13 ضريحا لشيوخ قسنطينة مطمورة تحت الأنقاض بحي البطحة
خلف الجامع الكبير بحي البطحة بقسنطينة القديمة، يوجد موروث حضاري ضاع في غياهب الإهمال و الزمن، و  طمرته الردوم وأنقاض المنازل  المنهارة، يتعلق الأمر بـ 13 ضريحا لمشايخ و علماء مفسرين للقرآن و فقهاء من شيوخ عائلة بن الشيخ لفكون، اشتهروا في القرن 16 ميلادي على الصعيد العربي بعلمهم، و لا يزال إلى غاية اليوم الكثير من الطلبة من جامعات عربية يقصدون قسنطينة  بحثا عن مؤلفاتهم، التي نجا بعضها بعد انهيار منزلهم وزاويتهم المذكورة و سرق بعضها الآخر، بينما دفن ما بقي مع قبورهم وأصبح نسيا منسيا.
أنانية الأحياء دفنت تاريخ الأموات
هذا الموروث الذي يؤرخ لتاريخ الحركة الفكرية و الدينية في قسنطينة، مهمل تحت الردوم منذ سبعينيات القرن الماضي، أي بعدما قررت السلطات المحلية غلق المنزل الموجود على حدود شارع سيدي مدين و الذي تحيط به منازل آهلة بالسكان، نظرا للانهيارات التي طالته نتيجة  عمليات التخريب المتعمدة من قبل بعض من سكنوه، بهدف الترحيل و الحصول على سكنات جديدة وهو ما تم بالفعل، لكن وضعية المنزل و الأضرحة، تأزمت أكثر بسبب عوامل الزمن، و كذا إهمال ملاك المكان الأصليين من عائلة لفكون، ما أدى إلى انهياره بشكل كلي، لتطمر معه القبور و تضيع قصة مشايخ الإسلام القسنطينيين الثلاثة عشر إلى الأبد.
 في سنة 2015 و تحديدا خلال التحضيرات الخاصة بتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، تم إدراج المنزل المعروف اليوم ب» زاوية المشايخ» ، ضمن برنامج الترميمات الخاص بالقطاع الحضري القديم، وهو ما سمح بانتشال ذكرى المكان من نفق النسيان الجماعي، لكن الوضعية الكارثية التي آلت إليها الزاوية والتي وقفت عليها النصر، جعلت المهمة صعبة.
 المكان مدمر بصورة كلية لدرجة يعجز معها تصور معالم المنزل، أو حتى تحديد أي جزء من أجزائه، وقد حاولنا التوغل إلى داخله لكننا عجزنا بسبب الردوم، فاضطررنا للاعتماد على سطح معهد القراءات الخاص بالشيخ عبد الحميد بن باديس، لنتمكن من تحديد موقع الزاوية ونلتقط صورا لوضعيتها.
حسب نبيل قحام، مسؤول مكتب الدراسات المكلف بعملية ترميم و إعادة تأهيل» زاوية مشايخ بن الشيخ لفكون»، فإن الأمر يتعلق بأضرحة أئمة تعاقبوا على إمامة المسجد الكبير، لذلك كان المنزل يتوفر على ممرات تحت أرضية، تربط الزاوية مباشرة بالمسجد وهي ممرات يمكن إعادة فتحها في حال أتمت عملية الترميم، التي قال بأنها يفترض أن تتم على مرحلتين تقتضي المرحلة الأولى، حسبه، نبش المكان، بحثا عن ما بقي صامدا من الأضرحة و نقلها إلى مكان آخر، من أجل إعادة هيكلة المنزل و من ثم تحويله إلى معلم حضاري و تاريخي، إكراما و تقديرا لمن سكنوه.
 المهندس أوضح أيضا، بأن العملية كانت مبرمجة لتتم بالتنسيق مع شركة المقاولات التركية المسؤولة عن ترميم شارع ربعين شريف، أما ضبط مخطط البناء ، فسيتم الاعتماد فيه على ذاكرة شيخ كان يعرف المنزل و يتذكر بعض تفاصيله، و ذلك حفاظا على خصوصية المكان، لكن المشروع لا يزال متأخرا إلى غاية الآن بسبب عراقيل إدارية.

«ناس البطحة» و مسعى  لاسترجاع جزء من الذاكرة
أسماء هؤلاء المشايخ ذكرت في كتب ومؤلفات عديدة، على غرار « كنز الرواة و تاريخ الجزائر العام، لعبد الرحمن بن محمّد الجيلالي» ،  «فهرس الفهارس و الأثبات ومعجم المعاجم و المشيخات والمسلسلات، لمحمد عبد الحَيّ «، «معجم أعلام الجزائر»،  «رحلة الشتاء والصيف»، لمحمّد بن عبد الله بن محمّد و «الرحلة المغربية» لمحمد العبدري البلنسي. و اليوم يعد تاريخهم و مؤلفاتهم موضوعا خاصا بمذكرات تخرج عدد من طلبة قسم التاريخ بجامعة قسنطينة، كما أن هذه الكتب و المؤلفات مطلوبة أيضا من قبل طلبة عرب، أكد لنا محمد صابر بن شيخ لفكون، حفيد المشايخ و عضو مؤسس لجمعية « ناس البطحة»، بأنهم يقصدون قسنطينة من حين إلى آخر، بحثا عن أحد مؤلفات المشايخ، في مجالات التفسير و الفقه و القضاء.
وقد أعدت الجمعية التي تأسست سنة 2012 عملا تأريخيا، بالتنسيق مع الباحث و المهندس الراحل  عبد العزيز بجاجة، ذكرت فيه أسماء المشايخ 13 الذين عاشوا بين القرن 16 حتى نهاية القرن 18، و من بينهم شيخ الإسلام عبد الكريم بن الشيخ لفكون، وهو صاحب كتاب « منشور الهداية» الذي أعاد نشره الأستاذ أبو القاسم سعد الله، إضافة إلى محمد  أحمد لفكون،  عبد الكريم لفكون، بدر الدين لفكون،، نور الدين لفكون، زين العابدين لفكون، محمد صغير لفكون، عمار لفكون المعروف ب» السيد»، محمد الشريف لفكون، علي لفكون، المعروف بسي الطاهر و  محمد زاوي لفكون، . وقد تم الاعتماد في جرد أسماء المدفونين في الزاوية على عمل تأريخي للباحث الفرنسي غوستاف ميرسي أنجزه سنة 1902.
 اليوم يسعى مؤسسو جمعية ناس البطحة و أغلبهم من أحفاد المشايخ، إلى إحياء ذكرى أجدادهم و تكريمهم من خلال العمل، بالتنسيق مع الجهة المشرفة على ترميم الزاوية، على تحويلها بعد الترميم و التهيئة، إلى مركز حضاري، ولما لا معلم تاريخي، يؤرخ لجانب من جوانب مسار الفكر الإسلامي في قسنطينة.
حسب محمد صابر لفكون، فإن احدث ضريح موجود في الزاوية، يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، أما ما عثرت عليه العائلة من موروث هؤلاء العلماء، فهو عبارة عن 12 مخطوطا من أصل قرابة  4 آلاف مخطوط في الدين و التفاسير، تركها الشيوخ، بينما ضاع الباقي بعد الاستقلال خلال محاولة نهبه من قبل فرنسا أثناء مغادرتها الجزائر، كما يوجد عدد من المخطوطات على مستوى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، كما أكد.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى