«بوغنجة»عادة قديمة لاستجداء المطر بأرياف قسنطينة
تعتبر «بوغنجة» عادة قديمة وأسطورة متجذرة في التراث الجزائري، كان يلجأ إليها سكان أرياف ولاية قسنطينة، لاستجداء المطر في مواسم القحط و الجفاف التي يجف فيها الزرع والضرع،  ما يجعلهم يطلبون الاستسقاء بمختلف الطرق، منها الزردة والنشرة والنفقة، وكذا «بوغنجة»، وهي طقوس ورثوها عن أسلافهم، و كلها متعلقة بالفلاحة.
«بوغنجة»، كما قال عمي السعيد شعبي، أحد شيوخ منطقة عين عبيد التي تشتهر بأراضيها الخصبة و إنتاجها الوفير، عادة قديمة لم يعد لها وجود الآن، مارسها قدماء المنطقة في مواسم الجفاف، لاستجداء سقوط المطر بالاعتماد على نيتهم الخالصة في الدعاء، طلبا للغيث، و تم تحديد يوم بعينه لذات المناسبة التي تبدأ بصنع  «مغراف» أو «غراف» وهو ملعقة كبيرة يحشى تجويفها بالصوف و تربط بقطعة قماش بيضاء يرسم عليها ملامح وجه، و يربط به بشكل عمودي عود قصب، ثم يتم إلباس فستان لها و يوضع لها شعر ملون من الصوف المغزول، ويحملها أحد المنظمين لهذا الطقس، و ترافقه مجموعة من النساء المتقدمات في السن ورجال ، ويطوفون بدمية بوغنجة  على مختلف المناطق السكانية، مرددين  «بوغنجة حرك راسك يا ربي تروي ناسك».
بعد ذلك يتم رش المنظمين بدلاء الماء، فتبلل ثيابهم، معتقدين أن ذلك إيذانا بتساقط أمطار، ترشهم بمائها، كما رشوهم ، و أثناء ذلك يقدم لهم السكان كميات من دقيق القمح الصلب أي السميد و السمن أو الزبدة النقية المصفاة، وكذا بعض القطع النقدية، كل حسب ما توفر لديه، فيما يعدهم آخرون برؤوس من الجديان يوم إقامة الزردة، أو قصاع الكسكسي، أو الشخشوخة التي تحضر بما تم جمعه من السميد، بعد أن يطوفوا مداشر عديدة خلال بضعة أيام.
الزردة مناسبة للتضامن مع الفقراء و الدعاء
و في اليوم المحدد لتنظيم الزردة ، يقول عمي السعيد،  يتم تحضير  الطعام في الساعات الأولى من الصباح، و يتم الأكل بالأيادي و يمنع استعمال الملاعق، حيث كان كل منظم  « شاوش»، يضع قطع اللحم  في كيس يعلقه في رقبته أو في كيس على ظهر حصانه ليوزعها على السكان.بعد الانتهاء من الطعام يتضرع الجميع بالدعاء بنية خالصة، لله بأن يغيثهم بعد أن أغاثوا الفقراء بطعام من النادر أن يتوفر لديهم خارج موسم الأعياد، فيكون الدعاء خالصا وبنية لا يشوبها رياء، فحياتهم معلقة بما تجود به الأرض بعد أن تغيثها السماء، و يتفرق الجمع فيسقط المطر ويحيي الزرع والضرع.و أكد عمي السعيد، أن هذه الطقوس يرى البعض أنها شرك بالله، لكن نية المنظمين وصفاء سريرتهم، تجعل دعاءهم مستجابا، و أضاف بأن بعض الميسورين، وفي مثل هذه الظروف يقدمون رؤوس أغنام و يدّعون أنها « نفقة «لكنها بمقابل مادي، و يحددون لها سعرا مرتفعا، حتى يحجم المشتركون على طلب أكثر من حصة ، وبعد توزيعها يسرّ إليهم بأنها صدقة ويطلب منهم الدعاء بسقوط المطر والبعض الآخر يشتركون في شراء جدي أو خروف، ويقدمونه صدقة وطعاما للفقراء، وكلها بنية التقرب لله طلبا للغوث.و أوضح المتحدث بأن الناس كانت لهم معتقدات كثيرة قديما يلجئون إليها عندما تقهرهم الطبيعة و الظروف المناخية، ففي المواسم التي تحل فيها رياح «الشيلي» الحارة فتخنق أنفاسهم، يختار أهل المنطقة الابن البكر لإحدى العائلات،  فيلقي بعشب « الفليو» في بئر، فيتغير الجو ويحل محله نسيم  «البحري» وتعتدل درجة الحرارة، كما يعتقدون.
القصب لذوبان الثلج و تحسن الطقس
وحينما تتراكم الثلوج في الشتاء، تقوم بعض النساء المسنات بأخذ حزمة من عيدان القصب المتساوية الطول، ثم يطلق على كل قصبة منها اسم وليّ صالح، سيدي فلان وعلان، ثم تربط بخيط، و يقال لها بصريح العبارة إذا لم يتغير الجو وتطل الشمس، فستظلون أيها الأولياء الصالحين محبوسين في مطبخ وسط بقايا النار والدخان والرماد، فيتحسن الطقس، يقول محدثنا، وتخرج العجوز التي قامت بتعويذة عيدان القصب من الظلام إلى الشمس، وتنثر العيدان  في الروابي العالية.
هناك عادات كثيرة، أضاف المتحدث، كان الاعتقاد السائد بأنها عندما تمارس يتحقق المبتغى ، لكن كل ذلك أصبح خرافات التي لن يصدقها اليوم أحد، و من يقوم بها سيكون موضع سخرية واتهام بالجهل في عصر الأقمار الصناعية والعلم، لكن بالموازاة مع ذلك،  كما أكد عمي السعيد ،  رفعت البركة في عصر لم يعد المرء يحصل على كمشة قمح، دون مقابل، و لو لإعداد كمية من «البسيسة»التقليدية.  
ص/ رضوان 

الرجوع إلى الأعلى