أكدت باريس رغبتها في إذابة الجليد الذي يطبع العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وهي الرغبة التي أفصح عنها وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، عقب لقائه الرئيس عبد المجيد تبون، مؤكدا على دور الجزائر المحوري إقليميا سواء في ليبيا أو محاربة الإرهاب في منطقة الساحل ومساهمتها في إرساء دعائم المصالحة المالية.

جسدت فرنسا رغبتها في إعادة الدفء للعلاقات الثنائية مع الجزائر، بإيفاد وزير خارجيتها جون ايف لودريان، أمس، إلى الجزائر حاملا إشارات ايجابية بشأن استعداد فرنسا لطي صفحة الخلاف بعد أسابيع من التشنج الذي طبع العلاقات بين البلدين بسبب التصريحات غير المسؤولة التي أطلقها الرئيس الفرنسي ماكرون مطلع أكتوبر الماضي والتي كانت مقدمة لسلسلة من القرارات التي اتخذتها الجزائر للرد على استفزازات غير مبررة من الجانب الفرنسي.
وقال لودريان، إن زيارته إلى الجزائر تهدف إلى إرساء «علاقة ثقة» يطبعها احترام وسيادة كل طرف، معربا عن «أمله» في العمل على «رفع العوائق وحالات سوء الفهم التي قد تطرأ بين البلدين».
و أوضح السيد لودريان في تصريح للصحافة عقب اللقاء الذي خصه به رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون أنه يتوخى من زيارته إلى الجزائر تحقيق هدفين ألا وهما إرساء «علاقة ثقة بين بلدينا يطبعها احترام سيادة كل طرف، و كذا النظر إلى المستقبل من أجل العمل على بعث شراكتنا الضرورية وتعميقها».
وأضاف الوزير الفرنسي، أن «الجزائر وفرنسا تجمعهما روابط عميقة تميزها كثافة  العلاقات الانسانية بين الجزائريين والفرنسيين» وهي علاقات، وصفها بالمترسخة عبر تاريخ معقد.
كما أعرب رئيس الدبلوماسية الفرنسية عن «أمله في العمل على رفع العوائق وحالات سوء الفهم التي قد تطرأ بين البلدين»، مشيرا أن الطرفين قد اتفقا خلال المحادثات على استئناف بعض محاور التعاون الثنائي.
وقال أن «هذا سيتجسد من خلال استئناف الحوار العملي بين الشركاء بخصوص المسائل البشرية والهجرة وكذا بعث الحوار العملي حول مكافحة الإرهاب ومن خلال جهودنا المشتركة لضمان أمن بلدينا», متمنيا «أن يفضي الحوار الذي نبعثه اليوم إلى استئناف المبادلات السياسية بين حكومتينا في 2022».
وأعرب لودريان عن أمله ان ينتهج البلدان سويا الطريق نحو علاقة هادئة وأن يتطلعا إلى المستقبل، «بغض النظر عن جروح الماضي التي يتعين علينا مواجهتها وحالات سوء التفاهم التي ينبغي أن نتجاوزها».
وقال: «بودي أن أؤكد مرة أخرى أن الجزائر شريك أساسي لفرنسا على الصعيد الثنائي وكذا على الصعيد الإقليمي. نسعى إلى مواصلة تنسيق مبادراتنا الدبلوماسية لدعم مسار الانتقال السياسي في ليبيا بعد مؤتمر باريس الذي شارك فيه وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج رمطان لعمامرة ممثلا للرئيس تبون».
وأبرز السيد لودريان قائلا: «استعرضنا كذلك الوضع في مالي حيث تلعب الجزائر دورا مهما», مؤكدا على أهمية «التزام الجزائر في تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة بمالي».
وأردف بالقول «أحيي هذا الالتزام وأتمنى أن يتواصل حوارنا حول هذا الموضوع».
وفي المنحى نفسه، أكد أن فرنسا والجزائر تواجهان معا «تحديات مهمة في سياق إقليمي ودولي غير آمن»، مبرزا أنه يتعين على البلدين أن يقدما مقترحات عملية «للتحديات التي يمثلها الارهاب في منطقة الساحل وكذا الهجرة غير الشرعية إضافة إلى رهانات التنمية الاقتصادية».
قبل ذلك تحادث وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، مع نظيره الفرنسي  جان-ايف لودريان الذي حل بالجزائر، في زيارة عمل هي الأولى من نوعها بعد الأزمة الأخيرة منذ تفجر الخلاف بين البلدين على خلفية  تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون وقرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بحجة واهية تتمثل في رفض الجزائر استقبال المبعدين، وهي الحجة التي رفضتها الجزائر.
وذكرت وزارة الشؤون الخارجية، إن زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية، ستسمح بتقييم للعلاقات الثنائية، فيما قالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان، إن الهدف من زيارة لودريان واللقاءات التي سيعقدها مع كبار المسؤولين في الدولة هو “تقييم العلاقات الفرنسية- الجزائرية وإحيائها”.
وكانت تقارير فرنسية قد أكدت رفض الرئيس تبون الرد على مكالمات نظيره الفرنسي مؤخرا، كما رفض تلبية دعوة المشاركة في مؤتمر باريس حول ليبيا، وشاركت الجزائر بوزير الخارجية رمطان لعمامرة. وقال رئيس الجمهورية في آخر مقابلة إعلامية مع وسائل إعلام وطنية، بأن العلاقات يجب أن تعود إلى حالتها الطبيعية لكن بشرط وحيد هو أن تكون العلاقات ندية حيث صرح قائلا “يجب أن تعود العلاقات لوضعها الطبيعي، بشرط أنّ الآخر (فرنسا) يفهم أنّ الندّ للندّ ليس استفزازا له، بل صيانة سيادة وطن استشهد من أجله مثلما سبق أن قلت خمسة ملايين و630 ألف شهيد من 1830 إلى 1962”.
وتشهد العلاقات بين الجزائر وباريس أزمة غير مسبوقة، فجرتها إجراءات تخفيض التأشيرات الممنوحة إلى الجزائريين إلى النصف، وكذلك تصريحات ماكرون المسيئة لتاريخ الجزائر، إلى جانب الخلافات القائمة حول تسوية ملف الذاكرة، بالإضافة إلى ملفات أخرى خلافية ذات طابع إقليمي على غرار قضية الصحراء الغربية والوضع في الساحل خاصة في مالي.
وأثار الرئيس الفرنسي غضب الجزائر بعد تصريحات نقلتها صحيفة لوموند، بتشكيكه في وجود الأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وتحدث الرئيس ماكرون عن ملابسات القرار الفرنسي القاضي بخفض نسبة منح التأشيرات للجزائريين، حيث زعم بأن القرار سيستهدف بالدرجة الأولى ما وصفه بأفراد «المجتمع الحاكم الذين اعتادوا التقدم للحصول على تأشيرات بسهولة».
تصريحات ماكرون دفعت الجزائر لاستدعاء سفيرها لدى باريس، وغلق مجالها الجوي في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية، و وصف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في حديث خص به الأسبوعية الألمانية «دير شبيغل»، تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول الجزائر بـ»الخطيرة جدا». قائلا «عندما يصرح رئيس دولة بأن الجزائر لم تكن أمة بأتم معنى الكلمة، فالأمور تصبح خطيرة جدا»، مؤكدا أن الأمر لا يتعلق بمشكل شخصي (مع ماكرون) وإنما هو مشكل وطني». كما أكد السيد تبون أنه «لا يجب المساس بتاريخ شعب و لا يجب الإساءة للجزائريين»، واصفا تصريحات ماكرون بـ»حقد قديم».
وبعد التصعيد الجزائري نقلت الرئاسة الفرنسية عن ماكرون أسفه “للخلافات وسوء الفهم” مع الجزائر، وتأكيده بأنه يكنّ “أكبر قدر من الاحترام للأمة الجزائرية وتاريخها» .
  ع سمير

الرجوع إلى الأعلى