أكد الدكتور، المتخصص في الحركة الوطنية مزهود الصادق، أن عدد الشهداء الجزائريين الذين ألقت بهم شرطة موريس بابون في نهر السين بباريس في 17 من أكتوبر 1961 قد تجاوز  500 مهاجر، ناهيك عن الاغتيالات، التي نفذت في السكنات والأماكن المهجورة، مشيرا إلى وجود مظاهرة أخرى نظمت بعد ثلاثة أيام من طرف نسوة وأطفال لكن المؤرخين تغافلوا عنها.
وذكر الدكتور صادق مزهود، في محاضرة ألقاها بمناسبة الاحتفالات الرسمية لليوم الوطني للهجرة بقصر الثقافة مالك حداد بقسنطينة أول أمس، أن جبهة التحرير الوطني بفرنسا، أحصت ما يفوق 400 ألف مهاجر جزائري يقومون بدفع الاشتراكات لها من بينهم 135 ألف عامل حاملين  لبطاقة الانخراط في الأفلان ، حيث يتم كما قال، جمع التبرعات عن طريق الخلايا التي أسست بداخل التراب الفرنسي ويتولى المجاهد الطيب بوالحروف بمدينة روما جمعها وتحويلها  من أجل شراء الأسلحة والأدوية ومختلف مستلزمات الثورة التحريرية، كما أشار إلى أن المنخرطين في الجبهة كثيرا ما نفذوا عمليات داخل التراب الفرنسي ضد الخونة وأذناب الاستعمار.
ولفت الدكتور ،إلى أن حوادث 17 أكتوبر 1961 ما هي إلا تلك القطرة التي  أفاضت الكأس، فقد قامت السلطات الفرنسية ومنذ  الفاتح من سبتمبر 1958 بفرض حظر التجول ضد المهاجرين الجزائريين، لكن الجبهة وجهت تعليمات بعدم الرضوخ لهذه الأوامر، في حين كان يقوم البوليس الفرنسي بالموازاة مع هذا الإجراء بمعاقبة كل من يقوم بجمع ودفع الاشتراكات داخل التراب الفرنسي، كما حدثت اغتيالات كثيرة في تلك الفترة.
وقد عرج الباحث، على سيرة موريس وهو العقل المدبر والمنفذ لجرائم 17 من أكتوبر، حيث قال إنه كان من بين أبرز الإطارات، الذين تعول عليهم السلطات الفرنسية في تنفيذ مخططاتها، حيث تقلد عدة مناصب عليا كثيرة ففي عام 1937 عين  بوزارة الخارجية الفرنسية وفي  1949 عين حاكما عاما على عمالة قسنطينة، ثم حول إلى المغرب الأقصى في سنة 1954 ليعود مرة أخرى إلى قسنطينة والتي قام فيها بجرائم كثيرة وشدد  فيها  الخناق على سكان الشرق والمدينة على وجه الخصوص، إلى درجة أنه قام  برفع دعوى قضائية ضد جريدة «لاديباش» عندما نشرت  خبرا عن حدوث 50 انفجارا نفذه فدائيون بقسنطينة حيث قال “لا يمكن أن يحدث هذا وأنا موجود”، قبل أن يتم استدعاؤه ليشغل مدير أمن العاصمة الفرنسية باريس.
و في الخامس من أكتوبر من 1961 أصدرت فرنسا تعليمة رقمها 149/61 تمنع فيها الجزائريين من التجوال ابتداء  من 8.30  مساء إلى الخامسة صباحا، وهو إجراء كما قال الدكتور، جاء بعد مضايقات واغتيالات انطلقت  من بداية أوت إذ شوهدت جثث العديد من الجزائريين وهي تسبح في نهر السين، كما كانت شرطة المجرم بابون تقوم بكسر أبواب الأماكن التي يعيش فيها الجزائريون وتقوم بقتلهم  ورمي الجثث في أماكن متفرقة من باريس.
وقد جند موريس بابون، ما يزيد عن 7 آلاف جندي لقمع مظاهرات الجزائريين، كما قامت وسائل الإعلام الفرنسية والإذاعات ببث أخبار كاذبة عن مواقيت وأماكن تجمع الجزائريين لتشتيتهم ومنعهم من التجمع في ساحة واحدة، لكن منظمي المظاهرات استطاعوا جمع ما يقارب 50 ألف جزائري بساحة الأوبيرا على وجه الخصوص.
وتجاوز عدد الشهداء في صفوف الجزائريين، بحسب منشط المحاضرة سقف 500 شهيد، حيث ألقت بهم شرطة بابون بإذن من الوزارة الأولى الفرنسية في نهر السين، مشيرا إلى أن الهدف من المسيرة السلمية هو رغبة الأفلان في تسليم رسالة مكتوبة عن وضع الثورة والقضية الجزائرية إلى سفراء الإتحاد السوفياتي والدول الأوربية والولايات المتحدة، كما نفذت مثلما أكد المؤرخ اغتيالات كثيرة في البيوت والأماكن المهجورة و تم تجميع أزيد من 17 ألف جزائري في المخازن قبل أن يرحل منهم أزيد من  500 شخص كما سجلت إصابة نفس العدد برصاص شرطة باريس.
ويبرز الدكتور مزهود، أن المؤرخين والصحفيين تغافلوا عن المظاهرات التي نظمت من طرف النسوة الجزائريات وأطفالهن في 20 من ذات الشهر، حيث تجمع عدد كبير منهن في الساحات الفرنسية، لكن السلطات قامت  بتوقيفهن وتحويلهن بالحافلات إلى مقرات الشرطة، أين تم استجوابهن كما تم  تعذيب الكثيرات منهن فيما ترك الأطفال يتضورون جوعا قبل أن يتم تقديم لهم قطع من السكر والشيكولاطة.
وأكد المتحدث، أن الجرائم المرتكبة في 17 من أكتوبر كثيرة وشنيعة، فعلى سبيل المثال فقد تم قتل الطفلة فاطمة بدار ذات 15 ربيعا برصاص الجيش الفرنسي، وتم رميها بكل برودة في مجاري الصرف الصحي ولم يتم اكتشاف جثتها  إلا في 31 أكتوب ،  إذ تم بعد ذلك تحرير  محضر في مقر أمن الدائرة 18 بباريس.
وساهمت هذه الأحداث مثلما ذكر المؤرخ، في إيصال صوت القضية الجزائرية إلى جميع أقطار العالم ومن ثم طرحها على مستوى الأمم المتحدة، كما لعبت جريدة المجاهد في عددها 186 دورا كبيرا في نشر نداء  جبهة التحرير الذي دعت فيه الشعب الفرنسي إلى الوقوف ضد المجرمين، كما قامت  جريدة الأوقات العصرية الصادرة من ألمانيا و التي يشرف عليها  الفيلسوف الفرنسي جون بول ساتر في نشر القضية في كافة أوروبا الشرقية والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الغربية، فيما ندد ألفا طالب في جامعة السوربون بجرائم بابون.
لقمان/ق

الرجوع إلى الأعلى