أطفال يتحدون الواقع الاجتماعي و جنون السائقين بابتسامة  
تجدهم على امتداد الطرقات الرئيسية العابرة لولاية قالمة، يحملون أزهار الربيع الجميلة، بحيوية و نشاط، يعرضونها للمارة بأسعار منخفضة، و يقدمونها بالمجان لمن أعجبته أزهار الطبيعة و عجز عن الدفع، إنهم صائدو الأزهار البرية، الذين قرروا التمرد على الواقع الاجتماعي الصعب و مساعدة عائلاتهم على مواجهة تكاليف الحياة اليومية، و توفير المال القليل لشراء أدوات مدرسية، أو حذاء رياضي طال انتظاره.  
يبتسمون في وجه المارة، و كلهم صبر و قناعة، و شكرا للطبيعة التي وهبتهم خيراتها بلا حساب، و بلا حدود، حتى يسترزقون منها ، يختفون أشهرا طويلة ثم يعودون إلى مواقعهم كل ربيع، عندما تنمو الأزهار البرية، و تتحول إلى باقات جميلة تسر الناظرين، و تدفع بهم إلى التوقف هنا و هناك، لشراء خيرات الطبيعة، و الاستمتاع بها، في الرحلة الطويلة باتجاه المنازل أو مواقع العمل.   
و يعد النرجس الأصفر الذي ينمو بين أواخر الشتاء و بداية فصل الربيع بقالمة، من أهم الأزهار البرية التي تباع بكميات كبيرة على الطرقات الكبرى، و حتى بالأسواق و الساحات العامة، فهو ذو رائحة زكية و منظر جميل، و يعد الأكثر طلبا من هواة النباتات و الأزهار البرية، و كل ما تجود به الطبيعة السخية، عبر الفصول الأربعة.  
و يعد هؤلاء الأطفال الصغار بمثابة مروجين فعالين للسياحة الطبيعية بقالمة، فهم يبرزون خيرات المنطقة و جمالها، و يحثون الزوار و السياح على زيارتها و الاستمتاع بها، كلما سمحت لهم الظروف و دفعتهم فوضى المدن و الحياة اليومية للهروب إلى الطبيعة، طلبا للراحة و الهدوء. 
يتمتعون بقدرة عجيبة على جلب الزبائن
و لا تختلف ابتسامة الأطفال باعة الأزهار البرية، عن جمال الورود التي يحملونها، و هم يملكون قدرة عجيبة على جلب الزبائن، و حثهم على شراء باقة أو باقتين من النرجس الجميل، ذي الرائحة الزكية، التي تبقى تعطر أرجاء البيت و السيارة عدة أيام، حيث يتميز النرجس، هذا النوع المميز من الأزهار البرية، بقدرته على مقاومة العطش، و المحافظة على جماله و مكوناته أسبوعا كاملا تقريبا.   
و يعد الطريق الوطني رقم 20 ، في جزئه الرابط بين مجاز عمار و وادي الزناتي، و الوطني 16 ، الرابط بين بوشقوف و سوق أهراس، و الوطني 81 بين وادي الزناتي و عين سلطان بسوق أهراس أيضا، و طرقات ولائية أخرى، من أكثر المواقع استقطابا للأطفال باعة الأزهار البرية، حيث تمر هذه الطرقات وسط أقاليم ينمو فيها النرجس الجميل بكثافة، و يجلب إليه السياح و الأطفال، الذين دخلوا على خط الصراع المرير مع الحياة الصعبة لمساعدة عائلاتهم، و المساهمة في التخفيف من نزيف القدرة الشرائية الذي يلقي بعبء ثقيل على كاهل الكثير من سكان القرى و المشاتي النائية.  
و يواجه باعة الأزهار البرية بقالمة، مخاطر حقيقية على الطرقات الكبيرة، فهم يغامرون بالعبور من جهة، إلى جهة أخرى من الطريق، متحدين حركة المركبات العنيفة التي لا ترحم، و سائقين متهورين لا يعيرون أدنى اهتمام للبراءة و جمال الطبيعة المقدس.  
و قد اكتسب هؤلاء الأطفال خبرة كبيرة في التعامل مع حركة المرور الكثيفة، فهم يعرفون أين يتموقعون و يثيرون اهتمام العابرين، و يعرفون أيضا، متى و كيف يعبرون من جانب على جانب آخر، لبيع النرجس، و قبض مبلغ مالي يعتبرونه ضروريا حتى لا تذهب جهودهم سدى، و لا يشعرون بخيبة أمل في نهاية يوم شاق، لكنه مليء بالسعادة و المغامرة، بين أحضان الطبيعة السخية
و مركبات لا ترحم.                      
فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى