تخضع وثيقة تعديل الدستور التي وزعتها رئاسة الجمهورية منذ قرابة الشهرين للدراسة والتمحيص والنقاش  من قبل الشركاء السياسيين و فعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام  والشخصيات الوطنية وفئات وشرائح المواطنين التي قدمت لحد الآن ما يزيد عن 1800 مقترح بشأنها.
 وبصرف النظر عن موقف  كل واحد  من الأطراف المذكورة، من محتويات وفصول الوثيقة المقدمة، فإن الأهم في هذه المرحلة هو الاهتمام الواضح الذي أبدته كل فئات المجتمع بالموضوع، لأن الأمر يتعلق بالقانون الأسمى للدولة الذي يوضح الحقوق والحريات ويمنح السلطات والصلاحيات لمن يمارسها.
    ومنذ السابع مايو الماضي، تاريخ الإفراج عن وثيقة تعديل الدستور من قبل رئاسة الجمهورية وتوزيعها على الشركاء، قفز موضوع تعديل الدستور إلى رأس قائمة اهتمامات مختلف فئات المجتمع  موازاة مع الاهتمام بموضوع وباء كورونا كوفيد 19 الذي صار شغل كل العالم منذ شهور.
 وعلى الرغم من الظروف الصحية الصعبة التي تمر بها البلاد جراء هذا الوباء القاتل على غرار كل دول العالم فإن ذلك لم يمنع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني و شرائح المجتمع الأخرى من إيلاء الاهتمام اللازم لموضوع تعديل الدستور كونه ملفا حساسا يتعلق بمستقبل المواطن وحياته اليومية قبل كل شيء، وقد حظي بنقاش معتبر على عدة مستويات، سواء  داخل الأحزاب السياسية والمنظمات والنقابات وغيرها التي أنشأت لجانا خاصة بذلك مركزيا ومحليا، أو على مستوى وسائل الإعلام التي لم تفوت يوما واحدا منذ تاريخ توزيع الوثيقة،وحتى قبل ذلك، دون تنظيم ندوات وحصص خاصة بالموضوع بمشاركة رؤساء أحزاب سياسية وممثلين عنها وأساتذة وخبراء في المجال وشخصيات وطنية ومهنية ومدنية وإعلاميين وغيرهم.
 وإذا كان الظرف الصحي الصعب قد حرم الجميع وخاصة الأحزاب السياسية من تنظيم التجمعات الشعبية و اللقاءات الجماهيرية الواسعة للحديث عن الملف وشرحه للقواعد وعموم المواطنين بصوت عال كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات، فإن شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي عملت إلى حد ما على تعويض هذا النقاش وساهمت في نقل تفاصيل التعديل المقترح وغربلة كل فصوله ونقل آراء خبراء و شخصيات في الموضوع ونشرت الوثيقة بالكامل تعميما للفائدة.
وإلى حد اليوم وبعد قرابة الشهرين  من توزيع المسودة الخاصة بالتعديل الدستوري فقد تعدت المقترحات والتعديلات المقدمة من مختلف الشركاء التي وصلت رئاسة الجمهورية 1800 مقترح، تغطي جميع الفصول والأبواب التي جاءت بها الوثيقة، وهو رقم معتبر من الناحية الكمية في انتظار الكشف عن هذه المقترحات لمعرفة قيمتها من ناحية المضمون و الأفكار.
 وبطبيعة الحال فإن تقييم حجم و زخم النقاش حول مسودة تعديل الدستور في هذه الظروف يختلف،  بين من يرى أن الوثيقة حظيت بالنقاش اللازم والمقبول كونها عرضت على مختلف شرائح المجتمع و شرحت من قبل المختصين عبر وسائل الإعلام الوطنية بمختلف أنواعها منذ قرابة الشهرين وبشكل مكثف، وقد تم التطرق لكل الفصول والبنود بالتفصيل والتدقيق والنقد والدراسة والاقتراح ولا توجد نقطة واحدة جاءت بها الوثيقة لم تنل حقها من الشرح  والتفصيل.
 وبين فئة آخري ترى أن المسودة قد نوقشت فعلا،  لكنها كانت تتمنى أن يكون النقاش حول الدستور- الذي جاء بعد حراك شعبي كبير- مشابه لحركية وحيوية وزخم النقاش الذي شهده الميثاق الوطني سنة  1976، لكن الظروف الصحية هي التي حالت دون تنظيم نقاش  مجتمعي واسع في 2020 مشابه لذلك الذي دار في سنة 1976.
 كما عمدت رئاسة الجمهورية من جانبها في كل مرة إلى تقديم التوضيحات التي يطرحها الرأي العام بشأن الوثيقة الموزعة، وكانت تحرص في كل منابة على التوضيح بأن الأمر يتعلق بمسودة مطروحة للإثراء والنقاش دون حدود خير تلك التي تمس المقومات والثوابت التي يتفق حولها كل الجزائريين، أو المواد الصماء كما تسمى.
ودائما في نفس السياق كان الوزير المستشار للاتصال الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية قد أعلن في آخر ندوة صحفية له أنه تقرر تمديد فترة مناقشة مسودة تعديل الدستور  حتى تحظى بالشرح الكامل والوافي قبل غلق آجال استلام المقترحات من طرف من وزعت عليهم و شروع اللجنة المختصة في دراستها وإعداد الصياغة النهائية للتعديل الدستوري المرتقب، وتمرير الوثيقة على البرلمان بغرفتيه قبل عرضها على الاستفتاء الشعبي في الأشهر القادمة.
 إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى