انعدام الحنفيات العمومية بوسط المدينة يعقد معاناة القسنطينيين مع الصيف
زادت الحاجة هذه الأيام وسط مدينة قسنطينة، إلى الحنفيات العمومية المهيأة بعدما بلغت الحرارة درجات قصوى، فمثل هذه التجهيزات تكون عادة مطلبا أساسيا لسكان المدن الكبرى و زوارها خلال الصيف، لأنها توفر المياه الشروب التي تروي عطشهم، كما أن تواجد نافورات عند المحاور الرئيسية لكبريات التجمعات من شأنه أن يلطف الجو قليلا و يضفي على المدن رونقا، لأن هذه المرافق هي تفاصيل تصنع صورا جميلة كثيرا ما تتناقلها وسائل الإعلام المرئية في نشراتها الرئيسية، كمظهر من مظاهر الحضارة و الجمال خلال تقاريرها حول السياحة في مدن العالم.
الماء ورغم كونه شريانا للحياة، إلا انه كتفصيل كان قد أغفل من طرف المصالح التقنية لبلدية قسنطينة، ما يضطر السكان و الزوار إلى اللجوء لقارورات المياه المعدنية التي لا تكفي لري ظمأهم وترطيب وجوههم، مع أن هذا العنصر الحيوي كان خلال زمن غابر أحد رموز المدينة، فقد عرفت قسنطينة خلال فترات زمنية ماضية بشهرات مختلفة حملت في مجملها مدلولا يشير إلى أنها مدينة رطبة، فقط اختارت حضارات صورة حوت كدلالة على المدينة،و فضلت أخرى الإشارة إليها من خلال مياه الأودية فأدرجت خطين مقترنين في شعاراتها وهما خطان  يرمزان إلى التقاء وادي بومرزوق بوادي بولبراغث، اللذين كانا محور الحياة في المدينة في وقت سابق
فالمدينة التي تفتقر اليوم إلى حنفيات عمومية على مستوى وسط المدينة، تصلح مياهها للشرب و الاستخدام البشري، كانت قديما تشتهر بغزارة مياهها حسب ما أكده بعض المؤرخين، و أبرزهم أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي الذي زار البلاد في القرن 5 الهجري، 11 الميلادي، فقال عن المدينة في كتابه « المغري في ذكر بلاد إفريقية و المغرب «:  « هي ـ يعني قسنطينة ـ مدينة تتربع على ثلاثة أنهر عظام تجري فيها السفن وقد أحاطت بها، تخرج من عيون تعرف بعيون « أشقار « (ومعناه سود) وتقع هذه الأنهر في خندق بعيد الغور متناهي البعد، قد عٌقد في أسفله قنطرة على أربع حنايا، ثم بنى عليها قنطرة ثانية، ثم ثالثة «.   كما جاء في مخطوط للمؤرخ محمد المهدي شغيب، ما يلي في وصف قسنطينة      «هذه المدينة التي تلوثت مياه أنهارها واختفت الكثير من عيونها الجارية في المدينة القديمة، وبقي منها ما لا يتجاوز عدد أصابع  اليد الواحدة، أربعة في نهج ملاح سليمان الذي يتوسط السويقة، والخامسة وسط ساحة سيدي جليس، كانت مقصدا و مورد ماء للزوار والسكان الذين كانت بيوتهم القديمة تتوفر على ما يعرف « بالماجن»، هذه العيون المتدفقة بالماء الصافي المنعش،و  لم يتم التفكير في توسيعها إلى شوارع المدينة الحديثة « .
 و الواقع اليوم هو أن بلدية قسنطينة لم تراع فعليا ضرورة  إنشاء حنفيات عمومية جديدة خلال إعدادها لمخططات التهيئة العامة التي اخضع لها وسط المدينة و تحديدا ساحة دنيا الطرائف، التي أنشأت  على مستواها مصاب اصطناعية للماء ونافورات تحولت إلى مقصد لسكان المدينة مساءرغم كونها غير صالحة للاستعمال أو الشرب، ليبقى التركيز منصبا على عين حديقة بن ناصر التي تشهد ازدحاما منقطع النظير هذه الأيام، بعد أن  تم تسجيل عجز في تسويق عبوات المياه المعدنية الباردة وتحولت إلى تجارة جد رائجة مع رفع سعر القارورة إلى 40 دج، عوض 25دج سعرها الرسمي، و30 دج الذي أصبح شبه رسمي، على الرغم من تنوع العلامات وكثرتها، حيث أصبح لكل ولاية ماؤها.
وقد لفت انتباهنا تحول أكشاك بيع الأقلام والرسائل إلى عرض وتسويق هذه العبوات، كما هو الشأن في شارع 19 جوان الذي تحولت كل محلاته إلى بازارات للألبسة ولم يجد زواره الكثر ما يغطي طلبهم ويشفي غليلهم. وبالموازاة مع ذلك برزت إلى السطح ظاهرة عبوات الماء الكبيرة التي تطوع سكان وتجار بوضعها في خدمة المارة في الكثير من الشوارع و عند مداخل بعض المساجد، والتي أصبحت بديلا للحنفيات العمومية، على الرغم من نقلها للجراثيم والأمراض نظرا لكثرة التداول عليها من قبل المارة الذين يجبرون على استخدام كأس بلاستيكية واحدة للشرب مع أن هذه الكؤوس مصنعة للاستخدام مرة واحدة.
و بهذا  الخصوص أوضح مصدر من مكتب النظافة ببلدية عين عبيد، بأن مثل هذه المياه تعتبر مصدرا للعدوى و سبيلا لتنقل بعض الأمراض الناجمة عن الاستعمال المتعدد لنفس الكأس، وأضاف بأن الكؤوس البلاستيكية المستخدمة للشرب و التي يتم ربطها عادة بخيوط لكي لا تضيع هي أقداح لا تغسل ولا تنظف دوريا ما يضاعف خطورة استخدامها، حيث يرى بأن الحل  يكمن في توسيع شبكة الحنفيات العمومية في مختلف الأحياء و بالأخص في وسط مدينة قسنطية.
 بدوره أشار مصدر من مؤسسة توزيع الماء سياكو، بأن قضية الحنفيات العمومية تعد من صلاحيات المصالح التقنية البلدية، وهذه المرافق تكون عادة امتدادا لشبكة التوزيع الرئيسية.
ص/ رضوان

الرجوع إلى الأعلى