هل صالح الحراك الشعبي، المواطن الجزائري مع السياسة والحياة السياسية والفعل السياسي، وهل يمكن التأكيد أنّه ساهم في عودة اهتمام الشارع الجزائري بالحياة السياسية، وكيف يمكن تفسير أو قياس مستويات الثقافة السياسية التي أظهرها الفرد الجزائري من خلال شِعاراته وحتى بعض تصريحاته لمختلف القنوات الفضائية؟. وهل الممارسة السياسية بالنسبة له ستبقى في حيز ونطاق التعبير عن الرأي في الشارع والفضاءات العامة من خلال مطالب وشعارات فقط، وحين ينتهي الحراك سيعود إلى يومياته العادية ومتطلبات الحياة اليومية، أم أنّه سيواصل اهتمامه بالسياسة وشؤونها، ويتحوّل نحو الفعل/ أو الانخراط السياسي الواعي والمشبع بثقافة سياسية مُدركة ومُلمة بحيثيات ما يحدث من أوضاع تخص البلد؟ وهل يمكن التأكيد أنّ آفاق بلورة وعي الشباب وتحويله إلى معترك السياسة المباشرة قد يتشكل خلال هذه الأوقات الراهنة، أم أنّ الأمر سيتأخر، بمعنى هل هذا الوعي الجديد والابتدائي ستتمخض منه وعنه مشاركة سياسية ناضجة وانخراط في الحياة السياسية وشؤونها، أم أنّ تحقيقه لن يكون الآن وإنّما في المدى البعيد. أيضا هل يمكن الجزم، أنّ مستوى الوعي السياسي لدى أوساط المجتمع الجزائري ليس وليد فترة الحراك الراهنة وحسب، بل هو قديمٌ، وأنّه استيقظ في هذا الظرف الحساس الذي يعيشه الوطن، وأنّ الأمر الآن هو عبارة عن مرحلة عودة اتصال الفرد الجزائري بالعملية السياسية عمومًا بعد انقطاع لأكثر من عقد من الزمن.
استطلاع/ نوّارة لحـــرش
حول هذا الموضوع «الجزائري والمصالحة مع السياسة»، كان ملف «كراس الثقافة» لعدد اليوم، مع مجموعة من الأساتذة والباحثين الأكاديميين.

محمّد الصديق بن زعتات/ باحث أكاديمي وأستاذ العلوم السياسية –جامعة قسنطينة 3
الحراك الشعبي أعاد اهتمام الشارع الجزائري بالحياة السياسية
لا شك أنّ الحراك الشعبي الجزائري قد قدم صورة مغايرة تماما للصورة النمطية التي ميزت المجتمع الجزائري سواء من ناحية التوجه السلمي أو حتى من جهة العفوية البعيدة عن أي تأطير حزبي أو جمعوي لهذا الحراك، وهذا إن دل على شيء فإنّه يدل على نقطتين أساسيتين: تتعلق الأولى بانخفاض مستويات ثقة المجتمع وكذا العزوف السياسي اتجاه التنظيمات السياسية الجزائرية بمختلف تركيباتها وحتى توجهاتها وإديولوجياتها، خاصة أمام غياب الأرضية الملائمة لنقل المطالب الشعبية إلى دوائر صناعة القرار السياسي في الجزائر.
في المقابل، يمكن ملاحظة عودة اهتمام الشارع الجزائري بالحياة السياسية بعد بدايات الحراك السياسي في الجزائر، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره من خلال مستويات الثقافة السياسية التي يتمتع بها الفرد الجزائري، الراجعة حتما إلى سهولة حركية المعلومة «عالميا» من خلال «مخرجات العولمة» عمومًا بدءا من الثورة الإلكترونية وصولا إلى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. حتى أنّه يمكن الإقرار بأنّ مستويات الثقافة السياسية للشعب الجزائري الملتمسة خلال فترة الحراك قد تعدت في بعض الأحيان مستويات الثقافة السياسية لعلبة صنع القرار الجزائري. والحقيقة أنّ مستوى الوعي السياسي لدى أوساط المجتمع الجزائري ليست وليدة فترة الحراك الراهنة وحسب، بل هي متجذرة لدى الفرد الجزائري بناءً على خبراته منذ الفترة الاستعمارية مرورا بفترة تسعينيات القرن الماضي وصولا إلى المرحلة الحالية التي يمكن اعتبارها مرحلة عودة اتصال الفرد الجزائري بالعملية السياسية الجزائرية عمومًا بعد انقطاع لأكثر من عقد من الزمن.
ولكن لا يعني ذلك الجزم نهائيًا بعودة الفرد الجزائري إلى المشاركة في الحياة السياسية الجزائرية عموما ومرد ذلك لأسباب عدة نذكر منها: أنّ الحراك الشعبي في الجزائر لا يزال في بداياته خاصة مع الارتفاع النسبي للمطالب الشعبية «أو مدخلات علبة صناعة القرار الجزائري» ما يعني أنّ الحراك لم يصل بعد لنقطة النهاية التي تمكننا من الحُكم على فاعلية وتأثير المشاركة السياسية في الجزائر.
مطالب المجتمع الجزائري «السياسية» لحد الآن لا تزال مطالب مجتمعية عامة تحتاج للتأطير أكثر، من خلال وضعها داخل قوالب تنظيمية في صورة أحزاب سياسية فعّالة وكذا من خلال تنظيمات المجتمع المدني التي تدفع بالمواطن إلى زيادة فعالية المشاركة والاهتمام بالحياة السياسية.
ولكن لن يتحقق هذا التصالح مع الحياة السياسية الجزائرية إلاّ اعتبارا إلى مخرجات علبة صناعة القرار في الجزائر والتي من شأنها أن ترفع من مستويات ثقة المجتمع في الحياة السياسية والتي ستدفعه حتمًا إلى التوجه نحو المشاركة السياسية الفعّالة أو أن تدفع بالمجتمع إلى حالة إحباط أكبر ستجعله يبتعد مرّة أخرى عن الحياة السياسية إجمالا وكذا عن الفعالية المجتمعية الضرورية لضمان السير الحسن والفعّال للعملية السياسية داخل علبة صناعة القرار بالاستناد إلى أهمية الفرد والمجتمع في عملية «العقد الاجتماعي» للدولة.
فهم التوليفة السابقة الذكر «مجتمعة طبعًا» وتطبيقها من شأنها أن تقود إلى ارتفاع مستويات المشاركة السياسية بالطريقة التي تدفعها حتمًا إلى الرفع من مستويات ثقة المجتمع الجزائري بعملية صناعة القرار داخل الجزائر وبالتالي المساهمة في بناء الحياة السياسية داخل الوطن.

عبد القادر دندن/ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية -جامعة باجي مختار، عنابة
ثقافـة سياسيـة مُفاجئــة أظهـرهـا الشـــارع والحراك
قد يُصبح الشارع صورة الأمة، ومؤشرا على مدى وعيها، وانعكاسًا لضميرها، وفيه تتجلى القيم المجتمعية مظهرا وسلوكًا، وتتبدى التناقضات على مختلف الصُعد، ومن المفارقات السوسيو-ثقافية أنّ الشارع الجزائري الّذي طالما وُصِم بالتخلف واللامبالاة والفوضى، قد أصبح مُرادفًا للتحضر والسلمية والوعي منذ بداية الحراك الشعبي نهاية فبراير المنصرم، بل أنّ هذا الشارع تجاوز بكثير السُلطة الحاكمة والنُخب الأخرى، لاسيما الثقافية والعلمية منها.
ويمكن تبين ذلك سواء من حيث عدم قدرة تلك النُخب السياسية والأكاديمية على التنبؤ بحراك الشارع وبتوقيته وبالمسارات السلمية التي اتخذها، خصوصًا مع الصورة النمطية والتثبيطية التي طالما تمّ رسمها من طرف السياسيين وحتى الأكاديميين للفرد الجزائري باعتباره مُتعصبًا ومزاجيًا وحتى عنيفًا، وهو ما تمّ استغلاله طويلا للترويج لمقولة عدم صلاحية مثل هذا المجتمع للديمقراطية، وعدم قابليته للتغيير السلمي، أو من حيث مستوى الوعي العالي الّذي أثبته الشارع ليس من خلال سلميته فحسب، بل من حيث كذلك ثقافته السياسية المُفاجئة للكثيرين، والتي تجلت في نوعية وقيمة الشعارات المرفوعة، ودلالاتها السياسية والسيميائية العميقة، ومُواكبة المسيرات للتطورات الحاصلة في الساحة السياسية ولتدرج السلطة في تعاملها مع مطالبه، إلى الحد الّذي يمكن أن نسند فيه لكلّ جمعة عنوانًا معينًا يعكس مجرياتها وأهدافها، كما انتشرت في الأوساط العامة ثقافة دستورية كانت مُغيبة طويلا، فأضحت التحليلات الدستورية -ولو على بساطتها غالبًا وعموميتها- مُنتشرة بشكل مُكثف حتى في الأوساط الشعبية البسيطة، وقد أصبح جليًا أنّ السياسيين والأكاديميين هُم من يُواكبون حراك الشارع وليس العكس.
هذه الديناميكية العكسية التي جعلت الشارع يتسيد الموقف على حساب النُخب، وإن كانت لها دلالاتها الإيجابية على الصورة الجمعية للمواطن الجزائري الّذي أعاد اكتشاف ذاته ومحاسنه ومواطن قوته، ولكنّها في ذات الوقت لها دلالاتها السلبية والخطيرة عندما يتعلق الأمر بالنُخب المجتمعية، فأن يتقدم الشارع بما يحتويه من مواطنين بسطاء ذوي مستويات تعليمية وثقافية متوسطة عمومًا أو حتى مُتدنية، ومعهم شباب الملاعب من أنصار الفِرق المُختلفة، وتتأخر الصُفوة سواء من الأكاديميين والمثقفين أو السياسيين، فذلك اختلالٌ خطير في سُلم الوعي الاجتماعي، فأين كانت تلك النُخب؟ ولماذا تأخرت أو تقاعست؟ وما هو موقعها من الإلمام بحركية المجتمع وبهمومه وبمطالبه وبوسائله التعبيرية عن حالة الاحتقان التي يُعانيها؟ لقد كشف الشارع سوآت النخبة وأظهرها للعلن، لقد بيَّن حالة الانفصام التي تعيشها تلك النُخب، فهي من جهة وبقوة الانتماء جزء لا يتجزأ من المجتمع، ولكنّها في واقع الحال بعيدة عنه ومُنفصلة عن واقعه، وهنا نستحضر مرّة أخرى مقولة البرج العاجي التي حاولت عِدة مقاربات تحطيمها وعلى رأسها «ما بعد السلوكية» التي دعت لتقريب العِلم من الإنسان، وجعله في خدمة قضاياه المصيرية ومناقشة مشاكله العويصة، أو فكرة المُثقف العضوي التي تبناها «أنطونيو غرامشي»، وإن كان هنالك من عِبر ينبغي استخلاصها من حركية الشارع، فإنّنا نجد أنفسنا كنخبة أمام حتمية تبني مقاربة تقييمية لخطاباتنا ولتوجهاتنا ولتصوراتنا تُجاه ذواتنا وتُجاه مجتمعنا، حتى يحدث ذلك التوازن الاجتماعي الّذي يكفل سيرا سليمًا لمسار التغيير، بالمزاوجة بين حماس الشارع وعقلانية النُخب.

إبراهيم بن دايخة/باحث أكاديمي وأستاذ العلوم السياسية -جامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 3
يجب استثمار الحراك في بناء ثقافة سياسية متينة لدى الفرد الجزائري
من الواضح أنّ ما قدمته وتقدمه الهبة الشعبية الجزائرية تحت مُسمى الحراك الشعبي، مثل ثورة حقيقية على مستوى منسوب الوعي لدى الفرد الجزائري بكلّ أطيافه ومشاربه الفكرية. فبـين القطيعة التي طبعت علاقة الفرد بالحياة السياسية، إلى ارتفاع قياسي في مستوى الوعي والاهتمام بالشأن السياسي للجزائر، تساؤلات تُطرح حول أهمية استثمار هذا الوعي، واستغلاله في بناء قاعدة متينة من المشاركة السياسية، التي تنم عن وعي وثقافة سياسية عالية. إذ لا يمكن قياس هذا الاهتمام والوعي ذي الطابع الظرفي (نتيجة تحولات معينة) بمدى انتشار ثقافة سياسية، يكون من مخرجاتها جملة سلوكيات وممارسات سياسية تصب في إطار المشاركة السياسية الفعّالة.
يعتبر الوعي السياسي، «مسارا» من خلاله يدرك الفرد واقع مجتمعه ومحيطه، كما يتيح سُبل معرفة طبيعة الظروف السياسية، الاجتماعية والاقتصادية المحيطة، دون إغفال دوره في وضع الفرد أمام تشخيص لمشكلات العصر، وإحاطة بمختلف القِوى المُؤثرة في صناعة القرار على المستوى الداخلي أو الخارجي. وإجمالا، يمكن القول بأنّه طريق كلّ فرد نحو معرفة حقوقه وواجباته.
إذا ما حاولنا إسقاط هذه المعاني على مُسببات الحراك الشعبي في الجزائر، نستشف توافر الكثير من منطلقات الوعي السياسي لدى الفرد الجزائري خلال هذه المرحلة، إذ يكفي الحديث عن الاهتمام المُتزايد بالشأن السياسي، بل بتفاصيل ومسارات، كانت إلى الماضي القريب أبعد ما تكون عن مجال اهتمام الجزائريين، أين أضحى الجزائري بغض النظر عن مستواه العلمي أو الثقافي، يخوض بنمط من الجدية في نقاشات وتبادل للأفكار، حول حقيقة مسار الانتقال السياسي، وهي النقاشات التي صبت معظمها في الماضي القريب حول اهتمامات منحصرة بالشأن الرياضي وتحديدا بمجال كُرة القدم. بل وصل الأمر وفي وقت قياسي إلى درجة من التشبع المعرفي ببعض تفاصيل المشهد السياسي، على شاكلة الرغبة في توسيع دائرة الإحاطة بتفاصيل المشهد السياسي في الجزائر، وبكلّ مكوناته السياسية، الأمنية، القانونية والاقتصادية، ما قدم نموذجًا لافتًا عن تصالح الفرد الجزائري مع واقعه السياسي، مُدركا – ولو متأخرا- دوره في صناعة مشاهد الانتقال السياسي في بلده، وهو ما شهدنا عليه حقيقة في صور لتبادل الأفكار، وتقديم لمقترحات وحلول للخروج من أزمة الانتقال السياسي العسير، الّذي تشهده الساحة السياسية في الجزائر، سواء بين المتظاهرين في الساحات العامة، أو لدى الأوساط الجامعية من أساتذة وطلبة، يتبادلون أفكارا وطروحات بشكل من الحرية والديمقراطية في استيعاب الأفكار وقبول الآخر. وهي مكاسب بالغة الأهمية، كثيرا ما افتقدناها في مجتمعنا.
ولكي نؤسس لثقافة سياسية مبنية على الاستثمار الإيجابي، والبناء الأمثل لهذه الجهود، أضحى لزامًا على هذا الوعي أن ينتقل تدريجيًا إلى مستويات نشر ثقافة سياسية راسخة، بعيدة عن طابع المناسبات أو الظرفية. فالانتقال الديمقراطي في مجتمع ما، لا يمكن رهنه بمستويات من الوعي والاهتمام، دون العمل على ترسيخ ذلك الوعي وترجمته في جملة سلوكيات، تدفع نحو مشاركة دائمة وفعّالة في العمل السياسي، إذ لا يمكن الحديث عن ديمقراطية منشودة، أو أي انتقال سياسي لافت، بعيدا عن توفر أُسس ومتطلبات البناء الديمقراطي الّذي يستدعي بإلحاح ذلك التنسيق السياسي في أنماط السلوك، والعلاقات بين الدولة والمجتمع، وبين مختلف مكونات المشهد السياسي من فواعل وقِوى سياسية واجتماعية، عبر مزيج من التلاقح والتأثير المُتبادل، يكون نتاجه إعادة إنتاج الوعي السياسي الدافع نحو مشاركة سياسية فاعلة، تقوم على الممارسة الجدية للعمل السياسي، بعيدا عن الترف السياسي وإهدار الوقت والجهد، فلا يمكن التأسيس لديمقراطية منشودة، تُساهم في الخروج من الأزمة الراهنة، بالوقوف عند جملة أفكار ومبادئ، ساهمت المرحلة والظرف الحساس في غرسها لدى الفرد الجزائري، بل من الواجب ترجمة ذلك إلى ممارسة وسلوك مجتمعي مُتكامل. إنّ الخروج من المفهوم السطحي للديمقراطية والانتقال السياسي، يدعونا كافة ودون استثناء أو إقصاء إلى ضرورة التأطير والتنظيم أكثر، فالقاعدة العلمية تشير إلى عدم جدوى الاهتمام والوعي السياسي لدى الجماهير، ما لم يُرافقها ترسيخ لثقافة المواطنة الحقة، ومشاركة سياسية مُؤثرة تتسم بالنضج السياسي والإدراك لمتطلبات المرحلة. ولن يتأتى ذلك دون العودة إلى أصول التنشئة السياسية التي ترعاها أساسًا فعاليات القِوى السياسية من أحزاب وتنظيمات أهلية، فالشارع وإن أبدى وعيًا واهتماما بقضايا أمته، لن يخرج عن طابع العشوائية واللا تأثير، إذا لم يحسن تأطير جهوده ضمن قنوات سياسية هيكلية وفاعلة، وهو ما يضعنا في المقابل أمام إشكالية مدى قدرة ونضج هذه القِوى السياسية والاجتماعية في أداء وظيفة التأطير. وعليه، فإنّ حساسية المرحلة تقتضي انتشارا أفقيًا جماهيريًا للقِوى السياسية، في محاولة استغلال واستثمار هذا الوعي والجهد، ضمن مسارات نضالية مُنظمة وأكثر تأثيرا وفاعلية، فالبناء الديمقراطي يتطلب تجديدا مؤسسيًا وثقافيًا وسلوكيًا لكلّ الفواعل، يصل بنا إلى مستويات من تنشيط الوعي السياسي، وتنوير بصيرة المواطن بحقوقه والتزاماته، تجعل من أُسس المشاركة السياسية، والمساهمة المباشرة في خلق وصناعة المشهد السياسي حقيقة ملموسة وليست مجرّد شعارات أو أفكار نتداولها، وبالتالي تنتقل بنا من مستوى رد الفعل إلى الفعل ذاته.

العابد هواري/ أستاذ العلوم السياسية –جامعة أدرار
الحـراك غيّر الصــورة الـنمطيـة للشبـاب
إنّ الحراك السياسي في الجزائر بعيون الملاحظين والمختصين كان استثنائيًا بكلّ المقاييس من حيث التعبئة الجماهيرية وسلمية الحراك بالإضافة إلى وحدة المطالب مقارنة بباقي الحركات الاجتماعية التي شهدتها بعض الدول العربية ابتداءً من سنة 2011، أو ما عُرفت آنذاك بثورة الربيع العربي.
ما يمكن فعله في السياق الجزائري، هو محاولة الحديث عن الأدوار التي لعبتها مواقع التواصل الاجتماعي في دعم وتعبئة الحراك السياسي في الجزائر من جهة، وكيف ساهمت من جهة أخرى في نقل المواطن من مواطن لا يبالي ولا يهتم بالشأن السياسي إلى مواطن مدرك ومُمارس للعمل السياسي بشكل دائم.
يعني الحراك السياسي مجمل النشاطات السياسية سواء كانت فردية أو جماعية بغض النظر إن كانت هذه النشاطات «موالية» أو «معارضة» للنظام السياسي، فالحراك السياسي قد يكون اجتماعًا أو مؤتمرات أو مظاهرات أو مسيرات كما هو بالنسبة للشأن الجزائري وهو إمّا حراك سلبي لا يخدم المصلحة العامة بقدر ما يكون هدفه التجميل، وتحركه أجندات لا علاقة لها بالإصلاح المنشود أو هو حراك ايجابي يهدف إلى الإصلاح كغاية جماهيرية عامة. وآليات الحراك السياسي بالمجمل العام هي التوعية والتعبئة والاتصال المباشر بين الناس ونشر المعلومات وتبادلها وطرح وجهات النظر جميعها وإدارة المناقشة العامة بشفافية ونزاهة وتجرد عن الأهواء.
وبالرجوع للحراك السياسي في الجزائر، فلقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تعبئة الرأي العام، والتي أصبحت تعد من بين أهم وسائل التغيير في العصر الحديث فهناك العديد من المجموعات التي يُنشئها بعض المُدونين والتي من شأنها أن تكسب  مؤيدين للمطالبة بالتغيير والإصلاح. ولقد كان لموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك face book ، الدور الملحوظ في بلورة الرأي العام في الجزائر، عبر ربط مجموعات المعتصمين والمحتجين وتحشيد المؤيدين لها وتحديد أماكنها وتوقيتاتها، الأمر الّذي حوّل الموقع من وظيفته الأساسية «التواصل اجتماعيًا» إلى وظيفة جديدة هي التعبئة السياسية التي لم تكن تخطر على بال من خرج الشعب ضدهم.
فلقد عُدَّ يوم الجمعة 22 فيفري 2019 مولدا للحراك السياسي في الجزائر التي أطلق عليها جيل الفيس بوك -سلمية.. سلمية- وهو اليوم الّذي خرجت فيه الحشود الكبيرة في مختلف ربوع الوطن بصوت واحد من خلال الشعارات التي أطلقتها هاته الجماهير في إشارة إلى أعضاء النظام السياسي القائم مثل: الشعب يريد رحيل النظام، -تفعيل المادة 102-، تطبيق المادة 7 و8 من الدستور، وهي شعارات تدل على مدى تنامي وتصاعد الوعي السياسي لدى هاته الجماهير من جُمعة إلى أخرى تماشيًا مع مخرجات النظام السياسي القائم.
عمومًا فلقد وظف الحراك السياسي في الجزائر مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج هذا الحراك وإدامة زخمه وتعبئة شبابه وتحوله من احتجاجات ضيقة وفردية إلى تنظيم قِوي أتى أكله في تغيير الكثير من الأمور من خلال مظاهرات الحراك الشعبي. إنّ ما يمكن الخروج به من هذا الحراك السياسي كملاحظات في مدى تنامي وتصاعد الوعي السياسي لدى هذا الشباب والفرد الجزائري وهي بمثابة مؤشرات نحو الوصول لممارسة العمل السياسي الفعلي والدائم ما يلي: هناك تغير كبير في الصورة النمطية للشاب الجزائري، إذ تحوّل من شاب كان يُوصف بالسطحية في السابق إلى شاب فاعل ومتفاعل. لقد فاجأ الشباب الجزائري النظام السياسي القائم بصورة جديدة لشباب اليوم تخالف تمامًا ما أشيع عنه بأنّه جيلٌ تافه وليس له علاقة بالشأن العام. كسر الشباب الجزائري حاجز الصمت والخوف، وحول العمل السياسي السري إلى نشاط علني. فهذه الموجة من الحراك السياسي لم تخلقها مواقع التواصل الاجتماعي لوحدها بل خلقها بالدرجة الأولى الفقر والغضب والحكام المستبدون ولم تكن مواقع التواصل الاجتماعي إلا وسيلة لتعبئة وتنظيم هذا الحراك السياسي.

الرجوع إلى الأعلى