ألقى نهار أمس السبت عشرات آلاف الجزائريين النظرة الأخيرة على رفات 24 من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، وترحموا على أرواحهم الطاهرة في قصر الثقافة «مفدى زكريا» بالجزائر العاصمة الذي بدأ التوافد القوي عليه من طرف عموم المواطنين والشخصيات العامة والمسؤولين من مختلف الأجهزة والقطاعات والتشكيلات السياسية ابتداء من الساعة التاسعة صباحا في أجواء مهيبة.
ورغم حرارة الطقس الذي ساد الجزائر العاصمة طيلة النهار لم يتوان الجزائريون في القدوم من العاصمة وسائر ولايات الوطن والاصطفاف في طابور طويل لإلقاء النظرة الأخيرة والترحم على رفات 24 من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي الذين استعادتهم الجزائر أمس الأول  بعد احتجازهم في فرنسا لأكثر من 170 عاما.
و اتخذ المنظمون تدابير احترازية في مدخل قصر الثقافة، في ظل انتشار فيروس كوفيد 19، حيث ثم إخضاع كل شخص إلى قياس درجة الحرارة والتعقيم قبل الدخول إلى بهو البناية، فيما تم الحرص من مختلف السلطات المعنية المدنية والعسكرية على تنظيم الدخول بشكل محكم  وإعطاء الفرصة للجميع للترحم وحتى التقاط صور.
وحرصت الكثير من الأسر الجزائرية على اصطحاب مختلف أفرادها من الأطفال الصغار إلى الشيوخ والعجائز الطاعنين في السن الذين كان بعضهم يحملون باقات ورود لوضعها على نعوش الشهداء التي تم وضعها في بهو قصر الثقافة، مسجاة بالأعلام الوطنية، فيما سجلنا تعالي زغاريد الكثير من النسوة التي دوّت بهو القصر إلى جانب التكبيرات وعبارات التهليل من حين لآخر.
وإلى جانب تدفق السيول البشرية لعموم المواطنين، على قصر الثقافة فقد حرص أيضا على إلقاء نظرة الوداع والترحم على رفات أبطال المقاومة الشعبية عدد كبير من المسؤولين والإطارات من مختلف الأجهزة الرسمية والأسلاك الأمنية والقطاعات الحكومية كالوزراء، فضلا عن نواب من غرفتي البرلمان ومسؤولي الأحزاب والشخصيات العامة، ومسؤولي المنظمات الجماهيرية إلى قصر الثقافة مفدي زكريا.
كما لم يتأخر في الحضور ممثلون عن السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر من مختلف البلدان العربية، للترحم على رفات أبطال الجزائر العائدين إلى وطنهم بعد منفى دام 170 سنة في غياهب الاستعمار ظلما وعدوانا.

وخلال لقائنا بهم في عين المكان ثمن عدد من الحضور عملية استرجاع رفات أبطال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، ووصفوه بالإنجاز الوطني المشهود الذي حققه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وقالوا أن هذا الإنجاز «العظيم» ستحفظه الذاكرة الشعبية الجزائرية، وسيضل مثار فخر الأجيال.
وفي هذا الصدد أعرب المجاهد مفتاحي السعيد ( 95 سنة ) عن فخره بهذا الإنجاز التاريخي في هذا اليوم المشهود وقال وهو يستند إلى عصاه بينما تتساقط الدموع من عينيه " لقد كان مبلغ همنا عندما التحقنا بصفوف ثورة التحرير المباركة وجهادنا إلى جانب البطلين عميروش وسي الحواس وغيرهما وما رأيناه من فظائع الاحتلال الفرنسي بعيني، أن نرى علم الجزائر يرفرف عاليا في ظل جزائر حرة مستقلة، ولم نكن ننتظر أبدا حدوث مثل هذا الإنجاز العظيم الذي تمكنت من خلاله الجزائر من استكمال مقوماتها السيادية إنه نصر جديد للثورة الجزائرية ".
وثمنت بدورها مواطنة تدعى سوالم صليحة هذا "› الإنجاز التاريخي" وقالت أن الدولة الجزائرية مكنتها في وقت سابق من استرجاع رفات والدها الشهيد من فرنسا، بعد مضي 25 سنة من دفنه في أحد مقابرها وأضافت " جئت اليوم لأترحم على أرواح أبطال المقاومة وأسدي جزيل الشكر لأحرار بلادي الحريصين على استكمال إنجازاتهم التاريخية في مجال الذاكرة".
وحرص السيد محمد معوش عضو فريق جبهة التحرير الوطني  لكرة القدم، بالمناسبة على توجيه شكره وعرفانه للدولة الجزائرية وخاصة للرئيس عبد المجيد تبون ولمسؤولي المؤسسة العسكرية على جهودهم في استرجاع رفات رموز المقاومة الشعبية الجزائرية.
كما عبرت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري السيدة سعيدة بن حبيلس عن فخرها واعتزازها الكبير وارتياحها عميق لاسترجاع رفات بعض زعماء المقاومة الشعبية وأبطالها بعد 170 عاما من اختطافها من قبل الاحتلال الفرنسي وقالت " إن استرجاع الرفات إنجاز وطني كبير"، داعية إلى ضرورة لم شمل كل الجزائريين والابتعاد عن الصراعات الحزبية والإديولوجية لتفويت الفرصة على كل المخططات التدميرية التي تستهدف الجزائر.
واعتبر رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد  استرجاع رفات 24 من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي بالكسب الكبير الذي يعد " انتصارا للدبلوماسية الجزائرية وللرئيس عبد المجيد تبون عشية الاحتفال بالذكرى المزدوجة لعيد الاستقلال والشباب".
ودعا بلعيد إلى ضرورة بناء جدار وطني حقيقي والانطلاقة نحو بناء اقتصاد قوي لحل كل الإشكالات الموجودة في الجزائر، كما دعا بالمناسبة إلى ضرورة المشاركة في صياغة دستور جديد من أجل تحقيق انطلاقة قوية لبناء الجزائر الجديدة التي ينشدها الجميع.
وقال يوسف مشرية مستشار وزير الشؤون الدينية والاوقاف " إن ما تحقق اليوم باسترجاع رفات أبطال الجزائر العائدين إلى وطنهم بعد منفى دام 170 سنة، يعد قيمة من قيم الوفاء للشهداء الذين حق لهم أن يدفنوا في أرض بلادهم الطاهرة التي سقوها بدمائهم" وأضاف " إن احتجاز هذه الرفات وتلك التي ما تزال في فرنسا لمدة 170 سنة يعد وصمة عار في جبين الجمهورية الفرنسية الخامسة التي تدعي بنشر قيم الحرية والمساواة والأخوة "، كما اعتبر بأن" هذا الإنجاز الذي حققته الجزائر تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، يعزز قيم المواطنة في نفوس الأجيال الجديدة الصاعدة ويعد أيضا فاتحة خير لاسترجاع ما تبقى من الجماجم سيما جمجمة محمد بن علال وزير حربية الأمير عبد القادر".
شباب وأطفال لم يتخلفوا عن الحدث

وأعربت رانيا مرسي ( 18 سنة ) الطالبة بكلية الصيدلة، التي حضرت رفقة شقيقتها ووالدتها، عن فخرها واعتزازها باسترجاع رفات رموز المقاومة الشعبية وحيت كل من ساهم في إماطة اللثام عن هؤلاء الشهداء الأجداد مبرزة اهمية ربط جيل اليوم بماضي وتضحيات أبائهم وأجدادهم في سبيل استقلال البلاد وسيادتها.
وقال الطفل صالح بوحيدر ( 15 سنة ) "لقد حرص والدي على اصطحابنا معه لنترحم على أرواح شهداء المقاومة وتوديعهم، لنتعرف على تاريخ بلادنا" وأضاف" أفتخر بهذه الفرصة التي لم أكن أحلم بها للترحم على أرواح الرعيل الأول للمقاومة الشعبية الجزائرية ".
من جهتها حضرت التلميذة نور الهدى بن قويدر ( السنة الرابعة متوسط ) رفقة والدها وبعض أفراد العائلة للترحم على أرواح رموز المقاومة الـ 24 الذين قالت أن لولا كفاحهم ولولا جهاد وكفاح أبطال ثورة التحرير المجيدة لما تمكنا من العيش اليوم في كنف الحرية والسيادة الوطنية وأعربت عن اعتزازها كون أحد الرفات الـ 24 كما قالت هي لجدها الشهيد مختار بن قويدر الذي استشهد في آخر معركة للأمير عبد القادر المعروفة بمعركة زملال في شلالة العذاورة بولاية المدية.
ودعا الوزير الأسبق للشؤون الدينية الدكتور سعيد شيبان (  95 سنة ) عامة الجزائريين وخاصة جيل الشباب إلى أخذ العبرة من هذه المناسبة التاريخية ومن كفاح وجهاد أبطال المقاومة الذين جابهوا أعتا قوة استعمارية في العالم في القرنين التاسع عشر والعشرين للدود عن الوطن والوعي بأهمية الوحدة الوطنية"، مؤكدا بأن " أبطال المقاومة الشعبية الـ 24 الذين حضرنا للترحم عليهم وتوديعهم إلى مثواهم الأخير هم عينة ممتازة من كل الجزائريين الذي الذين استشهدوا في مختلف معارك استرجاع حرية البلاد وسيادتها من المحتل الغاصب".
عبد الحكيم أسابع

الرجوع إلى الأعلى