متقاعـــدون يتطوعــون لخدمــة مؤسساتهـــم
لم تنه الكثير من المؤسسات والإدارات على اختلاف مهامها ، علاقات العمل مع موظفيها ممن تقاعدوا ، بعد أن اكتسبوا خبرة  وتحكموا في ملفات أداروها لسنوات جد طويلة ، وذلك بالاتصال بهم من حين لآخر للاستفسار عن مكان وجود ملف أو طريقة إعداد آخر ، وكذا عن قضايا إدارية كانت مطروحة قبل سنوات ، إضافة إلى استشارتهم في طريقة التحكم في برامج معلوماتية ،  وهذا جراء عدم تحكم من خلفوهم في ذات التقنيات ممن كانوا يرفضون ، أن تنقل إليهم الخبرة لأنها ليست من مهامهم ، دون التفكير في أن ذات المهام قد يكلفون بها يوما.
أجمع بعض من تحدثنا إليهم من المتقاعدين ، سواء تقاعدا مسبقا أو تاما ، بأن المؤسسات التي قضوا فيها سنوات خدمتهم ، لم تقطع علاقاتها بهم ، على الرغم انتهائها رسميا وقانونيا ،و لا يزال زملاؤهم يتصلون بهم بين الحين والآخر ،بعد مرور عدة سنوات على تركهم مناصب عملهم ، للاستنجاد بهم في إدارة بعض الملفات ، أو اصلاح عتاد أو طريقة معالجة قضايا إدارية لم يفلح من خلفوهم ، في التحكم فيها وكذا مصير ملفات أخرى ، و  بحكم علاقاتهم الطيبة مع مسؤوليهم ، وزملائهم السابقين لا يرفضون تقديم مساعدتهم متى رن هاتفهم ، على الرغم من تقاعدهم منذ سنوات ،وهذا ما حدثنا عنه أحدهم حينما رن هاتفه وهو في مقهى ، يطلب منه محدثه على الجهة الأخرى من الخط ، استشارة في طريقة إعادة ملف إداري وخطوات التعامل مع البنك والمتعامل ، وهو ما جعلنا نبحث في القضية على مستوى مؤسسات وإدارات أخرى.
بهذا الصدد أوضح محدثنا الذي حاز على خبرة كبيرة ، في إدارة ملفات تخص معاملات بنكية وطرق إعداد وثائق المتعاملين أثناء مساره المهني الذي دام أكثر من 40 سنة خدمة فعلية ، وتقاعد إجباريا  بحكم السن ، أنه منذ خروجه من الخدمة قبل عامين، مازال هاتفه يرن على الدوام لطلب رأي أو مشورة في قضية ما ، وطريقة التعامل القانوني مع طالب الخدمة  وتضطره بعض الصعوبات المطروحة على من خلفوه إلى التنقل إلى الإدارة وارشادهم إلى مكان ملف أو وثائق مازالت محل نزاع ، ورد سبب ذلك إلى رفض الكثير من الشباب نقل الخبرة بحجج كثيرة.
 كمال موظف سابق في مؤسسة تربوية ، أشرف على وثائق إدارة ملفات التلاميذ لسنوات طويلة ، وعمل على رقمنتها ومعالجة كل وثائقها  ، و كان رقم واحد في مؤسسته في القيام بعمل منظم ونظيف يشهد به الجميع ، وعندما  اختار التقاعد بعد 32 سنة خدمة وفق ما ينص عليه  قانون ، عجز من خلفوه على التحكم في تقنيات إدارة ذات الملفات والوثائق وطبعها وادخال المعلومات ، ونسخ كشوفات نقاط التلاميذ ، فاضطر بحكم الزمالة إلى قضاء وقت طويل ليلا، لنقل خبرته  إليهم ، وهذا على مدار عامين ، وقد زهدوا فيها قبل ذلك خلال سنوات وجوده في المؤسسة.
التقينا أيضا بعامل متعدد الاختصاصات ، يحوز خبرة 30 سنة و فضل التقاعد النسبي ، مع شرط السن 50 سنة ، ولأنه الوحيد في المؤسسة التربوية التي كان يعمل بها الذي يعرف مواطن وأسباب الأعطال التي تسجل بين الحين والآخر في أجهزة التدفئة ، وبإلحاح من مديره السابق ورأفة بالتلاميذ في فصل الشتاء ، قضى سهرات طويلة في اصلاح ذات الاجهزة من أجل رد حرارة الدفء لحجرات التدريس يقول محدثنا الذي أصبح يشغل منصب آخر في مؤسسة اقتصادية.
وقد علمنا أن الكثير من المؤسسات الاقتصادية والخدماتية ، قررت الاحتفاظ بعمالها السابقين بعد تقاعدهم ، للاستفادة من خبرتهم بصيغة تعاقدية ، رفعا للحرج في حال الحاجة إلى خدماتهم.                                       
ص.رضوان

الرجوع إلى الأعلى