كان السرد في ضيافة الشعر في اليوم ما قبل الأخير لفعاليات مهرجان الثقافي للشعر النسوي الذي ستختتم طبعته الثامنة اليوم بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، حيث تمحورت الندوات الأخيرة للملتقى الأدبي حول موضوع»المدينة بين الشعر و السرد في الإبداع النسائي الجزائري».
الأستاذ السعيد بن زرقة/المدرسة العليا للأساتذة بالعاصمة/ اختار الغوص في ثنائية الرمل و البحر في رواية جميلة طلباوي»الخابية»، و ذلك من خلال رصد المؤشرات المكانية الكثيرة المستعملة في النص، و التي تحيل إلى بناء مدينة ما بعد الحداثة انطلاقا من الصحراء.
من جهتها حاولت الأستاذة ذهبية حمو الحاج /جامعة تيزي وزو/ شرح سر اندماج الذات بالمكان في الكثير من النصوص الإبداعية النسائية، مبيّنة بأن المدينة  يمكن أن ترتبط بالعمارة، لكن الذات تبقى رهينة البيئة التي يرتاح لها المؤلف و يجد نفسه فيها.
الموازاة بين الشعر و السرد تجلت أيضا في المحاضرات التي قدمتها كل من الدكتورة رزيقة طاوطاو /جامعة أم البواقي/ التي تحدثت عن مفارقة الفضاء في ثلاثية أحلام مستغانمي و توقفت عند حضور المدينة في «ذاكرة الجسد» و «فوضى الحواس» و «عابر سرير» و كيفية تجسيد صورة قسنطينة  المدينة بشكل مفارقي  و بروزها من خلال المتخيّل عبر شخصيات الرواية و خاصة البطل بن طوبال و تأرجح المتخيّل هنا و هناك و بين الأنا و الآخر و المزج بين اللحظة الراهنة و الماضي مع استشراف المستقبل. فيما فضلت الدكتورة نعيمة بولكعيبات /جامعة سكيكدة/ إبراز شعر إلهام بورابة و الحديث عن سيكولوجية المكان في قصائدها، مركزة على ديوان مخطوط لها لم يطبع بعد، استقته من مواقع التواصل الاجتماعي، لما وجدته فيه من روح المكان لشاعرة تعشق مدينة الجسور المعلّقة في صمت، كما حاولت البحث عن سر ذلك من خلال الغوص في الحالة النفسية للشاعرة و علاقة المكان بحالتها تلك، و اعتبرت أن المكان في أعمال بورابة يحمل دلالة تناقضية:» قسنطينة تعني لها تارة الآمان و الراحة و الحلم و تارة أخرى الألم و الخوف و الخيبة»، كما استشهدت بأمثلة عن تحوّل المدينة إلى جسد مثلما جاء في إحدى قصائدها القائلة»أنا مبعدة و تاريخ مدينتي متحف..أعيادنا جسورها معلقة بين قلبي و هوائها، فيا سالك طريقها خفف الوطء فذاك جسدي حنيني ما تظنه أرصفة..»و شبهت في الأخير علاقة الشاعرة بقسنطينة بطفلة تحن إلى حضن أمها.
الدكتورة آمال لواتي تطرّقت هي الأخرى إلى هاجس الكتابة عن قسنطينة عند المؤلفة زهور ونيسي، التي حملت جل نصوصها عبارات دلالية عن مدينة الجسور المعلّقة، حتى في سيرتها الذاتية، الموسومة «مسار امرأة عبر الزهور و الأشواك» أين حضرت قسنطينة كمرجع فيه مكوّن تسجيلي و تاريخي تحدثت فيه عن عراقتها و أصالتها و خصوصيتها على مر العصور، حيث ظهرت مرة  كمخيال في شكل امرأة أسطورية عجيبة، امتزج فيها المشخص و المجرّد و الجسد و الروح، و مرة أخرى في شكل جسر  للبوح بالحنين إلى هذه المدينة و استحضار الذكريات العالقة في الذاكرة و النفس و أيضا كجسر للتواصل بين ماض قاس و مؤلم و حاضر جميل يبعث على الأمل.
و كانت الدكتورة راوية يحياوي قد تناولت من جانبها المدينة و تعددها الدلالي في المحكى الشعري النسائي و علاقتها بالذات معرّجة على المدينة الحب و الاغتراب الوجودي و الوطن مستندة إلى عدة نماذج شعرية منها «باب المدينة لحنين عمر في ديوانها «باب الجنة»، و كذا قصيدة حضارة لمؤلفتها زهرة بلعالبة المأخوذة من ديوانها»ما لم أقله لك»، بالإضافة إلى نصوص لوسيلة بوسيس خاصة تلك المنتقاة من ديوانها»أربعون وسيلة و غاية واحدة»، فضلا عن أمثلة اختارتها من نصوص رشيدة خوازم»شهقة السنديان» و كذا نص «أوراق محجوزة للبرد» للشاعرة نوارة لحرش، ثم «روح المقام» للشاعرة صورية إينال، و أخيرا قصيدة «ترميم»لإلهام بورابة.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى