ووري أمس الثرى جثمان الراحل الفريق، أحمد قايد صالح، بمربع الشهداء بمقبرة العالية في جنازة شعبية ورسمية مهيبة، شارك فيها الآلاف من المواطنين قدموا من مختلف ولايات القطر الوطني أبوا إلا أن يودعوا الفقيد إلى مثواه الأخير في لحظات مميزة وخاصة لم تعرفها البلاد بالنسبة لقائد عسكري.
شهدت مقبرة العالية بالعاصمة أمس يوما مميزا في تاريخ البلاد، حيث شيع جثمان فقيد الجزائر الفريق، أحمد قايد صالح، إلى مثواه الأخير، بعد أن وافته المنية صبيحة الاثنين الماضي بمنزله العائلي بالعاصمة.
و كانت جنازة الراحل كبيرة ومهيبة، رسمية وشعبية، شارك فيها كبار المسؤولين في الدولة يتقدمهم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ورئيس الدولة السابق، عبد القادر بن صالح، ورئيس مجلس الأمة بالنيابة، صالح قوجيل، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، سلميان شنين، والوزير الأول بالنيابة، صبري بوقادوم، وكل الطاقم الحكومي، فضلا عن كبار ضباط الجيش الوطني الشعبي وقادته على رأسهم رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بالنيابة سعيد شنقريحة، وقادة مختلف الأسلاك الأمنية، والمسؤولين الآخرين في مؤسسات الدولة وممثلي المنظمات  الوطنية وممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر.
 كما شارك في الجنازة عشرات الآلاف من المواطنين الذين قدموا من مختلف ولايات القطر من أجل توديع الفقيد قايد صالح إلى مثواه الأخير تحت هتافات »جيش شعب خاوة خاوة والقايد صالح مع الشهداء» وأيضا تحت التكبيرات «الله أكبر الله أكبر».
 ووسط تنظيم محكم فرضته قوات الأمن من شرطة ودرك وطني وأمن رئاسي  على مدخل ومحيط مقبرة العالية، توافد الآلاف من المواطنين على المقبرة منذ بداية الصباح، وظلوا ينتظرون وصول الموكب الجنائزي، وقد اصطفوا وراء الحواجز التي وضعتها قوات الأمن على أطراف الطريق المؤدي إلى المقبرة من أجل ضمان فتح الطريق، ومنعت أي كان من الاقتراب إلى بوابة المقبرة بما في ذلك ممثلي الصحافة الوطنية.
جيش شعب خاوة خاوة والقايد صالح مع الشهداء
 وعلى هذا النحو ظل المواطنون ينتظرون وصول الجثمان لأكثر من ثلاث ساعات  كاملة وهم يرددون من حين لآخر هتافات »جيش شعب خاوة خاوة والقايد صالح مع الشهداء» وغيرها من الشعارات والهتافات التي تمجد الفقيد وتظهر خصاله، وكان البعض من هؤلاء المصطفين على الجانب يحملون لافتات تبين  الجهة التي أتوا منها، كما ارتدى بعضهم من قدماء الجيش ملابس وقبعات عسكرية في إشارة إلى وفائهم للفقيد وللمؤسسة العسكرية، فيما لف بعضهم نفسه بالراية الوطنية التي كانت حاضرة هي الأخرى بقوة في هذا اليوم المميز.
بالموازاة مع ذلك كانت وفود الرسميين تتوافد تباعا على المقبرة حيث لوحظ دخول رئيس الأمة بالنيابة صالح قوجيل ووفد من المجلس، وأيضا العديد من الوزراء وسيارات دبلوماسية، وحملت حافلات صغيرة ضباطا سامين من الجيش إلى داخل المقبرة، وكذلك الحال بالنسبة لممثلي مؤسسات رسمية أخرى.
وفي هذا الخضم بدأ محيط المقبرة يمتلئ بمواطنين جدد قادمين من مختلف الجهات وبعضهم قطع عدة كيلومترات مشيا على الأقدام للمشاركة في الجنازة، كما بدا واضحا أيضا الحضور الأمني الكثيف من قوات الشرطة والدرك الوطني الذين تدخلوا في أكثر من مرة لرد المواطنين إلى ما وراء الحواجز التي نصبتها حفاظا على التنظيم المسطر، خاصة بعد أن تمكن مواطنون في إحدى المرات من اختراق حاجز الشرطة في محاولة للوصول إلى أمام المقبرة لكن قوات الدرك تصدت لهم وأرجعتهم إلى مكانهم الأول.
وفضل مواطنون آخرون بحكم الفضول الوقوف فوق بنايات مجاورة للمقبرة  في محاولة للحصول على زاوية مناسبة لضمان رؤية الموكب الجنائزي بشكل جيد.
 وفي حدود منتصف النهار وصل موكب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى مقبرة العالية وهو ما أعطى إشارة كبيرة للحضور بأن جثمان الراحل سيصل في وقت قصير، فيما تزايدت بقوة حشود المواطنين من مختلف الشرائح القاصدين المقبرة.
ومع مرور الوقت واقتراب الظهر بدأ الضغط يتزايد بشكل كبير على مدخل ومحيط مقبرة العالية بتزايد المواطنين القادمين إليها من مختلف الجهات، ووجدت مصالح الأمن المكلفة بعض الصعوبة في ضبط الموقف رغم تزايد أعدادهم هم الآخرين، وصار من الصعب الحصول على مكان تحت الشمس لمراقبة وصول الموكب الجنائزي.
جنازة فريدة من نوعها لقائد عسكري
وفي حدود الواحدة والنصف ظهرا وصل الموكب الجنائزي الذي يحمل جثمان الفقيد، أحمد قايد صالح إلى مدخل المقبرة، وهي اللحظة التي فلتت فيها الأمور التنظيمية من يد قوات الأمن بعد أن تخطت الحشود البشرية  كل الحواجز والتصقت بالشاحنة التي كانت تحمل جثمان الفقيد، وحصلت فوضى كبيرة في مدخل المقبرة رغم تدخل قوات الأمن، حيث هبت موجات كبيرة من المواطنين على الشاحنة التي كانت تحمل نعش الفقيد أحمد قايد صالح وسط تكبيرات عالية» الله أكبر الله اكبر» وهتافات» جيش شعب خاوة خاوة والقايد صالح مع الشهداء»، وكذلك شعار» جيبوا لفرنسا القايد صالح» فيما رفع آخرون صورا كبيرة للراحل الفقيد.
 وفي هذه اللحظات التي حرص كل حاضر فيها على توثيقها عبر الهاتف النقال، حدثت فوضى كبيرة لم تستطع معها قوات الأمن المكلفة بالتنظيم فعل أي شيء بل وذابت هي الأخرى وسط الجماهير، وحصل بعض التدافع أدى إلى وقوع إغماءات بين الحضور تدخلت على إثرها فرق الحماية المدنية رفقة مواطنين  لإسعافهم ونقلهم بعيدا عن الضغط.
وحسب معلومات من عين المكان فإن الشاحنة التي كان يقف على ظهرها أربعة عسكريين برتبة عقيد رفقة أفراد من فرقة الأمن الرئاسي وفرقة البحث والتدخل، هي التي كانت  تحمل نعش الفقيد، إذ أن السلطات المنظمة كانت تدرك أن العربة الرسمية التي كانت تجر النعش لن تمر بسلام وسط الحشود لذلك عمدت إلى نقل الجثمان إلى الشاحنة العسكرية لتفادي الضغط وضمان دخول الجثمان بسلام إلى المقبرة.
 وعند وصول العربة الرسمية التي كانت مزينة بباقات ورود التف حولها المواطنون بقوة وحرص كل واحد منهم على الحصول على وردة من الورود التي كانت تزينها، وقد عمد بعض أفراد الأمن الذين كانوا على متنها إلى توزيع هذه الورود على المواطنين إلى أن دخلت العربة إلى المقبرة بصعوبة.
وكان جثمان فقيد الجزائر أحمد قايد صالح قد نقل من قصر الشعب، حيث ألقيت عليه النظرة الأخيرة عليه، إلى مقبرة العالية عبر مسار ساحة أديس أبيبا مباشرة نحو ساحة أول ماي ثم أخذ نهج جيش التحرير الوطني إلى غاية مقبرة العالية وسط  حشود من المواطنين التي رافقت مشيا على الأقدام الموكب الجنائزي لعدة كيلومترات.
وظهر بين الحضور الكثير من الشباب على وجه الخصوص، ولكن أيضا آخرون من مختلف الأعمار كبارا وشيوخا وحتى أطفالا ونساء أبوا إلا أن يودعوا القائد الراحل إلى مثواه الأخيرة في لحظات مهيبة قلت نظيرتها في الجزائر، ووسط هتافات تؤكد بوضوح أن الكثير من المواطنين يكنون احتراما كبيرا للرجل الذي تمكن من إنقاذ البلاد في لحظات صعبة والمرور بها إلى بر الآمان قبل أن يأخذه الله إلى جواره.
وعلى امتداد الطريق السيار المحاذي لمقبرة العالية كان المواطنون يسيرون وفودا وفودا نحو المقبرة للمشاركة في جنازة قياد صالح.
 و داخل المقبرة وبعد أن أديت على جثمان الفقيد الذي كان مسجى بالعلم الوطني صلاة الجنازة أدت فرقة عسكرية التحية الخاصة له، قبل أن يؤخذ إلى خيمة خاصة نصبت هناك، حيث وبعدها ألقى العميد بوعلام ماضي رئيس دائرة الإيصال والإعلام والتوجيه بوزارة الدفاع الوطني تأبينية في حق الفقيد استحضر فيها خصاله ومواقفه التي لا تنسى خدمة للبلاد.
وبعدها ووري جثمان الفقيد الثرى وقرأت عليه فاتحة القرآن ثم سلم بعدها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الراية الوطنية لنجل الراحل، ووضع إكليلا من الزهور على قبره.
 كانت جنازة نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح كبيرة، وتعد أكبر جنازة في تاريخ البلاد لقائد عسكري، فهذا الأخير الذي رافق الحراك الشعبي طيلة شهور بكل مسؤولية وأمن، أبى المواطنون إلا أن يرافقوه بمليونية خاصة مميزة يوم دفنه. إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى