الشاعر الفرنسي كريستيان بوبان/   ترجمة: أحمد عبد الكريم
تنقّر العصافير الكلمات التي تسقط على التّراب. تتأرجح مناقيرها المنتشية تماما كما يفعل الحاخامات أمام حائط المبكى.
أي شيء يشبه حياة الكتابة. إذا لم تكن حلم عصفور. وهو يتأمّل السّماء الفارغة، ينسى للحظة الجوع الذي ينهش المتاه الصغير في أحشائه؟

أيّتها العصافير الحبيبة كم تدفعين ثمن الإيجار؟
أحسُّ أن وجهي يضيء، كما لو أن الكتاب الذي أنكبُّ عليه شمعة.
الأشجار عُميان تائهون في النور. يلوّحون بأذرعهم بلا هدى.
شجرة، عصفورا أو صينيا، عندما يتكلم أحد حقا ليس ثمة موت. الصّوت الأخويّ يجمع الأكوان، يهدهد إغفاءة النّجوم.
أسماء الكتّاب الراحلين نواقيس. بذكرهم أسمع ارتجاجها.
هواء ملوّن بالأخضر يتسلّل من النافذة. يوقظني شدو شحرور. كنت غفوت دون أن أنتبه، بالنسبة لمن ولدوا بعد موتك أنت أقدم من لويس الرابع عشر.
بالنسبة لشعراء القرن الثّامن عشر في الصّين أنت أصغر من عصفورة الربيع.
صوت آنا آخماتوفا*. شجن الحب في 1912.
الهجران هو هذه الهزّة الأرضيّة التي يتنبّأ حيوان القلب بها قبل حدوثها.
الشّعر هو أقصى إحساس يمكن لرجل أو امرأة أن يعرفه. حدٌّ زائد وتنفجر رئة اللغة،
كرئات غوّاصين يصعدون بسرعة من عمق المحيط.

*  *  *  *  *  *  *

جاثيا على ركبتيّ في العشب السامق أقطف طيور الوقواق. أشعر بيد المطر الدافئة تمسح كلّ ديوني في البنك.
ينفلت الصّقر من قبضة الفارس المغولي ذي القفّازين، كي يقع على الثعلب المذعور  في السّهل. ما إن يسلم الروح، حتى يُرمى الحيوان على سرج الحصان. فروه الدّسم المحمرّ كلون غروب الشّمس: حزنٌ مرميٌّ على الجلد.
آخر مشهد هو المروحيّة التي صعدت بجسدك المفرغ من روحك إلى سّماء جليدية في شهر أوت.
تنتمي العيون للسّماء وليس للجسد.

أيّتها الظّلال الصغيرة في العيون، وفي الصّوت. أنت باردة أيّتها الظّلال الصغيرة. إنّها باب الجحيم نسُوا أن يغلقوها.
وأنت تشهدين جنازتك بنفسك، تقفين بجانب تابوتك، بيد مستندة إلى خشب البلّوط الفاتح.
كتابٌ في سوق الأغراض القديمة. في بعض المرّات ميّت يمدّ لي يده ويقول لي:
لا تتركني، من فضلك.
القطّ المتوحش يمرّ أمام النافذة. أسود، مفتول العضلات، مخالبه من فولاذ، في عينيه الخضراوين تدور الكواكب، وتتكدّس اللّيالي والحروب.
 الحيا ة-هي أن تتسلّق جبلا ثلجيا، خطوة بخطوة، بعيون مشتعلة.
جريدة البارحة تلك التي في المزراب: قفّاز ميت، خلية مخرّبة. إذا كانت القصائد لا تعرف هذه النهاية ذلك لأنّها تحكي قصصا عن السماء، وليس أخبار العالم.
بيانو «باخ» مطر يتساقط على البحر هو لا شيء، ولكن لماذا تبدو لي هذه الوشوشة أعلم من العلماء.

أفتح الحقيبة المصنوعة من القصب حيث يرقد فستانك الهنديّ القصير، سترتك «الهيبي»، وكلّ الأوشحة الشبيهة بالعصافير المتقاطعة في قوس قزح. إذا كانت النّساء تجمعن الأحذية والفساتين، فذلك لأنهن تبحثن عبثا عن القصيدة. هذه القطع صارت الكفن الملوّن لظلّك على الأرض.
خفيفا كشعاع القمر، حسّاسا لأدنى أثر من أنفاسك، يعرف الوشاح في عنقك، كلّ شيء عن روحك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* آنا أخماتوفا هو اسم مستعار لآنا أندرييفنا غورنكو شاعرة روسية تعتبر من أبرز شاعرات روسيا في عهد الاتحاد السوفيتي، وتعتبر من أشهر المؤثرين في الشعر الروسي، وقد تم ترجمة أعمالها إلى العديد من اللغات، وتم اعتبارها من أشهر الشعراء الروس في القرن العشرين.

الرجوع إلى الأعلى