جاءت قرارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خلال ترؤسه اجتماعا مصغرا للوزراء، لتفكيك الألغام التي تهدد المناطق الجنوبية، و وضع الرئيس مشاكل المنطقة على رأس أولوياته في المرحلة المقبلة، وربط بوتفليقة، بين تجند الدولة على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي لصالح هذه المنطقة وحالة عدم الاستقرار التي تحيط بالجزائر وتتهددها من كل جانب، وبالنظر لخطورة الوضع، جاء الرد على الانشغالات شاملا ولم تقتصر إجراءات الرئيس على ملف الغاز الصخري، بل تعدته لتكون بمثابة أجوبة على انشغالات ومطالب ظلت مطروحة وطالما شكلت هواجس لسكان هاته الولايات.
تراهن الحكومة على القرارات الهامة التي اتخذها الرئيس بوتفليقة خلال الاجتماع الوزاري المصغر، لصالح سكان الجنوب والهضاب العليا، لتفكيك الألغام التي تهدد المنطقة، والتي لم تقتصر على قضية الغاز الصخري ولا مشكل البطالة، والتوظيف في الشركات النفطية، بل تتعداها لتبرز واقع التنمية في الجنوب، فالكثير من المشاريع التي أقرتها الحكومة لصالح الولايات الجنوبية لم تنفذ أو عانت في أحسن الأحوال من التأخير بسبب غياب شركات قادرة على انجازها وامتناع الكثير منها لنقل ورشاتها إلى المناطق الجنوبية بسبب الصعوبات المناخية والمشاكل الأخرى التي تعيق النشاط.   إشكالية غياب ورشات الانجاز، ونقص اليد العاملة المؤهلة، طرح نفسه بحدة في السنوات الأخيرة، وحال دون تنفيذ العديد من المشاريع التنموية لصالح سكان الجنوب، وهو ما دفع الحكومة للتفكير في إنشاء شركات كبرى محلية تتولى تنفيذ هذه المشاريع، إلا أن القرار لم يجد بعد طريقه إلى التنفيذ، وقد تكون للقرارات التي اتخذها الرئيس، وخاصة ما يتعلق بإنشاء مناطق صناعية، الأثر الايجابي لدعم التنمية، ونسف الأخطار التي تتهدد المناطق الجنوبية، خاصة وان الكثير من التحليلات تشير بوضوح إلى وجود أطراف خفية تريد تغذية الاحتجاج في الجنوب. وتستفيد من ذالك، خاصة وان العديد من التصريحات التي جاءت على لسان أكثر من رئيس حزب ذهبت إلى اتهام أطراف بتأجيج الحراك في الجنوب. الهواجس من محاولات زعزعة استقرار البلاد، أثارها بدوره رئيس المجلس الشعبي الوطني، الذي تحدث أمس، عن وجود أطراف تهدف إلى "زعزعة استقرار البلاد و خلق مشاكل بها".وقال بأن الجزائر "ليست دائما في مأمن لا سيما و أنها عانت من كارثة الإرهاب و التخريب بأي وسيلة" مضيفا أن "هؤلاء ليس لهم هدف إلا زعزعة استقرار البلاد و خلق صعوبات وزعزعة الثقة بين الدولة والمواطنين". وقبل ذلك حذر رئيس “تجمع أمل الجزائر”، عمر غول، من “مخاطر توظيف الاحتجاجات الاجتماعية، لأن تأجيج الصراعات سيحرق الجميع”. وأعلن دعم حزبه للحكومة وقال بأن “المجتمع الجزائري يشهد احتجاجات منها ما هو مدفوع وسياسوي ومنها ما هو مشروع”، لافتا إلى أن أطرافا سماهم بـ”المغامرة والمقامرة”، توظف هذا الحراك الاجتماعي لتعديل ميزان القوى وقلب الطاولة، من جانبها اتهمت لويزة حنون، شركات أجنبية، ولوبيات بالعمل على استهداف سوناطراك و وزير الطاقة. ويرى متتبّعون أن القرارات الهامة التي اقرها الرئيس بوتفليقة، جاءت بغرض التصدّي لـ" ريح الجنوب"، و وضع حد للازمة العميقة بين المواطن والمسؤول، والتي طفت إلى السطح في مناطق لم تشهد عادة مثل تلك الاحتجاجات، فلا زيارات المسؤولين والنواب، بل ولا حتى الوزراء سمحت بتهدئة الخواطر، ولم تشفع حتى تطمينات الوزير الأول، واستدعى الأمر تدخل الرئيس شخصيا والذي وضع خارطة طريق واضحة المعالم ومحددة الأهداف لتفكيك ألغام لا تهدد أبار النفط فقط بل الجنوب كله.
ويؤكد المتتبعون على ضرورة، تنفيذ القرارات التي وضعها الرئيس في أقرب الآجال، لقطع الطريق أمام محاولات تسييس الاحتجاج الشعبي وتحويله عن طابعه، وكذا رفع الغبن عن الكثير من المناطق التي تعاني من تأخر التنمية وتفشي البلاد، لضمان الاستقرار بعيدا عن كل المزايدات السياسية والخطب الشعبوية التي لم تعد تجدي نفعا. وربط الرئيس بوتفليقة، بين التنمية بهذه المناطق والمشاكل الأمنية التي تواجه الجزائر، مؤكدا "تجند الدولة على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي لصالح هذه المنطقة من وطننا التي يشهد جوارها مع الأسف وضعية لا استقرار خطير بما في ذلك على أمن بلدنا". ولعل من أهم القرارات التي اتخذها الرئيس بوتفليقة، خلال اجتماع الوزراء المصغر، منح الأولوية لولايات الجنوب والهضاب العليا لدى تنفيذ البرنامج الخماسي الجديد للتنمية، مع الحرص على ترقية مشاركة أوسع للمجتمع المدني في صياغة تصور للتنمية المحلية ومتابعتها من خلال البرامج التنموية البلدية، وهو ما قد يكسر الحواجز البيروقراطية التي كانت تعيق المبادرات المحلية للتكفل بمشاكل السكان، من أجل مشاركة أفضل للمجتمع المدني في التسيير المحلي. فالمشاكل التي يعاني منها سكان بعض المناطق الجنوبية، خاصة ما يتعلق باستخراج الوثائق الإدارية، دفعت الرئيس بوتفليقة إلى التعجيل بتنفيذ مشروع التقسيم الإداري الجديد، وذلك بإنشاء ولايات منتدبة بولايات الجنوب قبل الصيف المقبل "بوسائل معززة و صلاحيات موسعة" بغية تقريب الإدارة من الشعب.، وهو الإجراء الذي سيتوسع في أفق 2016 لولايات الهضاب العليا لتحقيق تهيئة منسجمة للتراب الوطني و توزيع إقليمي أمثل للسكان. قرارات الرئيس وضعت أولى الخطوات لبعث قاعدة صناعية حقيقية في الهضاب العليا والجنوب، حيث ستشهد مناطق الجنوب والهضاب العليا إنجاز "عدد معتبر" من المناطق الصناعية وعصرنة الوحدات الصناعية العمومية و سيتعلق الأمر أيضا ببناء محطات لتكرير المحروقات و التحضير لاستغلال حقول الحديد بغار جبيلات و تكثيف استغلال المحاجر. فضلا عن التحفيزات المقدمة لصالح الاستثمارات الخاصة الوطنية أو الأجنبية بالشراكة، بالموازاة ستستفيد ولايات الجنوب و الهضاب العليا من مشاريع فلاحية جديدة تتضمن استصلاح مليون هكتار. و تعزيز الري مع إبلاء أهمية خاصة لترقية المستثمرات الفلاحية لصالح الشباب. كما امر بوتفليقة، الحكومة لتتناول بالمزيد من الشرح التحفيزات الممنوحة في مجال الاستثمار بهذه المناطق الحيوية و انعكاسات مختلف المبادرات العمومية المتخذة لصالحهم. وطالب بمواصلة الشروحات لفائدة السكان في مسألة الغاز الصخري المثيرة للجدل، كما دعا الرئيس بوتفليقة الحكومة إلى تنظيم "نقاشات شفافة" من أجل تجاوز "سوء الفهم" و "المخاوف" و تمكين كل جزائري من فهم أمثل للرهانات الطاقوية لما بعد النفط. مشيرا بأن عمليات الحفر التجريبية التي تمت بعين صالح ستنتهي في القريب العاجل و أن استغلال الغاز الصخري ليس واردا في الوقت الراهن. كما شدد على ضرورة السهر بصرامة على ضمان احترام المتعاملين المعنيين للتشريع من أجل حماية صحة المواطنين والحفاظ على البيئة.                   

أنيس نواري

الرجوع إلى الأعلى