أكد الباحث في التاريخ الدكتور لزهر بديدة ، أمس، أن مظاهرات 11 ديسمبر 1960، تعد منعرجا حاسما ومحطة بارزة في مسار الثورة التحريرية، مبرزا أن هذه المظاهرات التي عمت مختلف مدن الجزائر، هي دليل على تناغم و تفاعل وانسجام بين قيادة الثورة والجماهير الجزائرية، واعتبر أن الرهان كان على الجماهير في المرحلة الأخيرة، حيث استطاعت جبهة التحرير الوطني ، أن تجند الجماهير في الجزائر وحتى في فرنسا .
وأوضح الباحث في التاريخ الدكتور لزهر بديدة في تصريح للنصر ، أمس، أن مظاهرات 11 ديسمبر 1960، محطة من محطات الثورة التحريرية، البارزة  وجسدت مفهوم أن الثورة احتضنها الشعب بكل فئاته ، حيث خرج في هذه المظاهرات الأطفال والنساء والشيوخ وكل أصناف تركيبة المجتمع الجزائري ، مضيفا أن هذه المظاهرات عمت مختلف مدن الجزائر من الغرب حتى الشرق،  لها دلالات، على أنه رغم الحصار الذي لحق بجيش التحرير الوطني وانكفائه تقريبا في البوادي والجبال  بشكل كبير، إلا أن المدن التي احتضنت فئات كبيرة من الشعب الجزائري، هي مستعدة في هذه المرحلة أن تحمل مبادئ وأفكار ومطالب جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة .
وأشار الباحث في هذا السياق، إلى الظرف الحساس التي جاءت فيه المظاهرات، وذلك بعد فشل محادثات مولان في جوان 1960 ، كما أنها جاءت في فترة تعقد  فيها هيئة الأمم المتحدة دورتها ، حيث كانت رسالة للدول المساندة للثورة الجزائرية أن تضع القضية الجزائرية، كقضية دولية وقضية أمن وسلم يجب حلها في القريب العاجل،  كما أنها جاءت في سياق تاريخي آخر، حيث كان  ديغول يروج لمشروع الاستفتاء حول فكرة تقرير المصير المبرمج في 8 جانفي 1961 ، وهذا المشروع لم يكن يلقى الموافقة من عموم الفرنسيين وقد استثمرت الثورة  في هذه التناقضات الفرنسية وأمرت بخروج الجزائريين ليقولون، لا  لمشروع ديغول ولا لمشروع المستوطنين، موضحا أنه في هذه السياقات جاءت المظاهرات التي عمت البلاد والتي نادت باسم الحكومة المؤقتة وإطلاق سراح المعتقلين ، ونادت باسم الجزائر العربية المسلمة وأن الشعب الجزائري يجب أن ينال حريته ويسترجع سيادته ولم تتوقف هذه المظاهرات إلا بعد ما أصدرت الحكومة المؤقتة بيانا أو تصريحا، بأن المظاهرات التي عمت الجزائر من غربها إلى شرقها حققت مرادها، وقد فهم ديغول الرسالة من هذه المظاهرات بشكل واضح بأن الجزائريين من كافة طبقاتهم و جغرافيتهم هم متحدون خلف جبهة التحرير الوطني .  
ومن جهة أخرى أبرز، الدكتور لزهر بديدة، الدور البارز للشباب والأطفال في هذه المظاهرات ، حيث كان الشباب  عاملا  أساسيا  فيها و كانوا ينقلون الرايات والمعلومات بين المتظاهرين في الأحياء وفي كل المناطق، مضيفا في هذا السياق، أن الثورة التحريرية ، ساهم فيها الجميع وكان الشباب هو العنصر الأساسي، لأنه يمثل القوة والإقدام،  كما أشار إلى انضباط  الجزائريين خلف شعارات جبهة التحرير الوطني التي أمرت بها  و أيضا الانضباط في مواقيت الدخول والخروج وحتى في الساحات التي كان المتظاهرون يمرون عليها والحرص على سلمية المظاهرات، حتى يبينوا أن فرنسا هي المجرمة وهي التي تستعمل العنف المادي واللفظي .
وأوضح في هذا الإطار، أن التكوين السياسي الذي كان يقوم به حزب الشعب وحتى باقي الحركات الوطنية الأخرى، كجمعية العلماء قد أتى ثماره في هذه المرحلة، بمعنى أن الشعب الجزائري، بعد اندلاع الثورة أصبح لديه تكوينا سياسيا عاليا يميز بين المشاريع السياسية والأفكار السياسية والأطروحات السياسية، وهذا التكوين جعله يفهم كل ما تريده جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة وكل ما كان يريده ديغول وبالتالي اختار المعسكر الذي هو أصيل والذي دافع عنه وهو معسكر جبهة التحرير الوطني والثورة التحريرية، وأكد الباحث في هذا السياق ، أن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ، هي دليل على تناغم أو تفاعل أو انسجام بين قيادة الثورة والجماهير الجزائرية ودليل على مصداقية هذه الجماهير،  موضحا أن الملف الجماهيري كان رهانا ، بحيث أن ديغول لما جاء للجزائر،  جاء يروج ويلتقي مع الجماهير ، وبالتالي من يكسب الجماهير والذي يستطيع أن يجند هذه الجماهير هو الذي سيربح المعركة ،  مؤكدا أن  جبهة التحرير الوطني، استطاعت  أن تجند الجماهير في الجزائر وحتى في فرنسا،  وهذا التجنيد هو الذي مكنها  أن تضغط على ديغول،  موضحا أن الرهان كان على الجماهير في المرحلة الأخيرة ،  وهذه الجماهير ربحتها الثورة، سواء في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 أو مظاهرات 17 أكتوبر 1961 في فرنسا .
مراد - ح

الرجوع إلى الأعلى