عبّرت المجموعات البرلمانية الممثلة في المجلس الشعبي الوطني عن "توافق تام" وموقف موحد حول دعم القرارات التي اتخذتها الدولة ومختلف مؤسساتها للرد على استفزازات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجهات فرنسية أخرى، وعبّرت بصوت واحد عن رفضها المطلق التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، كما دعت إلى الرد على هذه التهجمات عبر مجموعة من الخطوات العملية أبرزها تفعيل قانون تجريم الاستعمار لكن في إطار عام تاريخي وسياسي واجتماعي موسّع وبمشاركة أطراف ونخب.
احتضن المجلس الشعبي الوطني أمس ندوة تحت عنوان "البرلمان الفرنسي.. كفى حروبا بالوكالة" رد من خلالها رؤساء المجموعات البرلمانية ونواب من الغرفتين على التصريحات الاستفزازية الصادرة عن الرئيس الفرنسي ضد الجزائر قبل أسابيع قليلة وعلى ما يقوم به نواب من البرلمان الفرنسي في نفس الاتجاه.
 وأشرف على الندوة نائب رئيس المجلس، منذر بودن، الذي قال في كملة له بالمناسبة إنه بعد تصريحات الرئيس الفرنسي العدائية اتجاه الجزائر جاء الدور على البرلمان الفرنسي الذي ودون خجل يقوم بحرب بالوكالة لصالح لوبيات همها الوحيد هو الضغط والابتزاز من خلال حشر أنفه في الشأن الداخلي بجملة مغالطات وادعاءات باطلة.
وأضاف بودن في هذا السياق بأن البرلمان الفرنسي يتجاهل كون الجزائر دولة مستقلة كاملة السيادة تعمل وفق منظور مؤسساتي، ويجهل تماما واقع الوضع السياسي في الجزائر وتحولاته النوعية المستمرة، وكل ما يقوم به من تحاليل وخرجات استعراضية مبني على أشخاص ولوبيات منتقاة استعملت كل الطرق والأساليب لزعزعة استقرار الجزائر لكنها لا ولن تقدر.
وشدد نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني على أن "الجزائر لا تحتاج درسا من أحد"، ورهانها يبقى حكمة وتبصر الجزائريين الذين أظهروا متانة الجبهة الداخلية، معتبرا أن خرجة البرلمان الفرنسي تدخل في خانة التحرشات والاستفزازات والابتزازات التي تتجاوز اللباقة الدبلوماسية وتمس بالشراكة البرلمانية بين البلدين.
وبرأي المتحدث فإن البرلمان الفرنسي سمح لنفسه بأن يستعمل كأداة طيّعة لتمرير أجندات معروفة همها التشويش على الجزائر داخليا وخارجيا، ومن هنا –يضيف المتحدث- يحتفظ المجلس الشعبي الوطني بكامل حقوقه في الرد  بما في ذلك تحريك الآليات القانونية المخولة له باقتراح قوانين رادعة في هذا الشأن.
 وأكد أن الجزائر تبقى قوية بشعبها وجيشها تبني علاقاتها على احترام السيادة وتصر على التعامل بندية مع الجميع وكل محاولات التشويش عليها هدفها دفعها للتخلي عن القضايا الإستراتيجية وتعطيل نهضتها.
 من جهته قال سيد أحمد تمامري، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني، إن فرنسا التي تواصل حملتها الاستفزازية ضد الجزائر تارة بالتطرق لموضوع الذاكرة وتارة أخرى بمحاولة التدخل في شؤون الجزائر الداخلية و نسيت أن هذه الجزائر استرجعت قوتها وقرارها السياسي واستقلالها، وهي تنظر اليوم للمستقبل من أجل تقوية اقتصادها واستعادة دورها الإقليمي كزارعة للسلم في المنطقة.
 واعتبر أن تصريحات الرئيس الفرنسي جاءت متناقضة بين ما قاله في بداية عهدته حول معالجة ملف الذاكرة والنظر للمستقبل، وبين التصريحات الأخيرة التي لا تغتفر والتي الهدف منها محاولة إخراج الجزائر عن مسارها التاريخي وتعطيله.
 ومنه أكد تمامري توافق موقف المجموعة البرلمانية والنواب التام مع الردود التي صدرت عن الدولة ورئيس الجمهورية، وعن وزارة الشؤون الخارجية وكل القرارات التي صدرت عن مؤسسات الدولة الأخرى وقال "نسير وراء قيادتنا السياسية بوجه مكشوف وندعم مؤسساتنا ورئاسة الجمهورية والجيش الوطني الشعبي الذي قام بدوره في حماية البلاد منذ الاستقلال".
بدوره قال عبد الوهاب آيت منقلات رئيس المجموعة البرلمانية للأحرار إن فرنسا تناست أن الجزائريين حاربوها ودفعوا مليون ونصف مليون شهيد من أجل الاستقلال الذي لم يكن هدية منها، ويبدو أنها نسيت أيضا كل الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري، مضيفا بأن على فرنسا اليوم أن تدرك بأن الجزائر حرة لها أبناؤها وحكومتها الذين يدافعون عنها ولن تقبل أبدا التدخل في شؤونها الداخلية، وهي لن تقبل أي درس من فرنسا، واليوم فهي تتعامل من منطلق الندية في علاقاتها ومصالحها.
أما رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، فقد رافع من أجل ترجمة رفض البرلمانيين الجزائريين و كل مؤسسات الدولة لكل تدخل في شؤون الجزائر الداخلية إلى إجراءات مؤلمة لفرنسا ولصالح الجزائر، ولذلك اقترح المبادرة الفورية لسن قانون تجريم الاستعمار -مادامت القاعدة الخاصة به موجودة ومادام هناك إجماع بين رؤساء المجموعات البرلمانية - بطريقة تليق بمستوى البلاد يبدأ باعتراف فرنسا بجرائمها ثم الاعتذار فالتعويض.
 وكإجراء آخر دعا إلى رفع التجميد عن استعمال اللغة العربية، ومراجعة الشراكات الاقتصادية مع فرنسا على أساس رابح رابح، وأخيرا التضييق على اللوبي الفرنسي بالجزائر، لافتا أنه لمواجهة هذا الهجوم على الجزائر لابد من رص الصف الداخلي والانتباه لبعض القنابل الداخلية.
 واعتبر محمد طويل، رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي أن العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية وحديث رئيس الجمهورية عن الندية في التعامل أزعج فرنسا، ودعا بدوره إلى بعث مشروع قانون تجريم الاستعمار لكن في إطاره التاريخي والاجتماعي والسياسي بمشاركة الجميع من نخب ومعاهد بحث ودراسات وغيرها.
 أما فاتح بوطبيق، رئيس المجموعة البرلمانية لجبهة المستقبل فقد دعا إلى تشكيل جبهة وطنية صادقة وجبهة برلمانية لرد على كل الاستفزازات الصادرة عن الجهات الفرنسية المذكورة، وقال إنهم في البرلمان على غرار بقية مؤسسات الدولة مستعدين لاتخاذ كل الإجراءات ورد الصاع صاعين.
وطالب كمال بن خلوف، رئيس المجموعة البرلمانية لحركة البناء الوطني، بإجراءات عملية وعدم الاكتفاء بالخطابات الديماغوجية للرد على فرنسا منها إقرار قانون لتجريم الاستعمار بما يضمن الاعتراف والاعتذار والتعويض وفق موقف سياسي وطني سيادي، والمطالبة باسترجاع الثروات الوطنية الكبيرة التي نهبتها فرنسا، واسترداد الأرشيف الوطني ومعالجة ملف الذاكرة، والمطالبة بحقوق المتضررين من التجارب النووية، وتفعيل قانون تعميم اللغة العربية، والمراجعة الجادة للاتفاقيات الاقتصادية والثقافية مع فرنسا والبحث عن شركاء جدد.
وقد تقاطعت جل المداخلات التي جاءت من ممثلي المجتمع المدني ونواب و ممثلين عن الجالية وخبراء في رفض أي تدخل فرنسي في شؤون الجزائر الداخلية وعبروا جميعا عن وقوفهم إلى جانب القرارات التي صدرت عن مؤسسات الدولة في سياق الرد على الاستفزازات الفرنسية.
إلياس –ب

الرجوع إلى الأعلى