توج المؤرخ، الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني، رائد الدراسات العثمانية في الجزائر مساء أول أمس بـ «وسام العالم الجزائري» الذي تمنحه سنويا «مؤسسة وسام العالم الجزائري» تقديرا لجهوده الرفيعة في المحافظة على الذاكرة الوطنية، وإضافاته القيّمة، وغزارة إنتاجه العلمي في المجالات البحثية المتعددة التي تدخل في مجالات اهتمامه.

كما تُوّج نجله الدكتور معاوية سعيدوني،  المختص في التاريخ والعمران بنفس الوسام الذي اعتادت هذه المؤسسة منحه للعلماء والباحثين والمثقفين الجزائريين.
 وقد تسلمت الوسام الخاص بالدكتور معاوية، والدته نيابة عنه، من يدي والده، نزولا عند طلبه، وقد تابع الحفل عن بعد عبر الأنترنت من مكان إقامته بمدينة مونتريال بكندا.
وجرت مراسم التتويج بوسام الطبعة الـ 12 من هذه التظاهرة العلمية، في حفل كبير، احتضنه المركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال بالجزائر العاصمة، عشية الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، بحضور، رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رضا تير، إلى جانب عدد كبير من الشخصيات العلمية و الثقافية، وبينهم مؤرخون و جمع من الطلبة و الأساتذة الجامعيين.
وقد أكد عديد المتدخلين من كبار ضيوف الحفل سيما المؤرخين وبعض العلماء الذين سبق تتويجهم بنفس الوسام، على القيمة العلمية الكبيرة، التي يتمتع بها كل من الدكتور نصر الدين سعيدوني، ونجله معاوية، اللذين يشهد لهما بالحفاظ على الذاكرة الوطنية باللغة العربية.
كما أشاد المتدخلون بجهود مؤسسة «وسام العالم الجزائري» في تكريم علماء الجزائر حتى غدت لهم الآن – كما ذكروا - مكانة مرموقة في ربوع الوطن تليق بمقامهم العلمي، لمساهماتهم الفعّالة في نشر العلم داخل وخارج الوطن.
وفي أعقاب تتويجه، عبر الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني، عن سعادته بهذا التكريم وقال « هذا الحفل الناجح المبارك هو مبادرة طيبة تشعرنا بأن مستقبل الجزائر سيكون حافلا وبأن للجزائر علماءها ومؤسساتها الخيرية، والتي تعد مؤسسة وسام العالم الجزائري، من الرواد في مجال العمل الخيري والعلمي والثقافي».
ودعا سعيدوني (الأب)، بالمناسبة إلى ضرورة «إعادة التفكير في مفهوم المثقف ومكانته، معتبرا أن المثقف هو الذي يعبر عن تطلعات المجتمع»، منتقدا وجود من أسماهم «مثقفون سلبيون ذوو أطروحات فرنسية يبحثون عن هوية مضللة ومتخيلة للجزائر خارج الهوية الحضارية للأمة الجزائرية».
من جهة أخرى أشار الدكتور سعيدوني إلى فلسفته الرفيعة في تعامله مع الحياة مُوضّحا كيف أنّ العمل مهما كان صغيراً فإنّه من شأنه أن يدفع بعجلة الحضارة إلى الأمام، دون الإغفال عن فضلِ والديه اللذين فتحا له الطريق في البدء وأخذا بيده – كما قال - لتتقاطع ميادين.
رافع سعيدوني من أجل تأسيس «أكاديمية للعلوم الإنسانية من أجل تثمين التميز العلمي باعتباره الهدف من كل نشاط علمي».
ويعتبر الدكتور ناصر الدين سعيدوني، المولود في الـ 10 جويلية 1940 ببئر الشهداء ولاية أم البواقي، من أبرز المختصين في تاريخ الجزائر إبان العهد العثماني والتاريخ العثماني بشكل عام كما أنه من كبار الباحثين في الدراسات الوقفية، بالإضافة إلى اهتماماته بالتراث التاريخي والجغرافي المغاربي وأدب الرحلات.
وحاز سعيدوني على شهادة دكتوراه في التاريخ بجامعة الجزائر عام 1974 بدراسة حول النظام المالي للجزائر أواخر العهد العثماني، تحت إشراف المؤرخ أبو القاسم سعد الله، كما حاز دكتوراه ثانية في التاريخ من فرنسا عام 1988 بدراسة حول الحياة الريفية في الجزائر في أواخر العهد العثماني أيضا.

وشغل المتوج بوسام العالم الجزائري، عدة مناصب في الجامعة الجزائرية كما درّس بجامعات في الأردن والكويت، وشارك في تحرير دائرة المعارف الإسلامية، كما قضى 6 سنوات باحثا ومدققا في الأرشيف الوطني الجزائري، وأصدر أكثر من ثلاثين كتابا، العديد منها مخصص لتاريخ الجزائر العثمانية وتؤكد في معظمها على «المكانة الحضارية للجزائر إبان العهد العثماني» من بينها «دراسات في الملكية العقارية في العهد العثماني» و«الريف الجزائري العاصمي في نهاية العهد العثماني» و«الوقف في الجزائر في العهد العثماني».
انصب اهتمام هذا المؤرخ في البداية على الفترة العثمانية في تاريخ الجزائر، كما اهتم بالتأليف في مجال التراث الجغرافي والتاريخي، المغاربي وأدب الرحلات، قبل أن تتوسع اهتماماته فتوجه للدراسات الوقفية، ونشر 5 كتب حول الأوقاف بمشركة نجله معاوية، من بينها « الوقف في الجزائر »، كما شارك في التأليف ضمن دائرة المعارف التونسية والتركية، فضلا عن إشرافه على تحرير 11 مجلة، بعضها في الجزائر وأخرى في لندن، في ما أنشأ رفقة ابنه معاوية «مؤسسة ناصر الدين سعيدوني في كندا»، ومعلوم أنه يجيد عددا من اللغات خاصة العربية والفرنسية والإنجليزية والتركية.
ألقى العديد من المحاضرات داخل وخارج أرض الوطن من بينها في اليابان والكويت وقطر وإيران، كما حظي بالعديد من التكريمات من بينها حصوله في 2017 على وسام بدرجة ‘’عشير’’ من مصف الاستحقاق الوطني، من طرف رئيس الجمهورية.
أما نجله المعماري والمؤرخ معاوية سعيدوني، فهو من مواليد 20 ديسمبر 1967 في الجزائر العاصمة، زاول دراسته الجامعية في فرنسا وحصل سنة 1990 على شهادة الدراسات المعمقة في مدن المغرب العربي والشرق الأوسط، كما درس التراث المعماري في اسطمبول بتركيا قبل أن يتحصل في سنة 1991 على دبلوم دراسات التخصص العليا في التخطيط العمراني، والتنمية من المعهد الفرنسي لتخطيط المدن بباريس.
بعد عودته إلى الجزائر في 1995 مارس مهنة التدريس كما شغل عدة مناصب بينها منصبا في وزارة التعليم العالي وحظي بعضوية العديد من مشاريع البحث في الجزائر وفرنسا واضطلع خلاها بمنصب مدير عام لمشروع مشترك جزائري فرنسي .
ومنذ 2005 أصبح باحثا في التخطيط العمراني والتراث والتاريخ العمراني في مونتريال بكندا، و يشغل أيضا مهمة إدارة مؤسسة سعيدوني للدراسات التاريخية والعمرانية  في مونتريال والجزائر، ومن أهم مشاريعها حاليا إنجازّ: دائرة المعارف الجزائرية ( المدن الأماكن والمعالم والأقاليم ) ومجلة مقاربات. ويعد معاوية سعيدوني من خبراء الهندسة المعمارية في العالم، وقد حصل خلال مساره على العديد من الجوائز بينها عام 1916 الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والانسانية من المركز العربي للأبحاث في الدوحة بقطر.
لديه العشرات من المؤلفات والدراسات والأبحاث المتخصصة مؤلفا في التاريخ والوقف في التخطيط العمراني إضافة إلى ترجمته للعديد من الكتب من وإلى اللغة العربية واللغة الفرنسية.
معلوم أن «وسام العالم الجزائري»هو مشروع تبنته «مؤسسة وسام العالم الجزائري» حيث يسلم كل سنة، لعالم جزائري «خدم وطنه فترك آثارا علمية أو بحثية أو تربوية أو فكرية طيبة نفع بها البلاد، وكان شرفا لوطنه ومنارة عالمية أعلت من شأن الجزائر في المحافل الدولية».
عبد الحكيم أسابع

الرجوع إلى الأعلى