غرباء يبنون عشرات الأكواخ القصديرية بوادي الحد
يشهد حي جاب الله المترامي على أطراف منطقة وادي الحد بقسنطينة في الآونة الأخيرة، عودة كبيرة لعشرات الأكواخ القصديرية، التي أنشأها غرباء عن المكان في مواقع بيوت الصفيح التي رحل قاطنوها منذ سنوات دون أن تهدم بشكل كلي، ما نتج عنه حياة امتزج فيها منظر الردوم و الإسطبلات بروائح القمامة و المواشي.
و لاحظنا في بداية جولتنا بالجزء العلوي من الحي، عددا كبيرا من الأكواخ التي تم بناؤها مؤخرا، بحيث لا زالت تبدوا على جدرانها آثار الاسمنت، فضلا عن أن الطوب المستعمل في إنجازها لا يزال محافظا على لونه الفاتح، كما وجدنا بعض الشباب يقومون ببناء كوخ جديد على مستوى الجزء الثاني من الحي، الذي يطلق عليه السكان تسمية جاب الله 2، مستخدمين نفس المواد التي لاحظناها على الأكواخ الجديدة، حيث أخبرنا مرافقونا من قاطني حي “إي” بوادي الحد، بأنهم من جيرانهم، الذين استغلوا فرصة شغور المكان من أجل إعادة إنجاز أكواخ جديدة، موضحين بأن المشكلة بدأت بالظهور مباشرة بعد ترحيل قاطني الأكواخ الفوضوية منذ سنوات، ما رفع عدد قاطنيها في الوقت الحالي إلى حوالي 300، بعدما لم يكن يتجاوز حوالي 70 عائلة من أصحاب الطعون و المتزوجين الجدد يوم الترحيل، في حين فضل بعض القاطنين استغلال الأكواخ القديمة المتروكة في حالة جيدة.
و لجأ بعض سكان البنايات المقابلة للأكواخ الفوضوية، إلى إنشاء إحاطة حول الأجزاء الواقعة بالقرب من منازلهم و تحويلها إلى حدائق صغيرة زرعوا فيها بعض الشجيرات و النباتات، على غرار البصل، حيث أكدوا لنا بأن الغاية الحقيقية مما قاموا به تتمثل في منع القادمين إلى المكان من إنشاء أكواخ فوضوية بالقرب من منازلهم، خصوصا خلال الفترة الأخيرة، التي تزايدت فيها أعدادهم حسب محدثينا، بعد إعلان السلطات المحلية برمجة توزيع السكنات الاجتماعية لفائدة آلاف العائلات خلال فصل الصيف، و التي لا تشمل فئة قاطني البيوت القصديرية، كما أشار السكان إلى أن عودة ظهور الأكواخ بالمواقع التي رحل عنها السكان بواد الحد، لا تقتصر على حي جاب الله فقط و إنما تظهر بمختلف أرجائه، على غرار حي بن شهرين و حي شعباني، كما تظهر بضفتي الوادي.
و اتهم السكان مصالح البلدية بعدم القيام بدورها بشكل جيد في عملية التهديم التي أعقبت الترحيل المنظم سنة 2011، حيث أوضحوا لنا بأن مصالح البلدية كانت تقوم بنزع السقف المصنوع من مادة الزنك مع تهديم جزء صغير فقط من الأكواخ، ما سمح للغرباء بالعودة مجددا لاحتلال مكان العائلات التي تم ترحيلها، مشيرين إلى أن بعض القاطنين الحاليين بالأكواخ، قدموا من أماكن أخرى و لا يمتون بصلة للحي، حتى أن “منهم من يتحدثون بلهجة تختلف عن لهجة مدينة قسنطينة”، في حين تحولت الأكواخ الواقعة على أطراف حي جاب الله إلى أوكار للممارسات المشبوهة، لدرجة أن سكان البنايات الواقعة بحي “إي” المقابل لها، باتوا يخشون المرور بها ليلا حسب ما أكدوه لنا، فضلا عن أن بعض المنحرفين الذين انتقلوا إلى علي منجلي، لا زالوا يلجأون إليها في بعض الأحيان للمبيت ليلا، حسبهم.
و اشتكى السكان أيضا من تحول حيهم إلى مفرغة للردوم، بعد أن أصبح غرباء من مختلف الأماكن يقصدون موقع الأكواخ المهدمة لتفريغ مخلفات أشغال البناء الناجمة عن بعض الورشات، كما عبروا عن استيائهم من الانتشار الكبير للقمامة و الأوساخ، حيث قال محدثونا الذين رافقونا في جولتنا، بأن “الوضع لا يطاق مع ارتفاع درجات الحرارة، خصوصا خلال فصل الصيف”، أين يتكاثر، حسبهم، البعوض و الحشرات نتيجة تواجد الإسطبلات بالحي، فضلا عن تسربات المياه المتواصلة طيلة السنة تقريبا، كما لاحظنا تواجدا كبيرا للمواشي، إلى درجة أن من يدخل المكان يشعر أنه في قرية رغم أنه لا يبعد عن التجمعات العمرانية إلا بعدة أمتار، حيث أكد لنا السكان بأن ملكية بعض الإسطبلات تعود للوافدين الجدد على الأكواخ الفوضوية، في حين يمتلك الأخرى أشخاص قاموا ببنائها بعدما لم يستفيدوا من عملية الترحيل السابقة، حتى أن بعضها مشيد بمحاذاة أكواخ يقطنها مواطنون، بينما اختار آخرون إنشاءها باستعمال بعض الصفائح المعدنية بمحاذاة الوادي.
وأكد لنا البعض من قاطني الأكواخ الفوضوية بالحي، بأن الحاجة دفعتهم إلى اتخاذها منازل لهم، بعد أن “أقصيوا” من عملية الترحيل السابقة، حيث أخبرنا أحد المعنيين بالمشكلة بأنه ينتمي لفئة المتزوجين الجدد، و لم يتخذ جميع الإجراءات الخاصة بالترحيل سابقا ما حرمه من الاستفادة من العملية، كما أشار آخرون إلى وجود بعض الحالات الاجتماعية القاهرة بين المقيمين بالأكواخ، على غرار سيدة توفي زوجها و ترك لها ولدين، دون أن يتمكن من الحصول على منزل لائق، ما جعلها سجينة لكوخ لم تجد غيره مأوى لها.
و شدد محدثونا من سكان حي “إي” على أنهم قاموا بمراسلة مختلف السلطات المحلية عدة مرات من أجل وضع حد للمشكلة التي استفحلت بشكل كبير، مطالبين الجهات المعنية بتحويل المساحة الواقعة بالجهة الخلفية لحيهم إلى ملعب جواري أو فضاء لعب لأبنائهم، الذين باتوا يخشون عليهم من مخاطر اللهو بالقرب من الأكواخ، خصوصا خلال ساعات المساء، بالإضافة إلى خطر إصابتهم بجروح بسبب مخلفات البناء، على غرار المسامير و البقايا المعدنية الحادة، التي أصابتنا إحداها خلال تواجدنا بالموقع.
و كانت بلدية قسنطينة قد اتخذت جملة من الإجراءات الجديدة خلال عمليات الترحيل التي نظمت خلال صيف السنة الماضية، حيث أصبحت المصالح التقنية تقوم بهدم كلي للأكواخ الفوضوية مباشرة بعد خروج العائلات منها، و يهدف الإجراء لمنع ظهور قاطنين جدد بها، كما لجأت ذات المصالح إلى القوة العمومية خلال نفس السنة، بعد قيام البعض بمحاولات لاحتلال أكواخ رحل قاطنوها على مستوى حي “فلاحي” القريب بالزيادية، أين استلزم الأمر عمليات تهديم متعاقبة، لم تستثن إلا أصحاب الطعون من المتزوجين الجدد، الذين عبروا عن استيائهم من محتلي الأكواخ، لما قد يسببونه من مشاكل. ولم نتمكن من الحصول على مزيد من التوضيحات من رئيس بلدية قسنطينة حول المشكلة بسبب تعذر الاتصال به.
سامي /ح

الرجوع إلى الأعلى