وجد علواش في السطوح مكانا جيّدا للتصوير على المستويين الجمالي والموضوعي. فإذا كان السطح موضعا تعيش فيه الطبقة المهدور حقها فإنه من وجهة فنية صرفة يوفر للمخرج فرصة الإطلال على أحياء الجزائر التي صرّح في أكثر من مرة أنه يعشقها من علو. و هذه السطوح التي جاءت في بنايات تنتمي إلى الإرث الاستعماري شكّلت عند علواش رابطا بين القصص الخمس التي حاول أن يجمع بينها في فيلمه هذا.
قصة الرجل الذي قيده بالسلاسل أخوه المتدين الذي يجلب جماعة يقدم شيخها خطبة تمتدح القذّافي، قصة الفتاة الموسيقية التي تتعرف على شابة في السطح المجاور وترتبط بها عاطفيا بإيحاءات قد تكون مثلية. حكاية الرجل الذي يعيش على السطح وهو يفتقد أيّ مكان ذي خصوصية له لا يتقاسمه مع غيره، ثم حكاية الشخص الذي تقوم مجموعة بتعذيبه وغطس رأسه في الماء في بناية قيد الإنشاء، وأخيرا حكاية المرأة التي تعيش في السطح مع ابنها المراهق وابنتها المريضة نفسيا والتي تقوم بضرب صاحب المكان إلى الموت وتحاول رمي جثته في البحر بعد أن طالبها بإخلاء المكان إثر حكم قضائي لصالحه.
غير أنّ الذي ينتقد فيه علواش، أنه لم يستطع أن يربط بين الحكايات المتعددة في فيلمه وأن يجد لها حلولا سردية وانتقالات مشهدية تتيح له ذلك الربط حيث لا يكفي أن يوحّد المكانُ بين القصص حتى نشاهد فيلما متكاملا ، لم يتمكن علواش من وضع حل سردي ناجح، بكلمة أخرى لم نجد المظلة الشاملة التي تجمع كل هذه القصص، ولكننا وجدنا مجموعة حكايات متنوعة لا تجمع بينها بؤرة سردية مركزية. إنّ الفيلم متقن من جانب التصوير، ومن جانب المونتاج أيضا، زيادة إلى الاستخدام الرائع للموسيقى غير أنّ ما ينقصه هو هذا الربط بين الحكايات الخمس والعثور على علاقات أعمق بين الشخصيات. أي أنّ مشكلة السيناريو قائمة بوضوح في الفيلم على الرغم من أنّ الإبهار المشهدي كان حاضرا بقوة.

تعاوُن علواش مع مدير التصوير فريدريك دوريان كان ناجحا فقد استطاع خلق توازن جمالي بين تفاصيل السطوح المزدحمة بانفعالات شخصياتها والخلفية التي تصوّر السماء صافية والتي تحيط الصورة بشكل دائم أو تلك اللقطات البانورامية لأحياء الجزائر من أعلى والتي ترافقها في الغالب أصوات رياح أو أمواج ترتطم بساحل البحر. والملاحظ في الفيلم أنّ المخرج تجنّب التصوير في أماكن مغلقة باستثناء مشاهد التعذيب ومراقبة الشيخ والفتاة المنقبة من ثقب الباب.
إيديولوجيا اُنتقد علواش من قبل بعض النقاد العرب واتُّهم بتكريس النظرة الاستشراقية للإسلام والمسلمين والمساهمة في تشويه الدين والمجتمع العربي والجزائري بالخصوص، بل إنّ ناقدا أردنيا تساءل إن كان هذا بسبب عقدة نقص أو رغبة في نيل الجوائز. ومبدئيا أرى أنّ مثل هذا الكلام يجعل من التساؤل عن جدوى السينما في حد ذاتها وقيمتها سؤالا أوليا مطروحا بشدة. ما الغاية من السينما؟ هل هي تصوير مجتمع خيالي يرفل في الرفاهية والنعيم ومظاهر الرقي والتحضر بينما الواقع يقول غير ذلك تماما؟ إنّ السينما تأخذ من الحياة وتصور مظاهرها وتفتح الجرح بملقط حاد أمام الشمس لتطهيره.
إنّ الفيلم كما يشير بعض النقاد مثل الأستاذ نديم جرجورة محاولة لتفكيك بنى اجتماعية وإنسانية وقانونية. وشخصيا أتصور أنّ أهم دور للسينما هو هذا. أمّا الرغبة في إنتاج سينما تلفيقية تدّعي تصوير الحياة والواقع بينما هي تكرّس لما يغاير ذلك تماما فليس إلاّ محاولة سلبية لا ترتقي بما يأمله المشاهد منها.
لقد قدمت سطوح علواش  صورة عن مجتمع مفكّك مضطرب، مردوم الحقوق، تحدث عن مرتزقة الدين وتجاره، عن العلاقات المريضة في المجتمع الواحد. وإيماني الشخصي أنّ هذا هو بداية الشفاء من هذه الأمراض أي عندما يعترف المجتمع أمام مرآة ضميره أنّه يعاني من كل هذه الأدواء وهذا ما تفعله سينما علواش.
ياسين سليماني
  

الرجوع إلى الأعلى