جميلة طلباوي
رمل
جلد الضبّ يتوهّج في الظهيرة، تبدو حراشفه منتصبة مصوّبة نحوه، يتزحلق الرمل ساخنا تحت قدميه، يدرك أنّ الطريق لن يوصل إلى البحر.
عث
سعاله يزداد، ينتفض صدره، تسلّمه كأس ماء وتسحب منه الجريدة، تذهل من منظرها، الكلمات عثّ من حبر.
إرباك
السيجارة تكف عن إرسال دخانها، تربكه الحالة، القهوة هي الأخرى تسلخ عنها سمرتها تبدو بلون بين الرمادي والأبيض، يتفقد عينيه، يلمس زجاج نظارة مسؤوله المباشر في العمل.
ظمأ
حطّت اليمامة الوديعة على جنب الغدير والعشب الرطب يعكس جراح الشفق، نفضت جناحيها المتعبين في دلال وكأنّها ملكت العالم كلّه، وزّعت نظراتها على المكان وهي تتهيّأ لتغمس منقارها في الماء لإطفاء الظمأ، توجّست خيفة من المنظر من حولها،، كلّ الصخور ثعالب على وشك الانقضاض عليها، فزعت، ارتجفت كذبيحة، فردت جناحيها وطارت، حطّت بعيدا على خشبة ملقاة أرضا بجنب بحيرة هادئة آمنة، تمايلت اليمامة منتشية بمنظر الماء، وقبل أن تغمس منقارها في البحيرة تمدّدت الخشبة ثعلبا أتعبه الصيد.
عودة
تعودين فتذكرين لون بذلته وربطة عنقه وحتى حامل مفاتيحه بألوان العلم وغصن زيتون.. تذكرين صوته الذي تقطّع وهو يبتلع قصائد الوطن ويودّعك، لحظتها انسحبت من عينك دمعة والسماء غيمة سوداء.  ما زلت تذكرين أنّك ابتلعت لسانك وأدرت ظهرك للماضي ومضيت في ذلك الطريق الطويل. تذكرين أيضا أنّ الأرض تحتك تحوّلت إلى خيط ماء، فقدت توازنك لتفتحي عينيك في المستشفى، الشظية بترت ساقك، والأخبار تناقلتها القنوات: الشهداء عادوا هذا الأسبوع محمّلين بالتراب وبالمطر.
غربة
الآن فقط أدرك الفرق بين نقطة في آخر سطر من أحلامك والفاصلة التي وضعتها في رحلتك المفاجئة وأنت تستقلّين الطائرة وتعودين كما تعود الطيور المهاجرة، تبحثين في حقائب الذاكرة عن كلام يقنع الوالدة التي عارضت سفرك.
أنت تمسكت به بقوة تشبّثا بالحياة، هروبا من سيارة مفخخة أو سكين لن يشحذه الجلاد قبل تنفيذ المجزرة. مرّغت وجهك في تراب الوطن الذبيح وأقلعت بعيدا. ولأنّ الغربة أضاعت منك عصافير روحك عدت اليوم لتصطدمي بدراجة الصغير، تشهقين من الفرحة أو من الدهشة: عمر كبر، ها أنا عدت يا صغيري.
عمر، أيّتها العائدة من سحب الرماد لن يتعرّف عليك هو اكتفى بجملة: جدّتي ماتت.   
ساعتها لم يبتلعك التراب كما تمنّيت.
خريف
حاولتُ عصر قلقي وإسقاطه من عقارب ساعة تلسعني وتبثّ سمومها في كلّ مفاصلي، تفقدني القدرة على الحركة، أسند رأسي إلى الوهم وأنزوي إلى بقايا قهوة أخالها هي كانت تشربني ولا تبقي منّي سوى صوتي الذي يسافر مع الرّيح ويطرق سمعك علّك تعود.. وصارت مساءاتي سنوات غيّرت لون شعري وكست سطح روحي بالجليد.
اقتربت من النّافذة أتطلّع إلى الشارع علّك تركن سيارتك بالقرب من باب بيتنا، علّك تعود أيّها الربيع، لكنّني رأيت الأشجار نفضت عنها أوراقها والسماء شاحبة مثقلة بأوجاع الخريف.

الرجوع إلى الأعلى