بقلم: عبد القادر رابحي

  كيف يمكن لفيلسوف غربيّ همّه إدراك فكرة المادة بوصفها نسقا ترانسندانتاليا وحيدا لتسلّق آفاق الرؤية الماورائية التي طالما أقرت المتن الفلسفي الغربي من أرسطو و أفلاطون إلى هايدغر        و كيركغارد مرورا بنتيشه و كانط، إلى فقيه ضليع في الحديث عن القرآن الكريم و عالم خبير بمُحكَمِه و مُتشابهه و بناسخه و منسوخه و بآياته الثابتة و آياته المعطِّلة؟ و ما هو مستوى التحوّل الكبير الذي حصل في مجال الموضوعة الفلسفية الغربية بوصفها عنصرا فاعلا في تحديد بؤر الاهتمام التي تحوز على مستقبل النشاط الفكري و الفلسفي عند الفلاسفة الغربيين لكي يرجع الفيلسوف الغربي إلى مجال طالما اعتقد أنه قُتل بحثا من طرف آبائه المستشرقين في بداية الاحتكاك الحديث بين الشرق و الغرب باحثا عمّا يعتقد أنه حلقة افتقدها في فهمه و في تحليله لجدلية الصراع بين الشرق و الغرب؟ و هل تحوّل الاهتمام الغربي بالشرق من اهتمام بالشرق بوصفه إنسانا مفتقدا للوجود كما كان من طرف الأجيال الأولى من المستشرقين إلى الاهتمام به بوصفه قرآنا مُدركا لافتقاد الوجود كما بحدث الآن مع الكثير من المثقفين الغربيين المهتمّين بجدلية هذا الصراع ؟ و هل ثمة من سرّ جديد يربط بين القرآن و الإنسان اكتشفه أو يريد أن يكتشفه الغرب فجأة بعد كل هذا التاريخ المضيء للهيمنة الغربية المعاصرة؟ و لماذا يتم وضع القرآن الكريم بالذات في بؤرة الاهتمام الفلسفي الغربي في حين أن المتن ما بعد الحداثي الغربي قد بُني أصلاً على تحييد النصوص المقدّسة بالتعبير المابعد حداثي سواء أكانت إنجيلية أم توراتية، ومن بينها القرآن الكريم، و ذلك من خلال إخراجها من مجال الموضوعة الفلسفية الغربية كما كانت تتم في المتن الحداثي للوصول إلى إبطال مفعول تأثيرها في الإنسان المعاصر بوصفه وديعة ما بعد حداثية تولد و تعيش و تموت وفقا لرؤية مشيّئة داخل الاشتغال الفلسفي بمصيره؟
°°° °°° °°°
    لعل العديد، بل الكثير، من الأفكار التي يرددها الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري ليل نهار على مسامع زملائه الفرنسيين و الغربيين المدهوشين بقوّة ملاحظاته و بدقتها و بجدارتها في واقع غربيّ مأزوم على المستوى الفلسفي و الاجتماعي و الاقتصادي، و التي جعلت منه أذكى رجل في فرنسا بحسب بارومتر مجلات الرأي و أقدر رجل على المحاججة و الإقناع في فرنسا و أشجع رجل على دحض المقولات المعلبّة التي يرددها فلاسفة الاستهلاك الرسميين في الغرب من أمثال برنار هنري ليفي و فينكنكراوت و إيريك زمور و ميشال ويلباك و غيرهم..أقول: لعل أغلب هذه الأفكار التي يرددها ميشال أونفري دون انقطاع على مسامع من يسميهم بالبروليتاريا الجديدة التي يبشر بميلادها في فرنسا و في الغرب عموما، و التي تتغذى من الواقع الراهن لغرب أوربيّ غير قادر على التصدي لأزماته الاقتصادية هي، في حقيقتها، أفكار مطروحة في الطريق منذ سنوات في العالم الشرقي و يردّدها مثقفُوه المقهورون وجوديا و سياسيا و اقتصاديا من طرف أنظمة عربية لا تنفكّ تزداد انغلاقا على نفسها جرّاء ما تعايشه من  تهاوٍ مُريعٍ لأبنيتها الورقية و من زوالٍ خطير لرصيدها النضالي الذي بنت عليه أسطورتها السلطوية المتمثلة في الدولة الوطنية الحامية للذات من أي خطر داهم.
     إنها نفسها الأفكار التي  يرددها جلّ مثقفي الشرق المخذول بسياسييه و بمثقفيه الإيديولوجيين منذ عهد غير قريب، أي منذ أن تبلورت صورة الهزيمة الجديدة الإنسان الشرقي بعد سقوط حلم الثورات التي أُغرِقَت في بِرْكة عَفِنةٍ تحت مسمًّى غريبٍ لا يمتّ إليها بأيّة صلة هو مسمّى الربيع العربي.
°°° °°° °°°
    فهل كان يجب على المثقفين الغربيين الإصغاء الجاد للمثقفين العرب و المسلمين وهم يصدحون منذ عشرات السنين بما يعتقد أونفري و غيره أنهم خلصوا إليه بتجربتهم الفكرية و الفلسفية العميقتين؟ و هل كان يجب أن يُفَكًَّك عالمٌ بأكمله هو الشرق وفقا للرغبة الغربية من صورته التي ركبها الغرب في القرن الماضي من أجل أن يكتشف الجيل الجديد من فلاسفة الجدل الغربيين أن الشرق لا يزال وليمة غنية للغرب المستعد للانقضاض على فريسته المفضلة؟ و هل ثمة من جديد مُدهشٍ، غير أن يقولها رجل غربي مثقف مثل أونفري، في أن يقول هذا الأخير بأن السبب الحقيقي وراء أزمة المهجّرين الأخيرة هو التدخلات الغربية العنيفة في دول الربيع العربي و دول العالم الضعيف في إفريقيا عموما. و هذا ما كان يردده المثقفون العرب الذين أدركوا منطق الصراع بين الشرق و الغرب، و هم قلّة في كل الأحوال بالنظر إلى الكثرة من المثقفين الداعية إلى التدخل الغربي، و ذلك  بناء على حقيقة ما يريده الغرب من حرص على تمرير فكرة انتهاء صدام الحضارات مع انتهاء المرحلة الكولونيالية، و أن الحديث عنها هو مجرد وهم يوجد في أذهان من ليست لديها القدرة على تمثّل البعد الإنساني في مبدأ العولمة بوصفه مبادرة غربية مُهيمنة؟ و هل ثمة من جديد مدهش، غير أن تأتي من فم الفيلسوف أونفري ، في أن يقول هذا الأخير بأنه يجب ترك العالم العربي( و خاصة دول الربيع العربي محل الصراع و الخلاف) لحاله و في هذا حل للعديد من الأزمات الاقتصادية و النفسية التي يعيشها الغرب؟
     و هل ثمة من جديد مدهش، غير أن يقولها أونفري على مسامع الجمهور المبهور بقوة الحجة و تأثيرها على السماع و المفتقد لقدرة تحليل متأتية من قراءة متأنية لواقع السياسة الغربية تجاه الآخر، عندما يصرح هذا الأخير بأن الغرب يخشى التدخل في كوريا الشمالية و بمحق مالي،       و بخاف التدخل في إيران و يمحق سوريا و العراق، و يخشى التدخل في الصين و يحتل أفغانستان؟ ألم يقل المثقفون العرب الحقيقيون أن الغرب يفكر بمنطق الكيل بمكيالين لأنه وجد من يبتاع من بني جلدته و يهيئ الأرض لاستقبال قنابل آتية من سماء مفتوحة على دمار الأرض و الإنسان في العراق و في سوريا و في ليبيا و في اليمن؟
   و هل ثمة من جديد مُدهش يصبح بموجبه فيلسوف الساعة الأكثر ذكاء بين أقرانه المثقفين، غير محاولته التلاعب الفلسفي الرهيف بإشراقات غوته و بتحقيقات زغرد هنكه و بتنويرات إيتيان دينيه بما يحول الفكرة من مجالها الأصلي و ينزع عنها حيويتها الشرقية؟ و كذا محاولته، في كلّ مرة، قلْبَ المقولات التي جعلت من فيلسوف آخر فاعل في الميدان هو برنار هنري ليفي الذي فتح له المثقفون العرب الرسميون في البلاد العربية أذرعهم و ديارهم ليعيث فيها فسادا و ليدمر فيها ما لم تستطع الطائرات و الجيوش الخائنة تدميره على الأرض؟  و هل ثمة من جديد مدهش في أفكار ميشال أونفري عندما يدعو إلى إعادة الاعتبار للهوية ببوصفها عنصرا حاسما في الخيارات الدينية و الفلسفية، و للقوميات باعتبارها عاملا حاسما في توصيف الصراعات السياسية، و للخصوصية الثقافية باعتبارها عاملا حاسما في ترتيب البيت الثقافي و حمايته من التداخلات التي تشوّش على إنتاج قيم ثقافية أصيلة؟
°°° °°° °°°
    ربما كان هناك نوع من التشابه بين معركة سارتر/كامو التي جرت في مرحلة تاريخية حساسة هي مرحلة الثورة على الاستعمار و تأسيس دويلات ما بعد الكولونيالية في منتصف القرن الماضي من جهة، و بين معركة ميشال أونفري/برنار هنري ليفي التي تجري  في مرحلة حساسة كذلك هي مرحلة العودة إلى الاستعمار بعد فشل مشاريع الدويلات ما بعد الكولونيالية من جهة ثانية. و مثلما كانت المعركة الأولى تدل على انقسام النخب الثقافية و السياسية الفرنسية حول مسائل التحرير و الاستعمار التي كان ميدانها الشرق المٌستعمَر، فإن هذا المعركة تدل على انقسام النخب نفسها حول المسألة نفسها، إي حول وضعية الإنسان الشرقي المُستعمَر في منظومةٍ فكرية و سياسية مُهيمِنة يصبح الإنسان الشرفي بموجبها هو القاسم المشترك ذي المصير المجهول في معادلة ذات  معلومين يحاول كل منهما أن ينتصر للذات المُستعمِرة من خلال تبنيه لأطروحات قيمية تبدو متناقضة و متصارعة في ظاهرها غير أنها تصب في مصبّ مصلحي غربي واحد هو تحديد مفهوم جديد للإنسان الشرقيّ داخل المشروع الفلسفي الغربي الذي يحاول استشراف الرؤى المستقبلية للحضارة الغربية داخل ما يتيحه العصر المستقبلي من مستجدات تكنولوجية و إعلامية سيكون لها تأثير كبير على واقع المجتمعات عموما و المجتمعات الشرقية على الخصوص، و ذلك بالنظر إلى ما يحمله من تسارع في تجديد الأفكار و في الموضوعات الوجودية بما هي عامل حاسم في الانتصار للذات الحضارية الغربية الذي لا يمكن أن يتم إلاّ بإخضاع الإنسان الشرقي إلى التصور الأحادي الغربي المبني على فكرة التسيّد الذي يُحوِّل الشرق إلى وليمة دسمة للغرب الراغب في إشباع نهمه التوسّعي المستديم.
  و لعل إشكاليتيّ الذات المتنمية و الآخر اللتين حدّدتا مسار النقاش الفلسفي بين سارتر و كامو هما أنفسهما اللتان تحدّدان مبدأ العداوة المعرفية بين أونفري و برنار ليفي على الرغم من اختلاف زوايا الرؤية لكلا الزوجين من القضايا المطروحة في زمن الاستعمار من خلال شجاعة سارتر و تخاذل كامو تجاه القضية الجزائرية، و من المواقف التي يحملها أونفري و برنار ليفي عن القضية الفلسطينية في راهن المساءلة الفلسفية الغربية. و لعل ثمة أدوارا مقلوبة غير واضحة المعالم يقوم بها المثقفون الغربيون المعاصرون بالنظر إلى وضوح الرؤية الذي كان يميز الصراع الفكري حول القضايا المصيرية في الغرب عموما و في فرنسا على الخصوص. ففي حين كانت مواقف سارتر واضحة من قضايا الاستعمار و التحرر إلى الحد الذي جعله يقف ضد الذات المنتمية لمنطق الهيمنة و الانتصار للآخر الباحث عن تحرير ذات مُستلبة تعيش بين مخالب الاستعمار و الكولونيالية. و هذا ما لا يستطيع بنار هنري ليفي أن يقوم به نظرا لتماهي البعد الثوري الذي يدعيه رواد ثورات الربيع العربي مع التصور الغربي للحرية التي لا تتحقق إلا باستدعاء المستعمِر من أجل إنقاذ الشعوب من الدكتاتوريات المحلية.  و لعل هذا ما يخدم أفكار برنار هنري ليفي الباحثة عن هيمنة غربية شاملة تحت غطاء إنسانويّ يستند إلى مبدأ الحق في التدخل كوصفةٍ كولونيالية جديدة في شرق أوسط منزوع من عناصر قواه الحقيقية التي يرى الغرب أنها تشكل خطرا على بقاء الدولة العبرية في قلب الشرق و هي:
أ -عنصر العروبة بوصفه عاملا مُوحِّدا و جامعا للذات الفوق- قومية-  نظرا لما يمكن أن يحمله مفهوم القومية مغالطات تاريخية و واقعية- كما رأينا ذلك مع ضرب الدولة البعثية اللائكية في العراق و تفتيت قوّة المواجهة العربية في سوريا اللائكية كذلك على الرغم مما يمكن أن يقال عن أنظمتهما الاستبدادية.
ب-  عنصر الإسلام باعتباره محيلا للقرآن كما يهتم به المثقفون الغربيون حاليا نظرا لاعتباره نواة تعبوية مُحرّكة لعنصر المقاومة داخل الجسد الشرقي و بوصفه، من ثمّة،  عاملا مُوحِّدا و جامعا للذات الشرقية ببعدها الديني كما رأيناه مع خلق فزّاعات الإيديولوجيات الإسلاماوية في كل من أفغانستان و العراق و ليبيا و سوريا واليمن، و ذلك من أجل تحرير العقل الغربي ممّا يمكن أن ينتابه من حرج إزاء حالات التقتيل المنهجي للإنسان الشرقي، العربي عموما و المسلم في بورما و وسط إفريقيا التي يسكت عنها الغرب، و ذلك بتبريرات إيدبولوجية سياسيوية لا تتعدى الإطار الذي يؤسس للشمولية و الهيمنة بما تمثله من نشرٍ لقيم الحرية و الديمقراطية و العدالة و الانتصار للإنسان عموما و لحرية المرأة على الخصوص في مجتمعات لم تعرف كيف تسيّر رصيد النضال الذي حققته من ثورات أدت إلى تأسيس الدويلات الوطنية من جهة، كما لم تعرف كيف تسيّر رصيد المال الذي عبّأته من خيرات الأرض و من بترولها من أجل بناء مناعة فكرية و ثقافية و هوياتيةّ ينادي بها مفكرو الغرب أنفسهم، و تكون بمثابة الحصن الدافع لتشتّت منظورات الدويلات الوطنية عند أول محاضرة يعقدها مثقف غربيّ مثل برنار هنري ليفي أمام جمهور عربي متعطش لما لمْ يسمَعْه من خطابات تحريضية مثل التي يدعو لها إنسانويّو الغرب من أجل التأكيد على مبدأ (الحق في التدخل) كما نادى به برنار ليفي و برنار كوشنار منذ ثلاثين سنة، و كما ينادي بوقفه ميشال أونفري الآن.
°°° °°° °°°
    فما هي مصلحة فيلسوف مثل ميشال أونفري في تبني الكثير من الأفكار التي حملها المثقفون العرب المتنورون منذ ما يقارب القرن من الزمن ثقلا وجوديا يحاول إنقاذ الإنسان الشرقي من دون أن تجد لها صدى؟ و ما مصلحته في التأكيد على قلب المقولات البرناردية و تقديمها فتحاً فلسفيا و فكريا مبينا لمن يريد أن يسمعه في فترة يعيش فيها الغرب تبعات الوجه الآخر لميدالية الانتصار للقيم الديمقراطية من أجل تبرير التدخل، و الانتصار للقيم الإنسانية لقبول اللاجئين المهجّرين من أجل إفراغ البلدان المعنية بالتخريب المنهجي من طاقاتها الحيوية و من قدراتها الإنسانية من أجل الاستمرار في المواجهة غير المتكافئة؟ و هل يمكننا أن نتصوّر أونفري إنسانيًّا إلى درجة الوقوف في وجه الذات الغربية المغلقة على قيم الهيمنة من أجل الانتصار للآخر على الرغم من تمجيده لألبير كامو على حساب سارتر، و على الرغم من انتهاج برنار ليفي لفكرة النزول بالفلسفة إلى الشارع التي سبقه إليها سارتر على الرغم ممّا كان يحمله سارتر من فكر نضالي تحرّري صادق و ما يحمله برنار ليفي الآن من رؤية كولونيالية مهيمنة؟ أم هل يمكننا أن نتصور أونفري فيلسوفا محافظا لا يهمّه في نهاية الأمر مصير الإنسان الشرقيّ المرمي جثثا هامدة على الشواطئ و محطات القطار الغربية بقدر ما يهمّه مصير الذات الغربية المتأصلة داخل منابعها الثقافية و المتوجهة إلى الاعتناء بروحها المنطوية على مصالحها للحفاظ على خصوصيتها الغربية الخالصة؟ و لعلها النظرة التي يتساءل من خلالها العديد من زملائه المثقفين فيما إذا كانت ذات توجه فلسفيّ نحو أفكار يمينية متطرفة من قبل فيلسوف طالما دافع عن انتمائه لليسار ؟
°°° °°° °°°
    ربما كان أونفري، وهو يحاول أن يقوّض الأفكار المابعد حداثية التي روّج لها برنار هنري ليفي طيلة أكثر من عشرين سنة في عالم عربي و إسلامي مرهون للبيع من طرف أبنائه مسلوبي الهوية و مخذولي الحرية بسبب أنظمة استبدادية هرمة، يحاول أن يلعب في ميدان مستقبلِ ما يمكن أن يقع للغرب بوصفه فزاعة للشرق و للشرق بوصفه فزاعة الغرب، وهو ميدان يتجاوز الأفكار المابعد حداثية كما تبلورت طيلة أكثر من نصف قرن من الزمن إلى الأفكار البعد ما بعد حداثية كما يصفها بعض مثقفي الغرب القانطين من نتائج ما حققته موجة ما بعد الحداثة من هدم منهجي للقيم الإنسانية المشتركة  جراء ما حققه من تمركز مصلحي داخل ما يدعو إليه من انفتاح، و ما حققه من هيمنة توسعية بناء على ما يدعو إليه من حق في التدخّل و من واجب الإنقاذ، و ذلك على عكس برنار هنري ليفي المهووس بالتمركز داخل اللحظة التاريخية و اقتناص محركها الأساسي من أجل استخدامه في إدارة أفكار الأزمات في صالح رؤيته الإيديولوجية غير المعلنة على الرغم من وضوح توجهاتها. إنه الهوس بالممارسة الفكرية من داخل راهنية الفعل السياسي لأجل التحكم في مسارات الحراك الاجتماعي في العالم العربي و الإسلامي خاصة و توجيه طاقاته الفائضة إلى النهر الخالد للغرب المهيمِن و هو يقض مضاجع الشرق النائم على أحلام قروسطية القرن الواحد و العشرين تماما كان  ينام على الأحلام نفسها قبل ما سميّ زيفا عصر نهضة عربية خلال القرن العشرين.
ربما كان ميشال أونفري صورة مقلوبة لبرنار هنري ليفي في واقع الممارسة الفكرية الغربية، و الفرنسية خاصة، و التي لا تستطيع أن تُوقِف ماكنتها العاملة مثقال لحظة واحدة نظرا لحاجة الإنسان الغربي إلى تجديد دمائه بالأفكار الفلسفية من خلال إنتاج  ما هو أكثر فاعلية فيها داخل أنساق لا تريد لقوة أخرى، هي أبعد من أن تكون شرقية في نظره، أن تكون بديلا لها من أجل فرض هيمنة دائمة و مستمرة لغربٍ متمركز فلسفيا و كادح عمليا نحو مستقبله على شرق مشتّت وجوديا ثاوٍ معرفيا على ماضٍ أصم. و لعله ليس العشاء الأخير الذي يكون فيه الشرق وليمةً للغرب بحضور السيد المسيح أو بدون حضوره.
سعيدة: 15/09/2015

الرجوع إلى الأعلى