الاستخبارات المركزية الأمريكية اعتمدت على مواضيع نشرت في النصر في تقاريرها عن الجزائر
تكشف وثائق الاستخبارات المركزية الأمريكية التي وضعتها الوكالة مع بداية العام الجاري، تحت تصرف المهتمين بها على موقعها الالكتروني بعد إعادة تصنيفها، عن مجموعة من المواضيع الصحفية المنشورة بجريدة النصر خلال ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، حيث سجلت الوكالة أهم المقالات والمواضيع التي تتحدث في مجملها عن الجوانب التعليمية والثقافية والاقتصادية وقدرات الحماية المدنية في ولاية قسنطينة والشرق الجزائري، الذي كان يشهد حركية خاصة في السنوات الأولى لمرحلة ما بعد الاستقلال، خصوصا على المستوى الصناعي، أين افتتحت العديد من المصانع والهياكل الجديدة.
إعداد: سامي حباطي
وقد جاء ذكر المقالات الصادرة في جريدة النصر في ثلاث مجموعات مختلفة، إلى جانب عدد آخر من المواضيع في جرائد عربية وأجنبية من دول العالم الثالث، لكن الوكالة سجلت أيضا، بحسب ما ورد في الأرشيف المفتوح، مواضيع أخرى حول الجزائر صدرت في جرائد وطنية أخرى على غرار المجاهد، ومنها ما يتعلق بالأخبار السياسية وغيرها، في حين يذكر بأن اسي.آي.أي نشرت على موقعها حوالي 13 مليون صفحة من الوثائق التي لم يكن الوصول إليها متاحا قبل ذلك إلا عبر أجهزة الكمبيوتر الخاصة بإدارة الأرشيف والوثائق الوطنية.
الاستخبارات الأمريكية تابعت الوضع الثقافي للجزائر المستقلة
ويرد ضمن قائمة مواضيع جريدة النصر المسجلة في الوثائق السرية للاستخبارات المركزية الأمريكية، تحقيق حول مشاكل الكتب بمدينة قسنطينة من إعداد الكاتب الصحفي بوبكر حميدشي، حيث نشر في ما يقارب ثلث مساحة الصفحة الثالثة من عدد يوم 18 أكتوبر لسنة 1968 باللغة الفرنسية، تحت عنوان «كتب وأصحاب مكتبات، مشكلة ذات بعدين»، لكن يُلاحظ بأن الاستخبارات الأمريكية غيرت العنوان في الوثيقة التي سجل فيها الموضوع، فقد جاء فيها باللغة الانجليزية «المبيعات العمومية والخاصة للكتب في الجزائر».وينتقد الصحفي في المقال المذكور عدم كفاءة أصحاب متاجر بيع الكتب بقسنطينة آنذاك، كما ينقل في المقال تصريح أحد المثقفين الذي أخبره بأن «بائع الكتب في مدينة قسنطينة لا يختلف عن البقال»، بعد أن قارنهم مع نظرائهم المتواجدين بالجزائر العاصمة، حيث يؤكد الصحفي بأن التحقيق الذي قام به لم ينبثق من رسالة أحد القراء أو بمقترح من أحد  المسؤولين، وإنما «من كلام متعطش لغذاء الروح»، على حد تعبيره. كما تحدث أيضا عن غلاء أسعار الكتب بالنسبة للطلبة والراغبين في اقتنائها بالإضافة إلى ندرة بعض العناوين المهمة، مشيرا إلى مشاكل التوزيع وغيرها من العراقيل التي تعيق وصول المُؤلفات إلى القراء.
ويظهر أيضا في الوثائق السرية التي أماطت الوكالة اللثام عنها، حوار نشر في النصر بتاريخ 12 سبتمبر من سنة 1968، وورد مسجلا تحت عنوان «المسؤولون راضون عن وضعية المدارس بقسنطينة»، وهو من المواضيع النادرة التي تحمل توقيع الصحفي الذي قام بها، حيث أجرى الحوار الصحفي «ز-صالح»، وقد بحثنا عن الموضوع المذكور في أرشيف الجريدة ووجدنا بأنه نشر تحت عنوان خبري جاء فيه «نسبة التمدرس بلغت سبعين بالمائة في ولاية قسنطينة»، وهو عبارة عن حوار مع مفتش من أكاديمية التعليم بقسنطينة، التي تعادل إلى حد ما، ما يسمى اليوم بمديرية التربية، لكن تجب الإشارة إلى أن الحدود الإدارية لولاية قسنطينة، كانت أكبر مما هي عليه اليوم بتاريخ كتابة الموضوع، حيث كانت الأكاديمية تشرف إداريا على بعض المناطق المجاورة، التي صارت اليوم ولايات.

وتحدث المفتش في الحوار المذكور عن رضا المسؤولين عن الموسم الدراسي للسنة السابقة، وأشار إلى أن عدد التلاميذ بقسنطينة بلغ آنذاك ما يقارب مائتي ألف، كما تطرق، مجيبا على أحد الأسئلة، إلى موضوع المرافق المدرسية الجديدة التي أنجزت خلال حوالي 7 سنوات منذ استقلال الجزائر، فضلا عن حديثه عن المنشآت التعليمية الجديدة الجاري إنجازها في سنة 1968، وعن تسجيل تقدم جيد في عملية التعريب في المؤسسات التعليمية المعربة، على غرار ثانوية ابن باديس بقسنطينة، التي حققت نتائج جيدة في البكالوريا باللغة العربية آنذاك، كما قال المفتش إنه يتوقع تقدما في القطاع التعليمي.
المواضيع الاقتصادية تحوز القدر الأكبر من الاهتمام
ورغم أن الاستخبارات الأمريكية تابعت مواضيع صحفية متنوعة حول الشرق الجزائري، بحسب ما ورد في ما كشفت عنه من وثائق، إلا أن الأخبار الاقتصادية تصدرت القائمة من حيث العدد، حيث سُجلت مجموعة كبيرة من المقالات التي تحدثت فيها الجريدة عن القدرات الاقتصادية لولايات الشرق، على غرار أحد المقالات التي نشرت في النصر يوم 6 ماي 1965، تحت عنوان «نشاطات غرفة التجارة والصناعة لسكيكدة»، وتم فيه التطرق إلى حصيلة الغرفة خلال الثلاثي الأول من السنة المذكورة، فضلا عن الميزانية المرصودة لذلك العام، بالإضافة إلى بعض النقاط الاقتصادية والتجارية الأخرى التي شملها الموضوع الوارد في وثائق السي.آي.أي تحت عنوان «تطوير نشاطات التجارة والصناعة من طرف غرفة التجارة لسكيكدة»، وقد وضعت في الأسفل إشارة تُصنف المقال في خانة الأخبار الاقتصادية. كما سُجل في الوثيقة أيضا موضوع نُشر في الصفحة الثانية من عدد النصر ليوم الثاني من مارس 1965، تحت عنوان «التصنيع في الشرق الجزائري»، وقد وجدنا بأنه حوار مطول مع المدير الجهوي للصناعة بقسنطينة آنذاك، الشريف بن مقدم، الذي تحدث من خلال إجاباته على أسئلة الصحفي المحاور له، عن تاريخ إنشاء المديرية سنة 1964، والنشاطات التي تقوم بها، فضلا عن تطرق المسؤول إلى العوائق الكثيرة التي كانت تعرقل حركة الصناعة في بداياتها، على غرار ضعف المستوى التعليمي للعمال ومدى إشراك الخواص في عملية الإنتاج العمومية، التي كانت تسلك النهج الاشتراكي.

وتابعت وكالة الاستخبارات المركزية أيضا، سلسلة روبورتاجات نشرت في أربعة أعداد متتالية بجريدة النصر، أيام 13 و14 و15 و19 مارس من سنة 1968، وتتحدث جميعها عن مركب الحجار للحديد والصلب بعنابة، الذي راهنت عليه الجزائر كثيرا من أجل الرفع من مستوى الاقتصاد الوطني، حيث اختار فريق التحرير آنذاك لأحد المواضيع الواردة في السلسة جملة مقتبسة للرئيس الراحل هواري بومدين، يقول فيها «إن مركب الحديد والصلب مشروع هام سيدخل الجزائر إلى العهد الصناعي»، كما نقل صحفيو النصر في المواضيع الأربعة، التي خصصت لها صفحات بكاملها، جميع التفاصيل حول المركب ومختلف الوحدات التابعة له. ولم نتمكن من الإطلاع على بعض المواضيع الوارد ذكرها في الوثائق المنشورة على موقع الوكالة بسبب عدم تمكننا من قراءة ما جاء فيها لعدم وضوح الكتابة، فضلا عن أحد المواضيع الذي لم نجده خلال بحثنا في الأرشيف ربما بسبب تغيير عنوانه، حيث ورد في الوثائق تحت عنوان «هل تضمن الصناعة المنجمية المتزايدة الفائدة؟» ونشر بين الثاني والثالث من شهر جانفي لسنة 1966.
الوكالة سجلت المواضيع الخاصة بالتغطية بالكهرباء
من جهة أخرى، لم تُهمل الوثائق المذكورة أخبار التنمية وتغطية المناطق الريفية بالطاقة الكهربائية، حيث وجدنا فيها موضوعين، جاء أولهما تحت عنوان «تزويد المناطق الريفية بالكهرباء»، وصدر في النصر بتاريخ 6 ديسمبر 1967، وتم التطرق فيه إلى موضوع ربط المناطق الريفية بالطاقة الكهربائية في السنة المذكورة، فيما سجل موضوع آخر تحت عنوان «تقدم عملية الربط بالكهرباء في الشرق الجزائري»، وصدر على جزئين الأول يوم 19 نوفمبر 1968، والثاني في العدد  الموالي له، وصنف تحت خانة «العلوم والطاقة» وفيه يتحدث المدير العام لما كان يعرف آنذاك بالجزائرية للغاز والكهرباء في حوار «حصري» للنصر، نشر في اليومية تحت عنوان «100 قرية ستربط بالكهرباء قريبا في الشرق».

أما المقالات المصنفة ضمن المعلومات العسكرية الخاصة بالجزائر، فلم نجد عناوين مسجلة في الوثائق باستثناء مقال واحد صدر في النصر يوم السبت السابع من شهر ديسمبر من سنة 1967، تحت عنوان «الحماية المدنية في حالة الحرب وتأمين الأشخاص والممتلكات»، في حين عنونت الوكالة المقال بـ» مخططات الجزائر للحماية المدنية في حالة الحرب»، وهو عبارة عن قراءة في القرار والمرسوم الصادرين في الجريدة الرسمية في الخامس ديسمبر من سنة 1967، وفيها شرح لما تقوم به مصالح الحماية المدنية في حال وقوع حرب والإطار القانوني والإداري الذي تنشط فيه، فضلا عن الجهة الوصية على عملها والمسيرة لها وغيرها من المعلومات.                         
س.ح

الرجوع إلى الأعلى