنبطة من البحوث و الدراسات المتقدمة والمدونة  في  الكتابات العربية المترجمة إلى اللاتينية،  و الشواهد العلمية لا تزال قائمة، على حد تعبير الباحث الجزائري .
 ومن الأمثلة البسيطة، استطرد المحاضر، خلال الندوة الفكرية ، ظن الأوربيون أنهم من اكتشفوا الدورة الدموية في القرن العشرين،  لكن المخطوطات التي عثر عليها بإيطاليا، تؤكد أن ابن نفيس السوري يعود الفضل إليه في اكتشافها، رغم أنه لم يستطع إقناع علماء الدين بالفرضيات التي قدمها، لأن عملية التشريح كانت في السابق محرمة على العلماء.
و تابع البروفيسور جبار»إن العالم الكبير الرازي هو الذي اخترع مفهوم المركز الاستشفائي الجامعي و تقديم دروس تطبيقية للطلبة في القرن التاسع،  و المخطوطات موجودة وفق الأبحاث التي قمت بها،   وعليه لا ينبغي أن ننساق للفكرة القائلة أن الحضارة الأوربية هي أساس البحث العلمي» .
 جدير بالذكر أن للبروفيسور والعالم المؤرخ أحمد جبار، وزير التربية الأسبق و الأستاذ المتقاعد من جامعة ليل بفرنسا، عديد الدراسات و الأبحاث التي ساهمت في إثراء المكتبات وتنوير الباحثين  بكتب باللغة الفرنسية ، كما يحوز على عشرات المقالات المتخصصة في الجبر والرياضيات وشتى العلوم لدى العرب والمسلمين.          هشام ج

الرجوع إلى الأعلى