الجمعة 9 ماي 2025 الموافق لـ 11 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

مجازر 8 ماي 1945 : شهود و شواهد على المحرقة الفرنسية بقالمة

تعد مجازر 8 ماي 1945 بسطيف و قالمة و خراطة، و مناطق أخرى من الوطن المحتل، إحدى أبشع المجازر ضد الإنسانية في القرن العشرين، و أكثرها قسوة و دموية، في حق سكان عزل، نال منهم الاستعمار الطويل، بالجوع و التهجير و طمس الهوية، و مصادرة الأراضي، و قتل جماعي بلا محاكمات، بلغ صفة الإبادة (الجينوسايد) من منظور القانون الجنائي الدولي، حسب تصريحات المؤرخين و رجال القانون، الذين تعاقبوا على الملتقى الدولي، الذي دأبت جامعة 8 ماي 1945 بقالمة منذ 17 عاما، على تعميق الأبحاث، و تسليط المزيد من الأضواء، على المأساة الدامية، التي مازالت تنكأ جراح الجزائريين، كلما حلت ذكرى ماي الأسود، التي تبقى في حاجة الى مزيد من البحث، و الدراسة و التحقيقات الجنائية المعتمدة على نص القانون الدولي، و حقوق الإنسان، و على الشهود و الشواهد الحية التي مازالت ماثلة للعيان، بمدن و قرى قالمة، التي صارت اليوم متحفا تاريخيا مفتوحا يروي تفاصيل المجزرة التي لا تسقط بالتقادم.

و على مدى سنوات طويلة دأبت النصر على متابعة هذا الحدث التاريخي، من خلال نقل الشهادات الحية، لمن عايشوا تلك الحقبة الدامية من تاريخ الجزائر، و تغطية الملتقى الدولي حول المجازر، و زيارة مواقع الإبادة الجماعية، التي بقيت إلى اليوم شاهدة على انتفاضة شعب أعزل، يطالب بالحرية و الكرامة الإنسانية، و شاهدة أيضا على جريمة نفذها المعمرون المدعومين من جيش الاحتلال بقواته البرية و الجوية، و حتى البحرية التي روعت سكان القرى و المداشر بجبال الأوراس و البابور، على شاطئ مالبو ببجاية، في عملية إخضاع و إذلال، لا تقل فضاعة و دموية عن أفران الجير و كاف البومية، و الثكنة القديمة بقالمة.
و بالرغم من أن جيل 8 ماي 1945 يكاد ينتهي اليوم، إلا أن تلك الشهادات التي أدلى بها بعض صناع الانتفاضة الخالدة، و شهود على المجزرة، مازالت مرجعا و ذاكرة حية للأجيال القادمة، المطالبة بأن لا تنسى، و تبقى تلاحق المجرمين بموجب القانون الدولي، لإجبارهم على الاعتراف و الاعتذار الصريح و جبر الضحايا. و تعود النصر اليوم إلى مواقع الجريمة، و إلى تلك الشهادات الحية التي حصلت عليها من صناع الملحمة، قبل رحيلهم، تاركين إرثا تاريخيا موثقا، سيبقى مرجعا للباحثين، و المؤرخين و أجيال قادمة، من الأمة الجزائرية التي تعاقبت عليها المآسي على مر الزمن.
فريد.غ

فيصلي لغريب بطل انتفاضة 8 ماي 1945 بقالمة
14 عامــا في انتظــار الإعـــدام بالكديــة و سركاجــي
يعد فيصلي لغريب، أحد الأبطال الذين قادوا انتفاضة 8 ماي 1945 شرقي قالمة، بدأ يقاوم الاستعمار بسلمية، سالكا درب السياسة و النضال الطويل، لكنه أدرك في النهاية بأن العدو الفرنسي لا يعترف بالحوار، و لا بالحلول السلمية، منتهجا أسلوب الإخضاع و الترهيب و القتل و التهجير، لإسكات الصوت الجزائري، المطالب بالحرية و العدالة و المساواة، عندما أدرك الشاب المنحدر من أسرة زراعية غنية كل هذا قرر حمل السلاح للدفاع عن الجزائريين المضطهدين، بمزارع المعمرين و الإدارة العسكرية الفرنسية، و قاد ما وصفه العدو آنذاك، بالتمرد المسلح على السلطة الفرنسية، بالقرى و المشاتي الواقعة شرقي قالمة، فانتهج الشاب الثائر أسلوب التخفي بمداشر و جبال المنطقة خلال انتفاضة 8 ماي 1945، لكنه وقع في الأسر، و اقتيد إلى سجن الكدية الرهيب بقسنطينة، و أقيمت له محاكمات جنائية طويلة، و تحول إلى بطل قومي لدى سكان قالمة و منطقة الشرق الجزائري برمتها، حكم عليه بالإعدام و ظل ينتظر التنفيذ 14 عاما.

التقته النصر عشية الذكرى التاسعة و الستين لمجازر ماي الأسود، و انفردت حينها بشهادة حية، من قلب المأساة التي تؤرخ لحقبة دامية من تاريخ الجزائر، و لكي لا ننسى التضحيات و لا ننسى الأبطال، نعود إلى تلك الشهادة التي تلخص المأساة الجزائرية، و تكشف عن المزيد من مشاهد الإبادة و الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري، على مدى سنوات الاستعمار الطويلة، استيطان و نهب للأراضي، تفقير و تجويع و تجهيل، و طمس للهوية، و تطهير عرقي بالقتل، و التهجير و النفي إلى الجزر البعيدة.
رحل فيصلي لغريب، لكن سكان قالمة مازالوا يتذكرونه، و ينظرون إليه كبطل من أبطال المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، و كانت كلما حلت ذكرى 8 ماي 1945، يتذكر الرجل تلك الواقعة التي قادته الى أعتى السجون بالجزائر المحتلة، و أكثرها قسوة، الكدية و سركاجي.
ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، لا مجال للمهادنة و الحوار و الخضوع، هكذا كان ينظر الرجل الى المستقبل، و إلى تلك الانتفاضة، حمل السلاح و امتطى صهوة الجواد و بدأ ثورة بسهل سيبوس الخصيب، الذي سيطر عليه المعمرون، كان يحرض سكان المشاتي و القرى الواقعة شرقي قالمة، على الثورة و المقاومة، و الهجوم على مزارع الكولون لتحرير الأرض.
ذهبنا إليه بمنزله بحي فنجال، الواقع بالضاحية الغربية لمدينة قالمة لسماع شهادته على مجازر ماي الأسود، طلب منا مرافقته الى ضاحية وادي المعيز على طريق عين العربي، لكي يتحدث من موقع البطولة، و من موقع المأساة، و هناك استعاد تلك الذكريات الأليمة بكل تفاصيلها.
يقول لغريب فيصلي، و هو ينظر إلى منحدر به أشجار زيتون معمرة، على طريق عين العربي، « هنا قتلت اثنين من الفرنسيين رميا بالرصاص، ردا على مجازر رهيبة ارتكبت في حق جزائريين عزل، خرجوا في مظاهرات سلمية بمدينة قالمة، احتفالا بنهاية الحرب العالمية الثانية، قتلوا منا الكثير في ذلك اليوم الأسود، لم يفرقوا بين الرجال و النساء، كنت أرى كيف كانوا يطلقون النار بكثافة على المتظاهرين العزل، الحاملين للأعلام الوطنية، كان بومعزة السعيد أول شهيد يسقط مساء الثامن ماي 1945 تلقى رصاصات قاتلة، و سقط على الفور قرب الزنقة الضيقة، و سادت الفوضى، و دوى الرصاص في أرجاء المدينة، هربنا في كل الاتجاهات، حتى لا نقع في مرمى نيران المعمرين، الذين كانوا يطلقون النار، و يتلقون الأوامر من رئيس الدائرة، و حاكم المدينة أندري آشياري، خرجت من الحصار رفقة مجموعة من سكان القرى و المشاتي، الذين دخلوا قالمة صباح ذلك اليوم، للمشاركة في الاحتفال، خرجنا و تركنا المدينة الحزينة تنزف دما، لقد عاثوا فيها فسادا في تلك الليلة، كان الألم يمزقني، لقد غدروا بنا، لم أنم تلك الليلة، جمعت رجال المشاتي و القرى، و طلبت منهم الاستعداد للزحف على مدينة قالمة صباح اليوم الموالي، و من جهة الشرق، لنصرة إخواننا المحاصرين، استجاب كثير من الناس للنداء، كل من لديه سلاح أحضره، بنادق صيد، فؤوس و سكاكين، و قليل من الزاد، كنت أنا قائد الهجوم، على صهوة جواد، أحمل بندقية ذات كثافة نارية، كنت الوحيد الذي يحوز هذا السلاح، و الوحيد الذي يمتطي جوادا، قصدنا مدينة قالمة صباحا و سمعنا أن الحشود قادمة أيضا من مناطق أخرى، من الغرب عبر الأرض الكحلة، و من ماونة عبر طريق عين العربي، في طريقنا إلى قالمة كان سكان المشاتي يقتحمون مزارع المعمرين، و يأكلون الفول بنهم كبير، كانوا جياعا، و شعرت بالأسى للحال التي صار عليها أبناء وطني المحتل، و صرت أكثر شجاعة و تصميما على تنفيذ الهجوم، و اقتحام المدينة لطرد المعمرين و تحريرها و إنهاء الاحتلال، و إعادة الأرض إلى الفقراء الجياع، الذين رأيتهم أول مرة يقتحمون مزارع المعمرين و يأكلون الفول الأخضر بنهم، أنا ابن مزارع غني لم أعرف الفقر و الجوع، رأيته أول مرة و أنا أقود الهجوم القادم من الشرق، و قررت أن أنتقم لهؤلاء الجياع و الضحايا الذين سقطوا برصاص المعمرين بأزقة مدينة قالمة  يوم الاحتفال، قررت أن أقتل أي معمر تراه عيني حتى اسقط شهيدا في سبيل الله و الوطن و الحرية».
و بعد حادثة طريق عين العربي واصل فيصلي الغريب المقاومة بسهل سيبوس، مترصدا كبار المعمرين، ثم اضطر للتخفي بمشاتي و جبال المنطقة، و صدرت الأوامر من القيادة الفرنسية باعتقاله أو قتله إذا رفض الاستسلام.
و بعد أيام قليلة تم القبض على الرجل الثائر و تعذيبه، قبل نقله إلى سجن الكدية بقسنطينة، و إخضاعه لسلسلة من المحاكمات الجنائية بتهمة القتل و القيام بتمرد على السلطة الفرنسية، و حكم عليه بالإعدام،ثم نقل إلى سجن سركاجي بالحراش، و هناك خضع للمحاكمة مرة أخرى و وصل عدد المحاكمات الجنائية الى سبع محاكمات، كان الحكم فيها جميعا بالإعدام، و ظل الرجل ينتظر التنفيذ 14 عاما.
« أحالوني على محكمة جنائية عسكرية يرأسها قاضيان برتبة عقيد، كانت عائلتي غنية فعينت أربعة محامين للدفاع عني، و فعلوا ذلك و دافعوا عني بقوة خلال أربع جلسات جنائية متباعدة و كنت في كل مرة أنا المحامي الحقيقي، أدافع عن نفسي بقوة و أدافع عن وطني، و عن الضحايا الذين سقطوا، و عن الأرض المغتصبة، لم أكن خائفا كنت شجاعا أمامهم، حتى عندما أحضروا بندقيتي و طلبوا مني مسكها لتمثيل المشهد، تملكهم الرعب، شعرت حينها بالفعل أنني أدافع عن قضية عادلة، و أن ما قمت به في وادي المعيز كان دفاعا شرعيا عن النفس، و عن الوطن و الدين و الشعب المضطهد. و رغم هذا الشعور لم أعترف أمامهم بأنني أنا من قتل المعمرين و طعنت في شرعية الشهود الذين أحضروهم، و كانوا كلهم جزائريون يعملون خماسة بمزارع المعمرين، مساكين أجبروهم على الشهادة، و جاؤوا بهم طائعين مستسلمين، كنت أشفق عليهم كلما دخلوا قاعة المحكمة، أنا أعرفهم و هم يعرفونني، و قلت للقاضي بأن هؤلاء الفقراء من أبناء وطني المحتل، أجبروهم على الشهادة ضدي بدون وجه حق، دافعت بقوة عن نفسي و عن هؤلاء الشهود، و أثرت دهشة القضاة و المحامين، و منظمات حقوقية و صحافيين، حضروا سلسلة المحاكمات الطويلة التي بلغت 7 محاكمات كاملة، أربع و أنا في سجن الكدية بقسنطينة و ثلاث بسجن سركاجي». اندلعت ثورة التحرير المقدسة، و فيصلي لغريب في السجن ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، و مع اشتداد الثورة تأجل تنفيذ الحكم، و بقي ينتظر الى غاية وقف إطلاق النار، حينها أطلقوا سراحه و عاد الى قالمة، و مشاتيها و حقولها الزراعية، التي تحررت، و لم يعد هناك معمرون، و لا عساكر و شرطة بأزقة و ساحات المدينة التاريخية، التي دفعت ثمنا غاليا في تلك الانتفاضة الخالدة، و بعدها خلال سنوات حرب التحرير المقدسة.
فريد.غ

المعتقل الجريح عبد الله يلس في شهادة نادرة للنصر قبل رحيله
فرنسـا أحرقـت مواطنيـن في أفـران الجيــر ودفنتهـم في مقابــر سريــة
بعد مرور 7 سنوات على ذلك اللقاء، الذي جمع جريدة النصر بعبد الله يلس، أحد المشاركين في انتفاضة 8 ماي 1945 بقالمة، و أحد أبرز الشهود على المجزرة الدامية، التي بقيت آثارها إلى اليوم، و في الذكرى 80 لمأساة ماي الأسود، نعود مرة أخرى إلى ذلك اللقاء، الذي كشف عن المزيد من تلك الأحداث المؤلمة، التي عرفتها منطقة قالمة، و ما سبقها من تحضيرات، و وعي سياسي متصاعد، وسط مناضلي الحركة الوطنية و السكان، الذين ضاقوا ذرعا بالمعمرين، و بالإدارة العسكرية الفرنسية، التي كان يقودها رئيس دائرة قالمة في ذلك الوقت « أندري آشياري «، الذي كان يتلقى الأوامر بقمع الانتفاضة السلمية المطالبة بالحرية، من كبار القادة الفرنسيين بقسنطينة و الجزائر العاصمة.

رحل عبد الله يلس، بعد لقاء النصر بنحو عامين، عن عمر 95 عاما، تاركا وراءه إرثا تاريخيا، سيبقى مادة للباحثين و المؤرخين، و الأجيال القادمة، أفرغ كل ما لديه في ذلك اللقاء، معتمدا على ذاكرة قوية متقدة، مازالت تحتفظ بالكثير من مشاهد المأساة.
يقول الشاهد على الجريمة، عبد الله يلس متحدثا للنصر، بأن ما حدث بقالمة في تلك الأيام الدامية، كان مجزرة مروعة، خطط لها الجنرال ريموند دوفال، مهندس عمليات القمع و الإخضاع، خلال انتفاضة 8 ماي 1945 بقالمة، و سطيف و خراطة، و حاكم قسنطينة ليستراد كاربونال، و رئيس دائرة قالمة أندري آشياري، قائد المليشيا المسلحة.
و لذا فإن مسؤولية الحكومة الفرنسية آنذاك ثابتة، و أن القتل الجماعي الذي طال سكان قالمة عموما، و قادة الحركة الوطنية و الكشفية خصوصا، كان بأمر من هؤلاء القادة العسكريين الفرنسيين، و من ورائهم الحكومة الفرنسية التي كانت تتحدث عن تمرد للأهالي.
أفران الجير الرهيبة... جريمة ضد الإنسانية

و أضاف المتحدث، بأن بشاعة الجريمة دفعت بالجناة إلى القيام بمحاولات الطمس و إخفاء الأدلة الجنائية، بالدفن الجماعي في مقابر سرية، و الحرق بأفران الجير الرهيبة قرب مدينة هليوبوليس، شمالي قالمة، حتى أن لجنة التحقيق التي شكلها البرلمان الفرنسي آنذاك، لم تعثر على أي شيء عندما حلت بمنطقة قالمة لتقصي الحقائق، كان أمرا محيرا حقا، أين اختفت آلاف الجثث، يتساءل عبد الله يلس، لقد قتلوا أكثر من 3 آلاف شخص بقالمة، لكن المحققين لم يعثروا على جثة واحدة، ربما يكون هؤلاء الضحايا قد أحرقوا بأفران الجير قرب هليوبوليس، أو نقلوا الجثث إلى مقابر جماعية سرية، لا احد يعرفها إلى اليوم، مؤكدا بأن الحكومة الفرنسية مسؤولة من الناحية القانونية و الأخلاقية، عن مجازر 8 ماي 45 بقالمة و بغيرها من مدن و قرى الجزائر، من غير المقبول أن يستمر الإنكار، و التنصل من المسؤولية الجنائية و الأخلاقية، كل هذه السنوات.
عندما اندلعت انتفاضة 8 ماي 1945 بقالمة كان عبد الله يلس في العشرين من العمر، كان من بين أعيان مدينة قالمة، و مثقفيها في ذلك الوقت، انخرط مبكرا في النضال ضد الاستعمار، و ينظر المؤرخون الى الرجل كمصدر مهم من بين المصادر و الشواهد المتعلقة بمجازر 8 ماي 1945 بمنطقة قالمة، إحدى معاقل الحركة الوطنية.
وعن ذلك اليوم الحاسم و الدامي من أيام الجزائر المحتلة، يقول عبد الله يلس للنصر، كنا مترددين في البداية، هل ننظم نحن أيضا مسيرة هنا بمدينة قالمة، بعد وصول الأخبار عن مسيرات سطيف، و خراطة، و ما حدث من تقتيل هناك، إذا فعلنا هذا علينا أن نستعد للأسوأ، و كان البعض يريد التراجع و تفريق الحشود حقنا للدماء.
كانت الحركة الوطنية بقالمة آنذاك تابعة إلى القيادة بعنابة، فصدر القرار بإرسال المسمى قدور بوتصفيرة إلى عنابة، و انتظرنا حتى المساء عندما وصلنا أمر تنظيم المسيرة بطريقة سلمية، و التخلي عن كل الأسلحة، و الوسائل التي قد يتخذها المعمرون كذريعة للقتل، و العنف و الاعتقال.
باب السوق و الكرمات موقع التجمع و انطلاق المسيرة الخالدة

حسب عبد الله يلس فقد بدأت المسيرة من منطقة الكرمات، قرب باب السوق، و جابت شارع عنونة و شوارع رئيسية أخرى، كان الشاب اليافع المندفع بلا خوف، يحمل لافتة رفقة مناضلين آخرين « كان الخوف يسكننا، كنا نشعر بان شيئا ما سيحدث، و كانت زغاريد النساء من الشرفات بمثابة حافز قوي لنا، و عندما وصلت المسيرة إلى شارع صغير مطل على شارع أول نوفمبر و الساحة الكبيرة وسط المدينة اليوم، خرج أندري آشياري، رئيس دائرة قالمة لوقف المسيرة، التي شارك فيها الكثير من سكان القرى و الأرياف، و كانت اللافتات مخفية في منزل صالح كعبازي، و كتبها الخطاط محمد بن شاعي، و لذا قتله المعمرون لهذا السبب، كنا حاملين أعلام فرنسا و الحلفاء، و علم الجزائر في الوسط، كنا نردد نشيد من جبالنا، مطالبين بالحرية و العدالة، معبرين عن فرحتنا بنهاية الحرب العالمية الثانية، و انتصار الحلفاء، طلب آشياري العلم الجزائري الذي كان يحمله علي عبدة، فرفض، و سلم العلم إلى الأشخاص الذين كانوا خلفه حتى يبعدوه، و لا يتركوه يقع بين أيدي المعمرين، و تمكن محمد عبدة من دفع آشياري بقوة، حتى سقطت قبعته فتملكه الغضب، و قرر قتل محمد عبدة بنفسه في ما بعد، أطلق المعمرون الرصاص في الهواء، و تدافع الناس بقوة هاربين في كل الاتجاهات، بدأ القتل بالمسدسات، و أصبت في رجلي و سقطت بجانب المسرح الروماني، بضاحية باب سكيكدة، كنت أنزف دما عندما حملتني شاحنة إلى المستشفى المختلط، وجدت جرحى آخرين هناك».
و حسب عبد الله يلس، فإنه و بعد ما حدث في ذلك اليوم الثامن ماي 1945 صدرت الأوامر بتشكيل ميليشيا من عناصر مالطية، و من أسرى إيطاليين، في الحرب العالمية الثانية، حصلت هذه الميليشيا على السلاح، و بدأت عملية تنفيذ الاعتقالات، و الإعدامات الجماعية السرية، بكاف البومبة، و أفران الجير قرب مدينة هليوبوليس، و الثكنة القديمة، و المحجرة بمدينة قالمة، و غيرها من المواقع التي تبقى إلى اليوم شاهدة على واحدة من أبشع المجازر ضد الإنسانية. و من بين قادة الميليشيا ذكر عبد الله يلس المعمر الكبير صاحب المزارع الواسعة بقالمة «لافي» والمعمر «شمول» و المعمر «غافيرا».
و عندما كانت عمليات القتل على أشدها بقالمة، بلخير، بومهرة احمد و وادي الزناتي، كان عبد الله يلس يرقد في المستشفى العسكري، و يتابع أخبار المجازر و عمليات الإبادة، التي تعرضت لها أسر بأكملها، و كل يوم يأتيه خبر مقتل عنصر من عناصر الحركة الوطنية بمنطقة قالمة، و كان هو ينتظر دوره، لكن قائد المستشفى الرائد «مارتي» رفض تسليم الجرحى الجزائريين إلى آشياري قائد ميليشيا قالمة.
بعد 22 شهرا قضاها الجريح عبد الله يلس، في المستشفى العسكري المدني المختلط خرج أخيرا، و اكتشف الحقيقة المرعبة، عائلات بأكملها أبيدت، أعداد كبيرة من خيرة أبناء الحركة الوطنية و الحركة الكشفية بمدينة قالمة قتلوا في مواقع الإعدامات السرية، و لا احد يعرف إلى اليوم أين دفنوا، إذا لم يكونوا من الضحايا الذين أحرقت جثثهم بالأفران الرهيبة. فريد.غ

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com